
«والذي نفسي بيده إنّه ليخفف على المؤمنين حتّى يكون أخف عليهم من صلاة مكتوبة تصليها في الدنيا» [٣٣] «١».
وقال إبراهيم التيمي: ما قدر ذلك اليوم على المؤمن إلّا كما بين الظهر والعصر.
فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ يعني العذاب بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً لأنّ ما هو آت قريب يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ كعكر الزيت، وقيل: كالفلز المذاب وقد مرّ تفسيره وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ كالصوف المصبوغ، ولا يقال عهن إلّا للمصبوغ. وقال مقاتل: كالصوف المنفوش. قال الحسن: كالصوف الأحمر وهو أضعف الصوف، وأوّل ما تتغير الجبال تصير رملا مهيلا، ثمّ عهنا منفوشا، ثمّ تصير هباء منثورا.
وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً قريب قريبا لشغله بشأن نفسه، وقرأ: وَلا يُسْئَلُ بضم الياء، أي لا يسأل حميم عن حميم.
[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ١١ الى ٣٥]
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) كَلاَّ إِنَّها لَظى (١٥)
نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعى (١٨) إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠)
وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥)
وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠)
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥)
يُبَصَّرُونَهُمْ يرونهم وليس في القيامة مخلوق إلّا وهو نصب عن صاحبه من الجن والإنس فيبصر الرجل أباه وأخاه وقرابته وعشيرته ولا يسأله، ويبصر الرجل حميمه فلا يكلمه لاشتغالهم بأنفسهم.
قال ابن عباس: يتعارفون مدة ساعة من النهار ثمّ لا يتعارفون بعد ذلك، وقال السدي:
يُبَصَّرُونَهُمْ يعرفونهم، أمّا المؤمن فلبياض وجهه، وأما الكافر فلسواد وجهه.
يَوَدُّ الْمُجْرِمُ يتمنّى المشرك لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصاحِبَتِهِ زوجته وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ عشيرته التي فصل منهم، أبو عبيدة: فخذه، ثعلب: آبائه الأدنين. غيره:

أقربائه الأقربين الَّتِي تُؤْوِيهِ مجاهد قبيلته وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ ذلك الفداء من عذاب الله سبحانه كَلَّا ليس كذلك لا ينجيه من عذاب الله شيء.
ثمّ ابتدأ فقال: إِنَّها لَظى وقيل: معناه حقّا إنّها لظى، فيكون متّصلا ولظى اسم من أسماء جهنّم، ولذلك لم يجر، وقيل: هي الدركة الثانية سمّيت بذلك لأنّها تتلظى، قال الله تعالى: فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى «١».
نَزَّاعَةً قراءة العامة بالرفع على نعت اللظى، وروى حفص عن عاصم بالنصب على الحال والقطع لِلشَّوى قال الكلبي: لأمر الرأس بأكل الدماغ، ثمّ يعود الدماغ كما كان، ثمّ يعود لأكله فذلك دائها، وهي رواية أبي ظبيان عن ابن عباس، عطيّة عنه: يعني الجلود والهام، سعيد بن جبير عنه: للعصب والعقب، مجاهد: لجلود الرأس، ودليل هذا التأويل قول كثير عزّة:
لأصبحت هدتك الحوادث هذه | لها فشواة الرأس باد قتيرها «٢» |
لمحاسن وجهه، يمان: خلّاعة للأطراف، مرة: للأعضاء، ابن زيد: لأذاب العظام، الضحّاك:
تبري اللحم والجلد عن العظم حتّى لا تترك منه شيئا، الكسائي: للمفاصل، ابن جرير: الشوى جمع شواة وهي من جوارح الإنسان ما لم يكن مقتلا يقال: رمى فاشوى إذا لم يصب مقتلا، وقال بعض الأئمة: هي القوائم والجلود، قال امرؤ القيس:
سليم الشظى عبل الشوى شنج النسا «٣»
وقال الأعشى:
قالت قتيلة ما له قد جلّلت شيبا شواته «٤»
تَدْعُوا إلى نفسها مَنْ أَدْبَرَ عن الإيمان وَتَوَلَّى عن الحق فتقول إليّ إليّ.
قال ابن عباس: تدعوا الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح، ثمّ تلتقطهم كما تلتقط الطير الحب، وقال تغلب: تَدْعُوا أي تهلك يقول العرف: دعاك الله أي أهلكك الله، وقال الخليل: إنه ليس كالدعاء تعالوا ولكن دعوتها إياهم تمكّنها من تعذيبهم وفعلها بهم ما تفعل.
وَجَمَعَ المال فَأَوْعى أمسك ولم يود حقّ الله منه.
(٢) تفسير القرطبي: ١٨/ ٢٨٨. [.....]
(٣) الصحاح: ٥/ ١٧٩٤.
(٤) الصحاح: ٦/ ٢٣٩٦.

أخبرني وقيل: إنّ أبا الفرج أخبرهم عن ابن جرير قال: حدّثنا محمد بن منصور قال:
حدّثنا أبو فطن قال: حدّثنا المسعودي عن الحكم قال: كان عبد الله بن حكيم لا يربط كيسه ويقول: سمعت الله سبحانه وتعالى يقول: وَجَمَعَ فَأَوْعى.
إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً.
أخبرنا عبد الخالق قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن يزداد الرازي، قال: حدّثنا أبو الحسن طاهر الخثعمي، قال: حدّثنا إسماعيل بن موسى، قال: أخبرنا الحكم بن ظهير عن السدي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: هَلُوعاً قال: الحريص على ما لا يحلّ له.
وروى عطية عنه قال: هو الذي قال الله سبحانه وتعالى: إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً وقال سعيد بن جبير: شحيحا، عكرمة: ضجورا، الضحاك والحسن: بخيلا، حصين: حريصا، قتادة وابن زيد: حزونا، مجاهد: شرها، وعن الضحاك أيضا: الهلوع الذي لا يشبع، مقاتل: ضيق القلب، ابن كيسان: خلق الله الإنسان يحب ما يسره ويرضيه ويهرب مما يكرهه «١» ويسخطه ثمّ تعبّده بإنفاق ما يحب ويلذ والصبر على ما يكره، عطا: عجولا وقيل:
جهولا، سهل: متقلّبا في شهواته وهواه، وسمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القيّم البزاز يقول: قال ابن عطاء: الهلوع: الذي يرضى عند الموجود ويسخط عند المفقود، أبو الحسن الوراق: نسّاء عند النعمة دعّاء عند المحنة، وعن سهل أيضا: إذا افتقر جزع وإذا أيسر منع، أبو عبيدة وثعلب: هو الذي إذا مسّه الخير لم يشكر وإذا مسّه الشرّ لم يصبر، وقيل: طموعا يرضيه القليل من الدنيا ويسخطه مثلها، والهلع في اللغة: أشد الحرص وأسوأ الجزع.
قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «شرّ ما أعطى العبد شح هالع وجبن خالع» [٣٤] «٢».
وتقول العرب: ناقة هلواع إذا كانت سريعة السير خفيفة. قال الشاعر:
صكاء علبة إذا استدبرتها | حرج إذا استقبلتها هلواع «٣» |
لأنّ الإنسان اسم الجنس فهو في معنى الجمع.
الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ.
(٢) الفائق في غريب الحديث: ٣/ ٤٠٤.
(٣) لسان العرب: ٨/ ٣٧٥.