آيات من القرآن الكريم

وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ
ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ

(وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ) " وبينهما " أي بين أهل الجنة وأهل النار (حجاب) أي حاجز يمنع الاختلاط بينهما، والضمير في " بينهما " يعود إلى الفريقين: فريق الجنة، وفريق السعير، وقد قال الله تعالى في هذا السور الحاجز: (... فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ). وفي أعلى هذا المسور أعراف وهي جمع عرف وهو أعلى السور، فالعُرف أعلى الشيء ومن ذلك عُرف الديك وعُرف الفرس.

صفحة رقم 2847

على أعراف هذا السور الحاجز رجال، وإن التعبير برجال يفيد أنهم ليسوا من الملائكة؛ لأن الملائكة لَا يعبر عنهم برجال فليسوا ذكورا ولا إناثا، ولكن من هم أولئك الرجال؟!.
اختلف المفسرون في ذلك على أقوال كثيرة، فروي عن النبي - ﷺ - أنهم ناس استوت حسناتهم وسيئاتهم، فقد سئل رسول الله - ﷺ -: عمن استوت حسناته وسيئاته فقال: " أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون "، ومع أن الحديث مقوى بنص الآية إذ نصها (لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعونَ) ولكن قال ابن كثير وهو من أهل العلم بالروايات: إنه حديث مرفوع، ولكن فيه غرابة.
هذا قول، وهناك قول آخر، وهو أنهم ناس من أهل الفضل فرغوا من أعمالهم في الجنة، وأخذوا يتكلمون إلى الناس، ويتعرفون أمورهم، ويحكمون عليهم، وقد وقفوا على أطراف الصراط.
وقريب من هذا القول، قول من قال: إنهم قوم من المؤمنين نصبوا بفضلهم للشهادة على الناس، ومن بعد سنوازن بين القولين لنختار واحدا منهما.
ويقول الله تعالى في أوصاف أهل الأعراف: (يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ)، و " كُلًّا " مضاف إلى محذوف، أي كل فريق من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم، أي علاماتهم، فالسيما العلامة ويقولون: إن علامة أهل الجنة البياض، وعلامة أهل النار السواد، والله تعالى أعلم بسيماهم، وهم لَا يكتفون بموقف التعرف، ولكن ينادون أهل الجنة وأهل النار، ونداؤهم لأهل الجنة مقصود، لأنهم مقصودون بالتحية والتكريم، وأما أهل النار فهم غير مقصودين، ولكن بالصرف إليهم؛ ولذا قال تعالى: (وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ).
نادوا أهل الجنة مقبلين عليهم مهنئين مرحبين، ونداؤهم لهم (أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أن مخففة من أنَّ واسمها ضمير الشأن؛ أي أن حالكم وشأنكم سلام، أو أن قولنا لكم سلام، وهو تهنئة وأمن، ومشاركة لهم في سرائهم بالقول، وهذا

صفحة رقم 2848

قريب من قوله تعالى: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠).
وقوله تعالى: (لَمْ يَدْخلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ)، الضمير في قوله تعالى: (لَمْ يَدْخلُوهَا) يعود على أهل الأعراف وهو ظاهر السياق، وهذا يقتضي أنهم لم يكونوا قد تقرر لهم دخول الجنة، ولكن لأنهم لَا تنزل بهم سيئاتهم إلى جهنم، ولم تنهض بهم أعمالهم إلى الجنة يطمعون في الجنة، وإن هذا بلا ريب يعين في ترجيح أن أهل الأعراف هم الذين لم تنهض حسناتهم حتى يدخلوا الجنة ولم تحبطهم (سيئاتهم) إلى النار.
فهم يطمعون في الجنة، ويرغبون فيها، ولكن لم يدخلوا بعد فيها.
وإن ذلك هو التقسيم العادل الذي لَا يكون إلا من الله، وهو أنه بعد أن توزن السيئات والحسنات بميزان الله وهو الوزن يومئذ بالقسط، منهم من ترجح حسناته فيكون للجنة، ومنهم من ترجح سيئاته فيكون في النار وبئس المهاد، ومنهم من لم يرجح ميزانه.
وقد يرد على هذا أنهم في مكان من الأعراف، فظاهر أنهم فوق الفريقين، ونقول: إن علوهم ليروا الفريقين، لَا لمنزلة لهم فوق أهل الجنة.
وبعض العلماء يرى أن أهل الجنة لم يكونوا قد دخلوا الجنة بعد، فالضمير في " دخلوا " يعود إليهم، والحق أن ذلك ليس متسقا مع السياق؛ لأنهم صاروا أصحابها، ويقتضي ذلك أن يكونوا دخلوا فيها، والله تعالى أعلم.
إن أهل الأعراف يقصدون إلى أهل الجنة قصدا؛ لأنها مطمعهم، ولكن لا يلتفتون إلى أهل النار لأنهم لَا يريدون الاتجاه إليهم، ولكن قد تصرف أنظارهم إليهم؛ ولذا قال تعالى:
* * *

صفحة رقم 2849
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية