آيات من القرآن الكريم

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ

الترغيب بالإيمان لزيادة الخير والترهيب من الكفر بالعذاب المبكّر
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٩٦ الى ١٠٠]
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٩) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠)
الإعراب:

أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى بفتح الواو، تكون الهمزة للاستفهام، والواو حرف عطف.
وبإسكان الواو: تكون أو التي يراد بها أحد الشيئين، والمعنى: أو كان الأمر من أحد هذين الشيئين من إتيان العذاب ليلا أو ضحى. أَنْ لَوْ نَشاءُ أن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي أنه، والجملة فاعل يَهْدِ. والهمزة في المواضع الأربعة في الآيات للتوبيخ، والفاء والواو الداخلة عليها للعطف.
البلاغة:
أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى تكرار الجملة للإنذار، ويسمى هذا في البلاغة إطنابا.
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ، فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ هذا تكرير لقوله: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى وتكرار الإنكار للتأكيد وزيادة التقرير، ومكر الله: استعارة لاستدراج العبد والتمهيد لعقابه. قال الزمخشري في الكشاف: ٢/ ٥٦٣، مكر الله: استعارة لأخذه العبد من حيث لا يشعر ولاستدراجه، فعلى العاقل أن يكون في خوفه من مكر الله كالمحارب الذي يخاف من عدوّه الكمين والبيات والغيلة.

صفحة رقم 17

المفردات اللغوية:
أَهْلَ الْقُرى الذين أرسل إليهم الرسل فكذبوا آمَنُوا بالله ورسلهم وَاتَّقَوْا الكفر والمعاصي لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ لسهلنا عليهم بركات من السماء بالمطر ونحوه من حرارة الشمس لتوفير الخصب في الأرض وَالْأَرْضِ بالنبات والمعادن ونحوها وَلكِنْ كَذَّبُوا الرسل فَأَخَذْناهُمْ عاقبناهم.
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى المكذبون بَأْسُنا عذابنا بَياتاً ليلا وَهُمْ نائِمُونَ غافلون عنه ضُحًى نهارا، وأصل معنى الضحى: وقت ارتفاع الشمس وإضاءة الدنيا أول النهار يَلْعَبُونَ يلهون أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ استدراجه إياهم بالنعمة وأخذهم بغتة. والمكر: التدبير الخفي الذي يؤدي إلى ما لا يحتسبه الإنسان.
أَوَلَمْ يَهْدِ يتبين، يقال: هداه السبيل، وهداه له وإليه، أي دلّه عليه وبيّنه له يَرِثُونَ الْأَرْضَ بالسكنى مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أي بعد هلاك أهلها أَصَبْناهُمْ بالعذاب وَنَطْبَعُ نختم فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ الموعظة سماع تدبر.
المناسبة:
لما أبان الله تعالى في الآية السابقة أن الذين عصوا وتمردوا من أهل القرى أخذهم الله بغتة، أبان في هذه الآية أنهم لو أطاعوا لفتح الله عليهم أبواب الخير، ثم أنذرهم بالعذاب المبكّر ليلا أو نهارا، إذا كذبوا الرسل، تأكيدا لما سبق.
التفسير والبيان:
هذا إخبار عن سنة أخرى من سنن الله في عباده، وتلك السنة أنه لو آمن أهل القرى كأهل مكة وغيرهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، واتقوا ما نهى الله عنه وحرمه من الشرك والفساد في الأرض بارتكاب الفواحش والآثام، لأنزل عليهم الخيرات الكثيرة من السماء كالمطر، وأخرج لهم خير الأرض من نبات ومعادن وكنوز، وآتاهم من العلوم والمعارف والإلهامات الربّانية لفهم سنن الكون.

صفحة رقم 18

أي فلو آمنوا ليسّر الله لهم كل خير من كل جانب من فوقهم ومن تحتهم ومن ذواتهم وأفكارهم.
وفي هذا دلالة على أن الإيمان الصحيح سبب للسعادة والرخاء.
ولكنهم كذبوا رسلهم ولم يؤمنوا ولم يتقوا، فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم والشرك المفسد نظام الحياة.
وفيه دلالة على أن العقاب نتيجة لازمة لكسب المعاصي.
ثم إنه تعالى أعاد التهديد والتخويف بعذاب الاستئصال، والتحذير من مخالفة أوامره، والتجرؤ على زواجره فقال: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى وهو استفهام بمعنى الإنكار عليهم، والمقصود التعجب من حالهم وغفلتهم، والمراد: أبعد ذلك أمن أهل القرى الكافرة كأهل مكة وأمثالهم نزول العذاب والنكال بهم في حال الغفلة وهو النوم ليلا.
أو هل أمنوا أن ينزل بهم العذاب في حال شغلهم وغفلتهم وهو أثناء اللعب واللهو في النهار. ويلاحظ أن انشغالهم في أعمالهم التي لا فائدة منها كأنها ألعاب أطفال.
وذلك في الحالين تخويف من نزول العذاب بهم في أوقات الغفلة: وهو حال النوم بالليل، وحال الضحى بالنهار لأنه يغلب على المرء التشاغل باللذات فيه. والمعنى المراد: فإن أمنتم حالا لم تأمنوا الحال الآخر.
قال الرازي: قوله: وَهُمْ يَلْعَبُونَ يحتمل التشاغل بأمور الدنيا، فهي لعب ولهو، ويحتمل خوضهم في كفرهم لأن ذلك كاللعب في أنه لا يضر ولا ينفع «١».

