آيات من القرآن الكريم

وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا
ﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ

الأرض ليست كرية بل هى مبسوطة قال سعدى المفتى وانما هو فى التقلب عليها على ما فسروه انتهى وقد مر مرارا ان كرية الأرض لانتا فى الحرث والغرس ونحوهما لعظم دائرتها كما يظهر الفرق بين بيضة الحمامة وبيضة النعامة لِتَسْلُكُوا من السلوك وهو الدخول لا من السلك وهو الإدخال مِنْها سُبُلًا فِجاجاً اى طرقا واسعة جمع سبيل وفج وهو الطريق الواسع فجر دهنا لمعنى الواسع فجعل صفة لسبلا وقيل هو المسلك بين الجبلين قال فى المفردات الفج طريق يكتنفها جبلان ويستعمل فى الطريق ال واسع ومن متعلقة بما قبلها لما فيه من معنى الاتخاذ اى لتسلكوا متخذين من الأرض سبلا فتصرفوا فيها مجيئا وذهابا او بمضمر هو حال من سبلا اى كائنة من الأرض ولو تأخر لكان صفة لها ثم جعلها بساطا للسلوك المذكور لا ينافى غيره من الوجوه كالنوم والاستراحة والحرث والغرس ونحوها ثم السلوك اما جسمانى بالحركة الاينية الموصلة الى المقصد واما روحانى بالحركة الكيفية الموصلة الى المقصود ولكل منهما فوائد جليلة كطلب العلم والحج والتجارة وغيرها وكتحصيل المحبة والمعرفة والانس ونحوها وقال القاشاني والله جعل لكم ارض البدن بساطا لتسلكوا منها سبل الحواس فجاجا اى خروقا واسعة او من جهتها سبل سماء الروح الى التوحيد كما قال امير المؤمنين رضى الله عنه سلونى عن طرق السماء فانى أعلم بها من طرق الأرض أراد الطرق الموصلة الى الكمال من المقامات والأحوال كالزهد والعبادة والتوكل والرضى وأمثال ذلك ولهذا كان معراج النبي عليه السلام بالبدن قالَ نُوحٌ أعبد لفظ الحكاية لطول العهد بحكاية مناجاته لربه فهو بذل من قال الاول ولذا ترك العطف اى قال مناجيا له تعالى رَبِّ اى پروردگار من إِنَّهُمْ عَصَوْنِي داموا على عصيانى ومخالفتى فيما امرتهم به مع ما بالغت فى إرشادهم بالعظة والتذكير وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً اى استمروا على اتباع رؤسائهم الذين ابطرتهم أموالهم وغرتهم أولادهم وصارت تلك الأموال والأولاد سببا لزيادة خسارهم فى الآخرة فصاروا سوة لهم الخسار وفى وصفهم بذلك اشعار بأنهم انما اتبعوهم لو جاهتهم الحاصلة لهم بسبب الأموال والأولاد لما شاهدوا فيهم من شبهة مصححة للاتباع كما قالت قريش لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم فجعلوا الغنى سببا مصححا للاتباع ودل الكلام على ان ازدياد المال والولد كثيرا ما يكون سببا للهلاك الروحاني ويورث الضلال فى الدين اولا والإضلال عن اليقين ثانيا قال ابن الشيخ المفهوم من نظم الآية ان أموالهم وأولادهم عين الخسار وان ازديادهما انما هو ازدياد خسارهم والأمر فى الحقيقة كذلك فانهما وان كانا من جملة المنافع المؤدية الى السعادة الأبدية بالشكر عليهما وصرفهما الى وجوه الخير الا انهما إذا أديا الى البطر والاغترار وكفران حق المنعم بهما وصارا وسيلتين الى العذاب المؤبد فى الآخرة صارا كأنهما مخض الحسار لان الدنيا فى جنب الآخرة كالعدم فمن انتفع بهما فى الدنيا خسر سعادة الآخرة وصار كمن أكل لقمة مسمومة من الحلوى فهلك فان تلك اللقمة فى حقه هلاك محض

صفحة رقم 180

إذ لا عبرة لانتفاعه بها فى جنب ما أدت اليه

تو غافل در انديشه سود ومال كه سرمايه عمر شد پايمال
وَمَكَرُوا عطف على صلة من لان المكر الكبار يليق بكبرائهم والجمع باعتبار معناها والمكر الحيلة الخفية وفى كشف الاسرار المكر فى اللغة غاية الحيلة وهو من فعل الله تعالى إخفاء التدبير مَكْراً كُبَّاراً اى كبيرا فى الغاية وقرئ بالتخفيف والاول ابلغ منه وهو أبلغ من الكبير نحو طوال وطوال وطويل ومعنى مكرهم الكبار احتيالهم فى منع الناس عن الدين ونحريشهم لهم علا اذية نوح قال الشيخ لما كان التوحيد أعظم المراتب كان المنع منه والأمر بالشرك أعظم الكبائر فلذا وصفه الله بكونه مكرا كبارا وَقالُوا اى الرؤساء للاتباع والسفلة لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ اى لا تتركوا عبادتها على الإطلاق الى عبادة رب نوح ومن عطف مكروا على اتبعوا يقول معنى وقالوا وقال بعضهم لبعض فالقائل ليس هو الجمع وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً جرد الأخيرين عن حرف النفي إذ بلغ التأكيد نهايته وعلم ان القصد الى كل فرد فرد لا الى المجموع من حيث هو مجموع والمعنى ولا تذرن عبادة هؤلاء خصوصا فهو من عطف الخاص على العام خصوصا بالذكر مع اندراجها فيما سبق لانها كانت اكبر أصنامهم وأعظم ما عندهم وقد انتقلت هذه الأصنام بأعيانها عنهم الى العرب فكان ودلكلب بدومة الجندل بضم دال دومة ولذلك سمت العرب بعبدود قال الراغب الود صنم سمى بذلك اما لمودتهم له او لاعتقادهم ان بينه وبين الباري تعالى مودة تعالى عن ذلك وكان سواع لهمدان بسكون الميم قبيلة باليمن ويغوث لمذحج كمجلس بالذال المعجمة وآخره جيم ومنه كانت العرب تسمى عبد يغوث ويعول لمراد وهو كغراب ابو قبيلة سمى به لانه تمرد ونسر لحمير بكسر الحاء وسكون الميم بوزن درهم موضع عربى صنعاء اليمن وقيل انتقلت اسماؤها إليهم فاتخذوا أمثالها فعبدوها إذ يبعد بقاء اعيان تلك الأصنام كيف وقد خربت الدنيا فى زمان الطوفان ولم يضعها نوح فى السفينة لانه بعث لنفيها وجوابه ان الطوفان دفنها فى ساحل جدة فلم تزل مدفونة حتى أخرجها اللعين لمشركى العرب نظيره ما روى ان آدم عليه السلام كتب اللغات المختلفة فى طين وطبخه فلما أصاب الأرض الغرق بقي مدفونا ثم وجد كل قوم كتابا فكتبوه فأصاب اسمعيل عليه السلام الكتاب العربي وقيل هى اسماء رجال صالحين كانوا بين آدم ونوح وقيل من أولاد آدم ما توا فحزن الناس عليهم حزنا شديدا واجتمعوا حول قبورهم لا يكادون يفارقونها وذلك بأرض بابل فلما رأى إبليس فعلهم ذلك جاء إليهم فى صورة انسان وقال لهم هل لكم أن أصور لكم صورهم إذا نظرتم إليها ذكرتموهم واستأنستم وتبركتم بهم قالوا نعم فصور لهم صورهم من صفر ورصاص ونحاس وخشب وحجر وسمى تلك الصور بأسمائهم ثم لما تقادم الزمن وانقرضت الآباء والأبناء وأبناء الأبناء قال لمن حدث بعدهم ان من قبلكم كانوا يعبدون هذه الصور فعبدوها فى زمان مهلاييل بن

صفحة رقم 181
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية