
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
- ١ - سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ
- ٢ - لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ
- ٣ - مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ
- ٤ - تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ
- ٥ - فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً
- ٦ - إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً
- ٧ - وَنَرَاهُ قَرِيبًا
﴿سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ أي استعجل سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ، كقوله تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وعده﴾. قال النسائي، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾، قَالَ (النَّضْرُ بْنُ الحارث) وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ قَالَ: ذَلِكَ سُؤَالُ الْكُفَّارِ عَنْ عذاب الله وهو واقع بهم، وقال مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ﴾ دَعَا دَاعٍ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ يَقَعُ فِي الْآخِرَةِ، قَالَ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً
مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أليم﴾، وقوله تعالى: ﴿لِّلْكَافِرِينَ﴾ أي مرصد معد لِّلْكَافِرِينَ، ﴿لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ﴾ أَيْ لَا دَافِعَ لَهُ إذا أراد الله كونه، ولهذا قال تعالى: ﴿من الله ذي المعارج﴾ قال ابن عباس: ذو الدرجات، وعنه: ذو الْعُلُوُّ وَالْفَوَاضِلُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ مَعَارِجِ السَّمَاءِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: ذِي الْفَوَاضِلِ وَالنِّعَمِ، وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿تَعْرُجُ الملائكة والروح إِلَيْهِ﴾ قال قتادة ﴿تَعْرُجُ﴾ تصعد، وأما الروح فيحتمل أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ جِبْرِيلَ، وَيَكُونَ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ جِنْسٍ لِأَرْوَاحِ بَنِي آدَمَ، فَإِنَّهَا إِذَا قُبِضَتْ يُصْعَدُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، كَمَا دل عليه حديث البراء، في قبض الروح الطيبة وفيه: «فَلَا يَزَالُ يُصْعَدُ بِهَا مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا الله».
وقوله تعالى: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ فيه أربعة أقوال: أحدها: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَسَافَةُ مَا بَيْنَ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ إِلَى أَسْفَلِ السَّافِلِينَ، وَهُوَ قَرَارُ الْأَرْضِ السابعة، وذلك مسيرة خمسين ألف سنة. عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ قَالَ: مُنْتَهَى أَمْرِهِ مِنْ أَسْفَلِ الْأَرَضِينَ، إِلَى منتهى أمره

من فوق السماوات خمسين ألف سنة (رواه ابن أبي حاتم). الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مُدَّةُ بَقَاءِ الدُّنْيَا مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ هَذَا الْعَالَمَ إِلَى قيام الساعة، قَالَ: الدُّنْيَا عُمْرُهَا خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَذَلِكَ عمرها يوم سماها الله عزَّ وجلَّ يوماً. وعن عِكْرِمَةَ: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ قَالَ: الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا مِقْدَارُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ لَا يَدْرِي أَحَدٌ كَمْ مَضَى وَلَا كَمْ بَقِيَ إِلَّا اللَّهُ عزَّ وجلَّ (أخرجه عبد الرزاق عن عكرمة). الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ الْيَوْمُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الدُّنْيَا والآخرة وهو قول غريب جداً، روي عن محمد بن كعب قَالَ: هُوَ يَوْمُ الْفَصْلِ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (رواه ابن أبي حاتم). الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وبه قال الضحّاك وابن زيد وعكرمة، وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ قَالَ: هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْكَافِرِينَ مِقْدَارَ خمسين ألف سنة، رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ، قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ مَا أَطْوَلَ هَذَا الْيَوْمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لِيُخَفَّفُ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ مكتوبة يصليها في الدنيا» (أخرجه أحمد وابن جرير). وقال الإمام أحمد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ صَاحِبٍ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهُ إِلَّا جُعِلَ صَفَائِحَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ حهنم، فَتُكْوَى بِهَا جَبْهَتُهُ وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تُعِدُّونَ ثُمَّ يُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ» (أخرجه الإمام أحمد).
وقوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً﴾ أَيِ اصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى تَكْذِيبِ قَوْمِكَ لَكَ، وَاسْتِعْجَالِهِمُ الْعَذَابَ اسْتِبْعَادًا لوقوعه كقوله تَعَالَى: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾، ولهذا قَالَ: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً﴾ أَيْ وُقُوعَ الْعَذَابِ، وَقِيَامَ السَّاعَةِ يَرَاهُ الْكَفَرَةُ بَعِيدَ الْوُقُوعِ بِمَعْنَى مُسْتَحِيلَ الْوُقُوعِ ﴿وَنَرَاهُ قَرِيباً﴾ أَيِ الْمُؤْمِنُونَ يَعْتَقِدُونَ كَوْنَهُ قَرِيبًا وَإِنْ كَانَ لَهُ أَمَدٌ لَا يعلمه إلا الله عزَّ وجلَّ، ولكن كُلُّ مَا هُوَ آتٍ فَهُوَ قَرِيبٌ وَوَاقِعٌ لا محالة.