آيات من القرآن الكريم

قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ ۚ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ
ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ

اى نترك الآلهة التي كان آباؤنا يعبدونها ومعنى المجيء فى أجئتنا اما المجيء من مكان اعتزل عن قومه يعبد فيه ربه كما كان يعبد رسول الله ﷺ بحراء فلما اوحى اليه جاء قومه يدعوهم واما من السماء كمجىء الملك منها استهزاء به عليه السلام لانهم كانوا يعتقدون ان الله تعالى لا يرسل الا الملك واما القصد على المجاز وهو ان يكون مرادهم بالمجيء مجرد قصد الفعل ومباشرته كأنهم قالوا أتريد منا ان نعبد الله وحده وتقصد ان تكلفنا بذلك كما يقال ذهب يشتمنى من غير ارادة معنى الذهاب فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب المدلول عليه بقوله تعالى أَفَلا تَتَّقُونَ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ اى فى الاخبار بنزول العذاب قالَ هود عليه السلام قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ اى قد وجب فيكون مجازا من باب اطلاق المسبب على السبب فان نزول العذاب عليهم مسبب عن وجوب نزوله فى علمه تعالى مِنْ رَبِّكُمْ اى من جهته تعالى رِجْسٌ عقاب من الارتجاس الذي هو الاضطراب وَغَضَبٌ ارادة انتقام أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ عارية عن السمى جعل المجادل فيه اسماء مجردة عن المسميات لانهم كانوا يسمون الأصنام آلهة ويزعمون كونهم مستحقين للعبادة والحال انهم بمعزل عن الالوهية واستحقاق العبادة سَمَّيْتُمُوها اى سميتم بها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ اى حجة وبرهان فى عبادتها قوله سميتموها صفة للاسماء وكذا قوله ما انزل الله وقوله من سلطان مفعول انزل ومن مزيدة والمعنى أتجادلونني فى مسميات لها اسم بدون ما يليق بها وتوجه الذم للتسمية الصرفة الخالية عن المعنى فلا يلزم ان يكون الاسم هو المسمى قال فى التفسير الفارسي [فى اسماء در كار اين نامها يعنى اين بتان كه هر يك را نامى نهاده آيد بعضى را سائقه مى كفتند وكمان ايشان آن بود كه باران از ايشان مى بارد وبعضى را حافظه مى خواندند بمظنه آنكه نگهبان در سفر ايشانند وهمچنين رازقه وسالمه واين ألفاظ اسما بودند بي مسما چهـ أصنام را كه جمادات بودند قدرت برينها نبوده پس هود عليه السلام فرموده كه شما جدال ميكنيد بدين چيزها كه از روى جهالت شما نام نهاده آيد ايشانرا] فَانْتَظِرُوا مترتب على قوله تعالى قد وقع عليكم اى فانتظروا ما تطلبونه بقولكم فائتنا بما تعدنا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ لما يحل بكم من العذاب فَأَنْجَيْناهُ الفاء فصيحة كما فى قوله تعالى فَانْفَجَرَتْ اى فوقع فأنجينا هودا وَالَّذِينَ مَعَهُ اى فى الدين بِرَحْمَةٍ مِنَّا اى برحمة عظيمة كائنة من جهتنا عليهم وفيه اشارة ان هودا مع رتبته فى النبوة ودرجته فى الرسالة انما نجا برحمة من الله هو والذين آمنوا معه ليعلم ان النجاة لا تكون باستحقاق العمل وانما تكون ابتداء فضل من الله ورحمة فما نجا الا بفضل الحق سبحانه وَقَطَعْنا دابِرَ القوم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا اى استأصلناهم اى أهلكناهم جميعا بان قطعنا عرقهم وأصلهم لان دابر الشيء آخره فقطع دابر القوم إهلاكهم من أولهم الى آخرهم وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ عطف على كذبوا داخل معه فى حكم الصلة اى أصروا على الكفر والتكذيب ولم يرعوا عن ذلك أبدا وفيه تنبيه على ان مناط النجاة هو الايمان بالله تعالى وتصديق آياته كما ان مدار البوار هو الكفر والتكذيب وقصتهم ان عادا كانوا يسكنون اليمن بالأحقاف وهى رمال يقال رمل عالج ودهمان ومرين ما بين عمان الى حضر موت وكانوا قد فشوا فى الأرض

صفحة رقم 187

وقهروا أهلها بقوتهم التي أعطاها الله إياهم وكانت لهم أصنام يعبدونها صداء وصمود والهباء فبعث الله إليهم هودا نبيا من أوسطهم فى النسب وأفضلهم فى الحسب فامرهم ان يوحدوا الله ولا يعبدوا غيره وان يكفروا عن ظلم الناس فابوا عليه وكذبوه وقالوا من أشد منا قوة وازدادوا عتوا وتجبرا فامسك الله عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك وكان الناس إذا نزل بهم بلاء وجهد مضوا الى البيت الحرام بمكة مسلمهم وكافرهم وسألوا الله الفرج وكان اهل مكة يومئذ العماليق أولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح وكان رئيس العماليق يومئذ بمكة رجلا يقال له معاوية بن بكر وكانت امه من عاد فلما قحط المطر من عاد وجهدوا قالوا جهزوا منكم وفدا الى مكة يستسقوا فجهزوا قيل بن عتر ومرثد بن سعد فى سبعين رجلا
فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهو فى خارج مكة فانزلهم وأكرمهم وكانوا أخواله واصهاره فاقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان وهما قينتان لمعاوية اسم إحداهما وردة واسم الاخرى جرادة فغلبت جرادة على وردة فسميتا جرادتين فلما رأى معاوية طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوثون من البلاء الذي أصابهم شق ذلك عليه وقال قد هلك أخوالي واصهارى جهدا وعطشا وهؤلاء مقيمون عندى والله ما أدرى كيف اصنع بهم استحيى ان آمرهم بالخروج الى حاجتهم فيظنون ان ذلك لثقل مقامهم على فشكا ذلك الى قينتيه الجرادتين فقالتا قل شعرا نغنيهم به لا يدرون من قاله لعل ذلك يخرجهم فقال معاوية

الا يا قيل ويحك قم فهينم لعل الله يسقينا غماما
فيسقى ارض عاد ان عادا قد أمسوا ما يبينون الكلاما
من العطش الشديد فليس ترجو به الشيخ الكبير ولا الغلاما
وقد كانت نساؤهمو بخير فقد امست نساؤهمو أيامي
وان الوحش تأتيهم جهنارا فلا تخشى لعادى سهاما
وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم نهاركمو وليلكمو التماما
فقبح وفدكم من وفد قوم ولا لقوا التحية والسلاما
فلما غنتهم الجرادتان بهذا قال بعضهم لبعض يا قوم لقد أبطأتم على أصحابكم فقوموا وادخلوا الحرم واستسقوا لقومكم فقال لهم مرثد والله لا تسقون بدعائكم ولكن ان أطعتم نبيكم هودا وتبتم الى الله سقيتم واظهر إسلامه فقالوا لمعاوية احبس عنا مرثدا لا يقدمن معنا مكة فانه قد اتبع دين هود وترك ديننا ثم دخلوا مكة فقام قيل يستسقى فى المسجد وقال اللهم انى لم أجئ لمريض فاداويه ولا لاسير فافاديه اللهم اسقنا فانا قد هلكنا اللهم اسق عادا ما كنت تسقيهم وقال القوم اللهم أعط قيلا ما يسألك واجعل سؤلنا مع سؤله فانشأ الله تعالى سحابات ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السماء يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذا السحاب ما شئت فقال اخترت السوداء فانها اكثر السحاب ماء فنودى اخترت دمارا رمدا لا يبقى من آل عاد ولدا ولا شيوخا الا فصاروا همدا ثم ساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل بما فيها من النقمة والبلاء الى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث فلما رأوها

صفحة رقم 188

وينتفعون بها لو تركوا العناد وطلبوا الاهتداء بالدليل والبرهان فَذَرُوها تفريع على كونها آية من آيات الله تعالى فان ذلك مما يوجب عدم التعرض لها اى دعوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ جواب الأمر اى الناقة الله والأرض فاتركوها ترتع ما ترتع فى ارض الحجر من العشب فليس لكم ان تحولوا بينها وبينها وعدم التعرض للشرب للاكتفاء عنه بذكر الاكل وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ الباء للملابسة اى لا تمسوها ملتبسين بسوء ولا تتعرضوا لها بشىء مما يسوءها أصلا من قتل او ضرب او مكروه إكراما لآية الله تعالى والسوء اسم جامع لانواع الأذى ويجوز ان تكون الباء للتعدية والمعنى بالفارسية [ومرسانيد بوى هيچ بدى] وفيه مبالغة حيث نهى عن المس الذي هو مقدمة الاصابة فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ جواب للنهى قال فى التفسير الفارسي [استحقاق عذاب نه بواسطه ضرر ناقه است بلكه با قامت ايشان بر كفر بعد از شهود معجزه وعقر ناقه دليل عتو ايشانست در كفر] والاشارة ان المعجزة للعوام ان يخرج لهم من حجارة الصخرة ناقة عشراء والمعجزة للخواص ان يخرج لهم من حجارة القلب ناقة السر بسقب سر السر وهو الخفي وناقة الله التي تحمل امانة معرفته وتعطى ساكنى بلد القالب من القوى والحواس لبن الواردات الالهية فذروها تأكل فى ارض الله اى ترقع فى رياض القدس وتشرب فى حياض الانس ولا تمسوها بسوء مخالفات الشريعة ومعارضات الطريقة فيأخذكم عذاب اليم بالانقطاع عن مواصلات الحقيقة وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ اى اذكروا وقت جعله تعالى إياكم خلفاء فى ارض الحجر او خلفاء لقوم عاد من بعد إهلاكهم فنصب إذ على المفعولية كما سبق فى القصة المتقدمة وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ اى أنزلكم فى ارض الحجر بالفارسي [جاى داد شما را] قال ابو السعود اى جعل لكم مباءة ومنزلا فى ارض الحجر بين الحجاز والشام تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً استئناف مبين لكيفية التبوئة اى تبنون فى سهولها قصورا رفيعه على ان من بمعنى فى كما فى قوله تعالى إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ او سهولة الأرض بما تعملون منها من اللبن والآجر وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ اى الصخور والنحت نجر الشيء الصلب وانتصاب الجبال على المفعولية بُيُوتاً حال مقدرة من الجبال كما تقول خط هذا الثوب قميصا قيل كانوا يسكنون السهول فى الصيف والجبال فى الشتاء وقيل انهم لطول أعمارهم كانوا يحتاجون الى ان ينحتوا من الجبال بيوتا لان السقوف والابنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ اى احفظوا نعم الله عليكم فان حق آلائه تعالى ان تشكر ولا يغفل عنها وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ العثى أشد الفساد فقيل لهم لا تتمادوا فى الفساد حال كونكم مفسدين فالمراد بهذه الحال تعريفهم بانهم على الفساد لا تقييد العامل والا لكان مفهومه مفيدا معنى تمادوا فى الفساد حال كونكم مصلحين وهذا غير جائز وقيل انما قيد به لما ان العثى فى الأصل مطلق التعدي وان غلب فى الفساد فقد يكون فى غير الفساد كما فى مقابلة غير الظالم الظالم المتعدى بفعله وقد يكون فيه صلاح راجح كقتل الخضر عليه السلام للغلام وخرقه السفينة فيكون التقييد بالحال تقييدا للعام بالخاص قالَ استئناف الْمَلَأُ اى الاشراف والرؤساء الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ اى تعظموا عن الايمان به لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا

صفحة رقم 191
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية