آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ
ﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻ

وهذه النار تجذب إليها أبناءها الذين خلقهم الله لها، وقدّر أنهم فى الدنيا يعلمون عملها، من بين أهل المحشر، فدسّوا أنفسهم إذ كذبوا بقلوبهم، وتركوا العمل بجوارحهم، وجمعوا المال بعضه على بعض وكنزوه ولم يؤدوا حق الله فيه، وتشاغلوا به عن فرائضه من أوامر ونواه.
[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ١٩ الى ٣٥]
إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣)
وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥)
شرح المفردات
الهلع: سرعة الحزن عند مسّ المكروه، وسرعة المنع عند مسّ الخير، من قولهم:
ناقة هلوع: إذا كانت سريعة السير. وسأل محمد بن طاهر ثعلبا عن الهلع فقال:
قد فسره الله، ولا يكون تفسير أبين من تفسيره سبحانه- يعنى قوله:
«إِذا مَسَّهُ» الآية. والجزع: حزن يصرف الإنسان عما هو بصدده ويقطعه عنه،

صفحة رقم 69

والخير: المال والغنى، حق معلوم: أي نصيب معين يوجبونه على أنفسهم تقرّبا إلى الله وإشفاقا على المحتاجين، المحروم: الفقير الذي لا يسأل الناس فيظن أنه غنىّ، يصدقون بيوم الدين: أي يصدقون به تصديقا يكون له الأثر فى نفوسهم، فيسخرونها ويسخرون أموالهم فى طاعة الله ومنفعة الناس، مشفقون: أي خائفون، حافظون: أي كافّون لها عن الحرام، راعون: أي لا يخلّون بشىء من حقوقها:
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه أنه هو ذو المعارج والدرجات العالية، والنعم الوفيرة التي يسبغها على عباده الأخيار- أردف هذا بذكر المؤهّلات التي توصل إلى تلك المراتب وتبعد عن ظلمة المادة التي تدخل النفوس فى النار الموقدة التي تنزع الشوى، وبيّن أنها عشر خصال تفكّه من السلاسل التي تقيده بها غرائزه التي فطر عليها، وعاداته التي ألفها وركن إليها، وهى ترجع إلى شيئين: الحرص، والجزع. وهذه الخصال هى:
(١) الصلاة.
(٢) المداومة عليها فى أوقاتها المعلومة.
(٣) إقامتها على الوجه الأكمل بحضور القلب، والخشوع للربّ، ومراعاة سننها وآدابها.
(٤) التصديق بيوم الجزاء بظهور أثر ذلك فى نفسه اعتقادا وعملا (٥) إعطاء صدقات من أموالهم للفقراء والمحرومين.
(٦) مراعاة العهود والمواثيق.
(٧) أداء الأمانات إلى أهلها.
(٨) حفظ فروجهم عن الحرام.
(٩) أداء الشهادة على وجهها.
(١٠) الخوف من عذاب الله.

صفحة رقم 70

الإيضاح
(إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) أي إن الإنسان جبل على الهلع، فهو قليل الصبر، شديد الحرص، فإذا افتقر أو مرض أخذ فى الشكاة والجزع، وإذا صار غنيّا أو سليما معافى منع معروفه وشح بماله، وما ذاك إلا لاشتغاله بأحواله الجسمانية العاجلة، وقد كان من الواجب عليه أن يكون مشغولا بأحوال الآخرة، فإذا مرض أو افتقر رضى بما قسم له، علما بأن الله يفعل ما يشاء، ويحكم بما يريد، وإذا وجد المال والصحة صرفهما فى طلب السعادة الأخروية، وقد استثنى من هذه الحال من اتصفوا بالصفات الآتية:
(١) (إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) أي إن الإنسان بطبعه متصف بصفات الذم، خليق بالمقت إلا من عصمهم الله ووفقهم، فهداهم إلى الخير ويسر لهم أسبابه، وهم المصلون الذين يحافظون على الصلوات فى أوقاتها، لا يشغلهم عنها شىء من الشواغل.
وفى هذا إيماء إلى فضيلة المداومة على العبادة،
أخرج بن حبّان عن أبى سلمة قال: حدثتنى عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ «خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملّوا، قالت فكان أحب الأعمال إلى رسول الله ﷺ ما داوم عليه وإن قلّ، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها، وقرأ أبو سلمة: الذين هم على صلاتهم دائمون
(٢) (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) أي والذين فى أموالهم نصيب معين لذوى الحاجات والبائسين، تقربا إلى الله وإشفاقا على خلقه، سواء سألوا واستجدوا، أو لم يسألوا تعففا منهم.
والمراد بهذا الحق المعلوم: ما يوظفه الرجل على نفسه، فيؤديه كل جمعة أو كل شهر أو كلما جدت حاجة تدعو إلى بذل المال، كإغاثة فرد أو إغاثة أمة طرأ عليها

صفحة رقم 71

ما يستدعى البذل لمصلحة هامة لها، كالدفاع عن عدو أو دفع مجاعة أو ضرورة بلحّة مفاجئة.
(٣) (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) أي والذين يوقنون بالمعاد والحساب، فيعملون عمل من يرجو الثواب ويخاف العقاب وتظهر آثار ذلك فى أفعالهم وأقوالهم ومعتقداتهم، فينيبون إلى الله ويخبتون إليه.
(٤) (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) أي والذين هم خائفون وجلون من تركهم للواجبات، وإقدامهم على المحظورات، ومن يدم به الخوف والإشفاق فيما كلف به يكن حذرا من التقصير، حريصا على القيام بما كلف به من علم وعمل.
ونحو الآية قوله: «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ» وقوله: «الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ».
ثم ذكر الداعي لهم إلى هذا الخوف فقال:
(إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) أي لا ينبغى لأحد أن يأمن عذاب الله وإن بالغ فى الطاعة، ومن ثم أثر عن السلف الصالح أنهم كانوا كثيرى الخوف والوجل كما يشعر بذلك قول بعضهم: ليت أمي لم تلدنى. وقول آخر: ليتنى شجرة تعضد، إلى أشباه ذلك مما يعبر عن شديد الوجل والخشية.
(٥) (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) راجع تفسير هذا بتوسّع فى سورة المؤمنين (٦) (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) أي إذا اؤتمنوا لم يخونوا، وإذا عاهدوا لم يغدروا.
(٧) (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) أي والذين يقومون بأداء الشهادة عند

صفحة رقم 72
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية