
رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٢٩) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٣٤) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥)
شرح الكلمات:
إن الإنسان خلق هلوعا: أي إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا أي كثير الجزع سريعه وكثير المنع حريصا عليه.
على صلاتهم دائمون: أي لا يقطعونها أبداً ما داموا أحياء يعقلون.
حق معلوم: أي نصيب معين عينه الشارع وهو الزكاة.
للسائل والمحروم: أي الطالب الصدقة والذي لا يطلبها حياء وتعففا.
يصدقون بيوم الدين: أي يؤمنون بيوم القيامة للبعث والجزاء.
مشفقون: أي خائفون متوقعون العذاب عند المعصية.
لفروجهم حافظون: أي صائنون لها عن النظر إليها وعن الفاحشة.
أو ما ملكت أيمانهم: أي من السريات من الجواري التي يملكونها.
فأولئك هم العادون: أي المعتدون الظالمون المتجاوزون الحلال إلى الحرام.
لأماناتهم: أي ما ائتمنوا عليه من أمور الدين والدنيا.
راعون: أي حافظون غير مفرطين.
قائمون: أي يقيمون شهاداتهم لا يكتمونها ولا يحرفونها.
يحافظون: أي يؤدونها في أوقاتها في جماعات مع كامل الشروط والأركان والواجبات والسنن.
معنى الآيات:
قوله تعالى إن الإنسان أي هذا الآدمي المنتصب القامة الضاحك الذي سمي بالإنسان لأنسه

بنفسه ورؤية محاسنها ولنسيانه واجب شكر ربه هذا الإنسان خلق هلوعاً قابلا لوصف الهلع فيه عند بلوغه سن التمييز والهلع مرض نفسي عرضه الذي يعرف به جزعه الشديد متى مسه الشر، ومنعه القوي للخير متى مسه وظفر به. فقد فسر تعالى الهلع بقوله، ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً﴾. ثم ذكر تعالى ما يعالج به هذا المرض باستثنائه من جنس الإنسان من يتصفون بالصفات الآتية وهي عبارة عن عبادات شرعية بعضها فعل وبعضها ترك من شأنها القضاء على هذا المرض الخطير المسمى بالهلع والذي لا يعالج إلا بما وصف تعالى في قوله:
١) إدامة الصلاة بالمواظبة عليها ليل نهار إذ قال تعالى ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ١ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ٢﴾ وبشرط أن تؤدى إيمانا واحتسابا وأداءً صحيحا بمراعاة شروطها وأركانها وسننها.
٢) الاعتراف بما أوجب الله في المال من حق وإعطاء ذلك الحق بطيب نفس لمن سأل ولمن لم يسأل ممن هم أهل الزكاة والصدقات لقوله ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾.
٣) التصديق الكامل بيوم القيامة وهو البعث والجزاء لقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾.
٤) الاشفاق والخوف من عذاب الله عند عروض خاطر المعصية بترك واجب أو فعل محرم لقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ أي دائما وأبداً لأن عذاب ربهم غير مأمون الوقوع.
٥) حفظ الفرج بستره عن أعين الناس ما عدا الزوج وصيانته من فاحشة الزنا واللواط وجلد عميرة أي الاستمناء باليد والمعروف اليوم بالعادة السرية لقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ من السراري ﴿فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ في إتيانهم أزواجهم وجواريهم اللائي ملكوهن بالجهاد أو الشراء الشرعي وقوله تعالى ﴿فَمَنِ ابْتَغَى﴾ أي طلب ما وراء الزوجة والسرية ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ أي الظالمون الذين تجاوزا الحلال إلى الحرام فكانوا بذلك معتدين ظالمين.
٦) حفظ الأمانات والعهود ومن أبرز الأمانات وأقوى العهود ما التزم به العبد من عبادة الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله والوفاء بذلك حتى الموت زيادة على أمانات الناس والعهود لهم الكل واجب الحفظ والرعاية لقوله ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ أي حافظون.
٢ الدوام على الشيء عدم تركه وذلك في كل عمل بحسب ما يعتبر دواماً فيه.

٧) إقامة الشهادة بالاعتدال فيها بحيث يؤديها ولا يكتمها ويؤديها قائمة لا اعوجاج فيها لقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ هُمْ١ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ﴾. ٢
٨) المحافظة على الصلوات الخمس مستوفاة الشروط والأركان من الخشوع إلى الطمأنينة في الركوع والسجود والاعتدال في القيام لقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ بعد أدائها وعدم قطعها بحال من الأحوال.
فهذه الوصفة الربانية متى استعملها الإنسان المؤمن تحت إشراف عالم رباني إن وجده وإلا فتطبيقها بدون إشراف ينفع بأذن الله متى اجتهد المؤمن في حسن تطبيقها برىء من ذلك المرض الخطير وأصبح أهلا إكرام الله تعالى في الدار الآخرة قال تعالى في ختام هذه الوصفة ﴿أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ٣﴾ أي أولئك المطبقون لهذه الوصفة الناجحون فيها ﴿فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾ في جوار ربهم اللهم اجعلنا منهم يا غفور يا رحيم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بين شر صفات الإنسان وأنها الهلع.
٢-بيان الدواء لهذا الداء داء الهلع الذي لا فلاح معه ولا نجاح.
٣-انحصار العلاج في ثماني صفات أو ثماني مركبات دوائية.
٤- وجوب العمل بما اشتملت عليه الوصفة من واجبات.
٥-حرمة ما اشتملت عليه الوصفة من محرمات.
فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (٤٠) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ
٢ القيام بالشهادة: الاهتمام بها وحفظها إلى أن تؤدى.
٣ والإكرام: التعظيم وحسن اللقاء أي هم مع جزائهم بالجنات يكرمون بحسن اللقاء والثناء. في جنات خبر أولئك ومكرمون خبر ثان.