(١) التفسير الكبير للرازي: ١٤/ ١٨٥.

صفحة رقم 19

ثم كرر الله تعالى الاستفهام الإنكاري لزيادة التوبيخ، بعد قوله: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى وعطف عليه بالفاء، فقال: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ أي بأسه ونقمته وقدرته عليهم. ومكر الله: جزاؤه وأخذه العبد من حيث لا يشعر، مع استدراجه. إن كانوا أمنوا مكر الله وعقابه، فلا يأمن مكر الله إلا الذين خسروا أنفسهم، قال الحسن البصري رحمه الله: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن.
ومجموع معنى الآيتين: أكان سبب أمنهم أن يأتيهم العذاب في وقت غفلتهم ليلا أو نهارا، أو كان سبب أمنهم غفلتهم عن مكر الله بهم، أي جزاؤه الذي ينزله بهم؟ إن ظنوا ذلك فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون أنفسهم.
وبعد بيان حال الكفار الذين أهلكهم الله بالاستئصال، أبان تعالى أن الهدف من ذكر هذه القصص حصول العبرة لجميع المكلفين في مصالح أديانهم وطاعاتهم، فقال: أَوَلَمْ يَهْدِ....
أي أو لم يتبين للناس، وخصوصا قريشا الذين يخلفون غيرهم في سكنى الأرض ووراثتها مع الديار، بعد إهلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها: أن شأننا معهم كشأننا مع من سبقهم، فلو نشاء أصبناهم وعذبناهم بذنوبهم وأعمالهم السيئة، كما عذبنا أمثالهم من قبل، وفعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم، فأهلكنا الوارثين كما أهلكنا المورثين.
فإن لم نهلكهم بالعذاب نختم على قلوبهم، فهم لا يسمعون الموعظة والتذكير سماع تدبر، ولا يقبلون ولا يتعظون ولا ينزجرون، كما قال تعالى: وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس ١٠/ ١٠١] وأما المؤمنون فشأنهم الاتعاظ والاعتبار بما حدث لمن قبلهم، كما قال تعالى في آيات كثيرة موضوعها واحد،

صفحة رقم 20

منها: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى [طه ٢٠/ ١٢٨].
فقه الحياة أو الأحكام:
تضمنت الآيات ترغيبا للمؤمنين وترهيبا للكافرين. أما ترغيب المؤمنين فهو إفاضته الخيرات والبركات الإلهية من السماء بالمطر والرياح المباركة، ومن الأرض بالنبات والثمار، والمعادن والكنوز، وكثرة المواشي والأنعام، وحصول الأمن والسلامة، وإلهام الإنسان رشده وفكره إلى اكتشاف وسائل الراحة والرخاء.
وأما ترهيب الكافرين فهو إنذارهم بتعذيبهم عذاب استئصال ودمار، كعذاب الأمم الأخرى وأهل القرى والمدن الذين أرسل إليهم الرسل، فكذبوهم وآذوهم.
وحذرهم تعالى بألا يغتروا بحلم الله وإمهاله وتأجيله العقاب، فربما يأتي العقاب في حال الغفلة ليلا أو نهارا، ومن اغتر بحلم الله وأمن مكره، أي جزاءه، فلا يأمن الجزاء إلا الخاسرون.
أولم يتبين لهم أن سنة الله واحدة في تعذيب الكافرين؟ وسنة الله لا تتغير، إنه يعذب العصاة والمتمردين بسبب ذنوبهم وسيئاتهم، كما عذب الذين من قبلهم الذين كانوا أشد منهم قوة وأكثر أموالا وأولادا، وإن لم نهلكهم بالعقاب نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ، فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ الموعظة سماع فهم وتدبر.
واستدل أهل السنة بقوله تعالى: وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ على أنه تعالى قد يمنع العبد عن الإيمان، أي بعد أن علم عدم إيمان ذلك العبد. وقال الجبائي المعتزلي: المراد من هذا الطبع أنه تعالى يسم قلوب الكفار بسمات وعلامات تعرف الملائكة بها أن أصحابها لا يؤمنون، وتلك العلامة غير مانعة من الإيمان.

صفحة رقم 21
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية