آيات من القرآن الكريم

وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى قصة آدم عليه السلام، وذكر ما امتن به على بنيه وما أنعم به عليهم من اللباس الذي يستر العورات، أمر هنا بأخذ الزينة والتجمل في المناسبات وعند إرادة الصلاة، ثم ذكر أحوال الآخرة وانقسام الناس إلى طوائف: «أهل الجنة، وأهل النار، وأهل الأعراف» ومآل كل فريق من سعادة أو شقاء في دار العدل والجزاء.
اللغَة: ﴿زِينَتَكُمْ﴾ الزينة: ما يتزين به المرء ويتجمل من ثياب وغيرها ﴿الفواحش﴾ جمع فاحشة وهي ما تناهي قبحه من المعاصي ﴿البغي﴾ الظلم والاستطالة على الناس ﴿سُلْطَاناً﴾ حجة وبرهاناً ﴿سَمِّ الخياط﴾ ثقب الإِبرة ﴿مِهَادٌ﴾ فراش يمتهده الإِنسان ﴿غَوَاشٍ﴾ أعطي جمع غاشية قال ابن عباس: هي اللحف ﴿الأعراف﴾ السور المضروب بين الجنة والنار جمع عرف مستعار من عرف الديك ﴿بِسِيمَاهُمْ﴾ بعلامتهم.
سَبَبُ النّزول: عن ابن عباس قال: كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة وتقول: من يعيرني تَطْوافاً تجعله على فرجها وتقول:

اليوم يبدو بعضُه أو كلّه فما بدا منه فلا أُحلّه
فنزلت هذه الآية ﴿يابنيءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ وأذن مؤذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ألاّ يطوف بالبيت عُريان.
التفِسير: ﴿يابنيءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ أي البسوا أفخر ثيابكم وأطهرها عند كل

صفحة رقم 411

صلاة أو طواف ﴿وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا﴾ أي لا تسرفوا في الزينة والأكل والشرب بما يضر بالنفس وامال ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين﴾ أي المعتدين حدود الله فيما أحلَّ وحرّم ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرزق﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يطوفون بالبيت عراةً ويحرمون على أنفسهم ما أحللت لهم من الطيبات، من حرّم عليكم التجمل بالثياب التي خلقها الله لنفعكم من النبات، والمستلذات من المآكل والمشارب! والاستفهام للإِنكار والتوبيخ ﴿قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا خَالِصَةً يَوْمَ القيامة﴾ أي هذه الزينة والطيبات في الدنيا مخلوقة للمؤمنين وإن شاركهم فيها الكفار، وستكون خالصة لهم يوم القيامة لا يشركهم فيها أحد لأن الله حرم الجنة على الكافرين ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أي نبيّن ونوضح الآيات التشريعية لقوم يتدبرون حكمة الله ويفقهون تشريعه ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ أي قل لهم يا محمد ما حرّم الله إلا القبائح من الأشياء التي تفاحش قبحها وتناهى ضررها، سواء ما كان منها في السر أو في العلن ﴿والإثم والبغي بِغَيْرِ الحق﴾ أي وحرّم المعاصي كلها والعدوان على الناس ﴿وَأَن تُشْرِكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً﴾ أي تجعلوا له شركاء في عبادته بدون حجة أو برهان ﴿وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي تفتروا على الله الكذب في التحليل والتحريم ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾ أي لكل أمة كذبت رسلها مدة مضروبة لهلاكها قال في البحر: هذا وعيد للمشركين بالعذاب إذا خالفوا أمر ربهم ﴿فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ أي فإِذا جاء وقت هلاكهم المقدر لهم لا يتأخر عنهم برهة من الزمن ولا يتقدم كقوله
﴿وَتِلْكَ القرى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً﴾ [الكهف: ٥٩] والساعة مثلٌ في غاية القلة من الزمان ﴿يابنيءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾ المراد ببني آدم جميع الأمم والمعنى إن يجئْكمُ رسلي الذين أرسلتهم إليكم يبينون لكم الأحكام والشرائع ﴿فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أي فمن اتقى منكم ربه بفعل الطاعات وترك المحرمات فلا خوف عليهم في الآخرة ولا هم يحزنون ﴿والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَآ أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي وأما من كذب واستكبر عن الإِيمان بما جاء به الرسل فأولئك في نار جهنم ماكثون لا يخرجون منها أبداً ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ الاستفهام للإِنكار أي من أقبح وأشنع ممن تعمّد الكذب على الله أو كذّب بآياته المنزلة؟ ﴿أولئك يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الكتاب﴾ أي يصيبهم حظهم في الدنيا مما كُتب لهم وقُدر من الأرزاق والآجال قال مجاهد: ما وُعدوا به من خير أو شر ﴿حتى إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾ أي جاءت ملائكة الموت تقبض أرواحهم ﴿قالوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله﴾ أي أين الآلهة التي كنتم تعبدونها من دون الله أدعوهم ليخلصوكم من العذاب، والسؤال للتبكيت والتوبيخ ﴿قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا﴾ أي قال الأشقياء المكذبون لقد غابوا عنا فلا نرجوا نفعهم ولا

صفحة رقم 412

خيرهم ﴿وَشَهِدُواْ على أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ﴾ أي أقروا واعترفوا على أنفسهم بالكفر والضلال، وإِنما قالوا ذلك على سبيل التحسر والاعتراف بما هم عليه من الخبيبة والخسران ﴿قَالَ ادخلوا في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن الجن والإنس فِي النار﴾ أي يقول الله تعالى يوم القيامة لهؤلاء المكذبين بآياته: ادخلوا مع أمم أمثالكم من الفجرة في نار جهنم من كفار الأمم الماضية من الإِنس والجن ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ أي كلما دخلت طائفة النار لعنت التي قبلها لضلالها بها قال الألوسي: يلعن الأتباع القادة يقولون: أنتم أوردتمونا هذه الموارد فلعنكم الله تعالى، والمراد أن أهل النار يلعن بعضهم بعضاً كقوله تعالى ﴿يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ﴾ [العنكبوت: ٢٥] ﴿حتى إِذَا اداركوا فِيهَا جَمِيعاً﴾ أي تلاحقوا واجتمعوا في النار كلهم ﴿قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هؤلاء أَضَلُّونَا﴾ أي قال الأتباع للقادة والرؤساء الذين أضلوهم يا ربنا هؤلاء هم الذين أضلونا عن سبيلك وزينوا لنا طاعة الشيطان ﴿فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النار﴾ أي أذقهم العذاب مضاعفاً لأنهم تسببوا في كفرنا ونظير هذه الآية
﴿رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السبيلا رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب والعنهم لَعْناً كَبِيراً﴾ [الأحزاب: ٦٧ - ٦٨] ﴿قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾ أي لكلٍ من القادة والأتباع عذاب مضاعف أما القادة فلضلالهم وإضلالهم، وأما الأتباع فلكفرهم وتقليدهم ﴿ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ﴾ أي لا تعلمون هوله ولهذا تسألون لهم مضاعفة العذاب ﴿وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ﴾ أي قال القادة للأتباع: لا فضل لكم علينا في تخفيف العذاب فنحن متساوون في الضلال وفي استحقاق العذاب الأليم ﴿فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ أي فذوقوا عذاب جهنم بسبب إجرامكم، قالوه لهم على سبيل التشفي لأنهم دعوا عليهم بمضاعفة العذاب ﴿إِنَّ الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَا﴾ أي كذبوا بإياتنا مع وضوحها واستكبروا عن الإِيمان بها والعلم بمقتضاها ﴿لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السمآء﴾ أي لا يصعد لهم عمل صالح كقوله تعالى ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب﴾ [فاطر: ١٠] قال ابن عباس: لا يرفع لهم منها عمل صالح ولا دعاء، وقيل: لا تُفتَّح لأرواحهم أبواب السماء إذا قبضت أرواحهم ويؤيده حديث «إن العبد الكافر إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا يجيئه ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخطٍ من الله وغضب، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة فلا يمر على ملأٍ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الخبيثة؟ حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح فلا يفتح له..» الحديث ﴿وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط﴾ أي لا يدخلون يوم القيامة الجنة حتى يدخل الجمل في ثقب الإِبرة، وهذا تمثيل لاستحالة دخول الكفار الجنة كاستحالة دخول الجمل على ضخامته في ثقب الإِبرة على دقته مبالغة في التصوير ﴿وكذلك نَجْزِي المجرمين﴾ أي ومثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي أهل العصيان والإِجرام ﴿لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ﴾ أي لهم فراش من النار من تحتهم ﴿وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ أي ومن فوقهم أغطية من النار ﴿وكذلك نَجْزِي الظالمين﴾ أي ومثل ذلك

صفحة رقم 413

الجزاء الشديد نجزي كل من ظلم وتعدّى حدود الله، ولما ذكر تعالى وعيد الكافرين وما أعده لهم في الآخرة أتبعه بذكر وعد المؤمنين وما أعدّ لهم فقال ﴿والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي والذين صدّقوا الله ورسوله وعملوا بما أمرهم به وأطاعوه ﴿لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ أي لا نكلف أحداً بما هو فوق طاقته أو بما يعجز عنه بل بما هو في وسعه والجملة اعتراضية بين المبتدأ والخبر قال في البحر: وفائدته التنبيه على أن ذلك العمل في وسعهم وغير خارج عن قدرتهم وفيه تنبيه للكفار على أن الجنة مع عظم ما فيها يوصل إليها بالعمل السهل من غير مشقة ﴿أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ هذا هو الخبر أي هؤلاء المؤمنون السعداء هم المستحقون للخلود الأبدي في جنات النعيم لا يُخرجون منها أبداً ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ أي طهرنا قلوبهم من الحسد والبغضاء حتى لا يكون بينهم إلا المحبة والتعاطف كما ورد في الحديث
«يدخلون الجنة وليس في قلوب بعضهم على بعض غلٌ» وصيغة الماضي تفيد التحقق والتثبت ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنهار﴾ أي تجري أنهار الجنة من تحت قصورهم زيادة في نعيمهم ﴿وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي هَدَانَا لهذا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لولا أَنْ هَدَانَا الله﴾ أي وفقنا لتحصيل هذا النعيم العظيم ولولا هداية الله تعالى وتوفيقه لما وصلنا إلى هذه السعادة ﴿لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق﴾ أي والله لقد صدقنا الرسل فيما أخبرونا به عن الله عَزَّ وَجَلَّ ﴿ونودوا أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي وتناديهم الملائكة أن هذه هي الجنة التي أعطيتموها بسبب أعمالكم الصالحة في الدنيا قال القرطبي: ورثتم منازلها بعملكم، ودخولكم إِياها برحمة الله وفضله وفي الحديث «لن يُدخل أحداً منكم عملهُ الجنة..» ﴿ونادى أَصْحَابُ الجنة أَصْحَابَ النار أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ﴾ هذا النداء إنما يكون بعد استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، وعبَّر بالماضي عن المستقبل لتحقق وقوعه أي ينادي أهلُ الجنة أهلَ النار يقولون: إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا على ألسنة رسله من النعيم والكرامة حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم من الخزي والهوان والعذاب حقاً؟ قال أهل النار مجيبين: نعم وجدناه حقاً قال الزمخشري: وإِنما قالوا لهم ذلك اغتباطاً بحالهم، وشماتةً بأهل النار، وزيادة في غمهم لمجرد الإِخبار والاستخبار ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين﴾ أي أعلن معلنٌ ونادى منادٍ بين الفريقين بأن لعنة الله على كل ظالم بالله ثم وصفه بقوله ﴿الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ أي الذين كانوا في الدنيا يمنعون الناس عن اتباع دين الله ويبغون أن تكون السبيل معوجة غير مستقيمة حتى لا يتبعها أحد ﴿وَهُمْ بالآخرة كَافِرُونَ﴾ أي وهم بلقاء الله في الدار الآخرة مكذبون جاحدون ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ﴾ أي بين الفريقين حجاب وهو السور الذي ذكره بقوله ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ﴾ [الحديد: ١٣] يمنع من وصول أهل النار للجنة، وعلى هذا السور رجال يعرفون كلاً من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم أي بعلامتهم التي ميّزهم الله بها قال قتادة: يعرفون أهل النار بسواد وجوههم وأهل الجنة ببياض وجوههم ﴿وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الجنة أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾ أي ونادى أصحاب الأعراف أهل الجنة حين

صفحة رقم 414

رأوهم أن سلامٌ عليكم أي قالوا لهم: سلام ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ أي لم يدخل أصحاب الأعراف الجنة وهم يطمعون في دخولها ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ النار قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ القوم الظالمين﴾ قال المفسرون: أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فليسوا من أهل الجنة ولا من أهل النار، يحبسون هناك على السور حتى يقضي الله فيهم فإذا نظروا إلى أهل الجنة سلّموا عليهم، وإذا نظروا إلى أهل النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، سألوا الله ألاّ يجعلهم معهم قال أبو حيان: وفي التعبير بقوله ﴿صُرِفَتْ﴾ دليل على أن أكثر أحوالهم النظر إلى أهل الجنة وأن نظرهم إلى أصحاب النار ليس ن قِبَلهم بل هم محمولون عليه والمعنى أنهم إذا حُملوا على صرف أبصارهم ورأوا ما عليه أهل النار من العذاب استغاثوا بربهم من أن يجعلهم معهم ﴿ونادى أَصْحَابُ الأعراف رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ أي من أهل النار وهم رؤساء الكفرة ﴿قَالُواْ مَآ أغنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ أي أيُّ شيء نفعكم جمعكم للمال واستكباركم عن الإِيمان؟ والاستفهام للتوبيخ ﴿أهؤلاء الذين أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ﴾ أي هؤلاء المؤمنون الضعفاء الذين كنتم في الدنيا تسخرون منهم وتحلفون أن الله لا يدخلهم الجنة، والاستفهام استفهام تقرير وتوبيخ وشماتة يوبخونهم بذلك ﴿ادخلوا الجنة لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ أي يقولون للمؤمنين ادخلوا الجنة رغم أنوف الكافرين قال الألوسي: هذا من كلام أصحاب الأعراف يقولون لأهل الجنة المشار إليهم: دوموا في الجنة غير خائفين ولا محزونين على أكمل سرور وأتم كرامة ﴿ونادى أَصْحَابُ النار أَصْحَابَ الجنة أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ المآء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله﴾ يخبر تعالى عن المحاورة بين أهل النار وأهل الجنة بعد استقر بكلٍ من الفريقين القرار واطمأنت به الدار، وعن استغاثتهم بهم عند نزول عظيم البلاء من شدة العطش والجوع والمعنى ينادونهم يوم القيامة أغيثونا بشيء من الماء لنكن به حرارة النار والعطش أو مما رزقكم الله من غيره من الأشربة فقد قتلنا العطش ﴿قالوا إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الكافرين﴾ أي منع الكافرين شراب الجنة وطعامها قال ابن عباس: ينادي الرجل أخاه وأباه فيقول: قد احترقت فأفض عليَّ من الماء! فيقال لهم أجيبوهم فيقولون: إن الله حرمهما على الكافرين، ثم وصف تعالى الكافرين بقوله ﴿الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً﴾ أي هزءوا من دين الله وجعلوا الدين سخرية ولعباً ﴿وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا﴾ أي خدعتهم بزخارفها العاجلة وشهواتها القاتلة وهذا شأنها مع أهلها تغرُّ وتضر، وتخدع ثم تصرع ﴿فاليوم نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هذا﴾ أي ففي هذا اليوم نتركهم في العذاب كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا فلم يخطر ببالهم ولم يهتموا به قال الألوسي: الكلام خارجٌ مخرج التمثيل أي نتركهم في النار وننساهم مثل نسيانهم لقاء هذا اليوم العظيم الذي ينبغي ألا يُنسى وقال ابن كثير: أي يعاملهم معاملة من نسيهم لأنه تعالى لا يشذّ عن علمه شيءٌ ولا ينساه ﴿وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ أي وكما كانوا منكرين لآيات الله في الدنيا، يكذبون بها ويستهزءون، ننساهم في العذاب.

صفحة رقم 415

البَلاَغَة: ١ - ﴿عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ مجاز مرسل علاقته المحلية لأن المراد بالمسجد هنا الصلاة والطواف، ولما كان المسجد مكان الصلاة أطلق ذلك عليه.
٢ - ﴿لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السمآء﴾ كناةي عن عدم قبول العمل، فلا يقبل لهم دعاء أو عمل.
٣ - ﴿حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط﴾ فيه تشبيه ضمني أي لا يدخلون الجنة بحالٍ من الأحوال إلا إِذا أمكن دخول الجمل في ثقب الإِبرة، وهو تمثيلٌ للاستحالة.
٤ - ﴿لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ قال صاحب البحر: هذه استعارة لما يحيط بهم من النار من كل جانب كقوله ﴿لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النار وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾ [الزمر: ١٦].
٥ - ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ بين «ظهر» و «بطن» طباقٌ وهو من المحسنات البديعية.
فَائِدَة: يروى أن الرشيد كان له طبيبٌ نصراني حاذق فقال ذلك الطبيبُ لأحد العلماء: ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلمُ علمان: علم الأبدان وعلم الأديان فقال له العالم: قد جمع الله تعالى الطبَّ كله في نصف آية من كتابه قال وما هي؟ قال قوله تعالى ﴿وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا﴾ فقال النصراني: ولا يُؤثر عن رسولكم شيء في الطب فقال العالم: قد جمع رسولنا الطب في ألفاظ يسيرة قال وما هي؟ قال قوله «ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يُقمن صلبه» الحديث فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طباً.

صفحة رقم 416
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية