
فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً (٩) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً (١٢) مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً (١٤) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً (١٦) وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً (١٨) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً (٢٠)
شرح الكلمات:
ليلا ونهارا: أي دائما باستمرار.
إلا فرارا: أي مني ومن الحق الذي ادعوهم إليه وهو عبادة الله وحده.
جعلوا أصابعهم في آذانهم: أي حتى لا يسمعوا ما أقول لهم.
واستغشوا ثيابهم: أي تغطوا بها حتى لا ينظروا إلى ولا يروني.
وأصروا: على باطلهم وما هم عليه من الشرك.
يرسل السماء عليكم مدرارا: أي ينزل عليكم المطر متتابعا كلما دعت الحاجة إليه.
ويجعل لكم جنات: أي بساتين.
مالكم لا ترجون لله وقارا: أي لا تخافون لله عظمته وكبرياءه وهو القاهر فوق عباده.
وقد خلقكم أطوارا: أي حالا بعد حال فطورا نطفة وطورا علقة وطورا مضغة.
وجعل الشمس سراجا: أي مضيئة.

أنبتكم من الأرض نباتا: أي أنشأكم من تراب الأرض.
ثم يعيدكم فيها: أي تقبرون فيها.
ويخرجكم إخراجا: أي يوم القيامة.
سبلا فجاجا: أي طرقا واسعة.
معنى الآيات:
هذه الآيات تضمنت لوحة مشرقة يهتدي بضوئها الهداة الدعاة إلى الله عز وجل إذ هي تمثل عرض حال قدمه نوح لربه عز وجل هو خلاصة دعوة دامت قرابة تسعمائة وخمسين سنة ولنصغ إلى نوح عليه السلام وهو يشكوا إلى ربه ويعرض عليه ما قام به من دعوة إليه فقال ﴿رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي﴾ وهم أهل الأرض كلهم يومئذ ﴿لَيْلاً وَنَهَاراً﴾ أي بالليل وبالنهار إذ بعض الناس لا يمكنه الاتصال بهم إلا ليلا ﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي﴾ ١ إياهم إلى الإيمان بك وعبادتك وحدك ﴿إِلَّا فِرَاراً﴾ مني٢ ومما أدعوهم إليه وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم بأن يستغفروك ويتوبوا إليك لتغفر لهم ﴿جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾ حتى لا يسمعوا ما أقول لهم، ﴿وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾ أي تطغوا بها حتى لايروني ولا ينظروا إلى وجهي كراهة لي وبغضا في ﴿وَأَصَرُّوا﴾ على الشرك والكفر إصراراً متزايدا عنادا ﴿وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارا﴾ عجيبا٣.
﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ﴾ إلى توحيدك في عبادتك وإلى ترك الشرك فيها ﴿جِهَاراً﴾ أي مجاهرا بذلك ﴿ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً﴾ بحسب الجماعات والظروف أطرق كل باب بحثا عن استجابتهم للدعوة وقبولهم للهدى فقلت ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ٤ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ٥ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً﴾ أي ينزل عليكم المطر متتابعا فلا يكون قحط ولا محل ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾ كما هي رغبتكم ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ﴾ بساتين ذات نخيل وأعناب ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً٦﴾ تجري في تلك البساتين تسقيها. ثم التفت إليهم وقال لهم منكرا عليهم استهتارهم وعدم خوفهم ﴿مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً﴾ أي ما دهاكم أي شيء جعلكم لا ترجون لله وقارا لا تخافون عظمته وقدرته وكبرياءه ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾ ولفت نظرهم إلى مظاهر قدرة الله تعالى فقال لهم ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ
٢ أي إلا تباعدا عن الإيمان وإعراضاً عنه.
٣ إذ قالوا له: أنؤمن لك واتبعك الأرذلون والحامل لهم على هذا القول الكبر الذي تجاوزوا الحد فيه.
٤ إنه كان غفاراً هذا منه عليه السلام ترغيب لهم في التوبة قال الفضيل بن عياض قول العبد أستغفر الله معناه أقلني.
٥ يرسل السماء المراد المطر لا السماء هذا كقول الشاعر:
إذا نزل السماء بأرض قوم
رعيناه وإن كانوا غضابا
٦يروى عن الحسن البصري أن رجلاً شكا إليه الجدوبة فقال له استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر فقال له استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه فقال له استغفر الله وقال له آخر ادع الله أن يرزقني ولداً فقال له استغفر الله، فقيل له في ذلك، فقال: ما قلت من عندي شيئا إن الله يقول في سورة نوح {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً﴾.

خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً} سماء فوق سماء مطابقة لها ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ١ نُوراً﴾ ينير ما فوقه من السموات وما تحته من الأرض ﴿وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً﴾ وهاجا مضيئا يضيء بوجهه السموات وبقفاه الأرض كالقمر ﴿وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً﴾ إذ أصلكم من تراب والنطف أيضا من الغذاء المكون من التراب ثم خلقتكم تشبه النبات وهي على نظامه في الحياة والنماء. ﴿ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا﴾ أي الأرض بعد الموت فتدفنون فيها ﴿وَيُخْرِجُكُمْ منها﴾ أيضا ﴿إِخْرَاجاً﴾ يوم القيامة للحساب والجزاء ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً﴾ أي مفروشة مبسوطة صالحة للعيش فيها والحياة عليها، ﴿لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً﴾ أي طرقا واسعة وهكذا تجول بهم نوح عليه السلام في معارض آيات الله الكونية وكلها داله على وجود الله تعالى وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته وهي موجبة للعبادة له عقلا ونفيها عما سواه كانت هذه مشكلة نوح وعرض حاله على ربه وهو أعلم به وفي هذا درس عظيم للدعاة الهداة المهديين جعلنا الله منهم آمين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- رسم الطريق الصحيح للدعوة القائم على الصبر وتلوين الأسلوب.
٢- بيان كره المشركين للتوحيد والموحدين أنهم لبغضهم لنوح ودعوة التوحيد سدوا آذانهم حتى لا يسمعوا وغطوا وجوههم حتى لا يروه واستكبروا حتى لا يروا له فضلا.
٣- استعمال الحكمة في الدعوة فإن نوحاً لما رأى أن قومه يحبون الدنيا أرشدهم إلى الاستغفار ليحصل لهم المال والولد.
٤-استنبط بعض الصالحين٢ من هذه الآية أن من كانت له رغبة في المال أو ولد فليكثر من الاستغفار الليل والنهار ولا يمل يعطه الله تعالى مراده من المال والولد.
قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً (٢١) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (٢٢) وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (٢٣) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً (٢٤)
٢ تقدم انه الحسن البصري رحمه الله تعالى.