
١٩٦ - قولهم تعالى: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ﴾ الآية. قرأ القراء (١): ﴿وَلِيِّيَ﴾ بثلاث ياءات، ياء (فعيل) وهي ساكنة، والثانية لام الفعل وهي مكسورة قد أدغمت (٢) الأولى فيها فصارتا ياء مشددة، والثالثة ياء الإضافة.
وروي عن أبي عمرو بالإدغام (٣) الكبير: ﴿وَلِيِّيَ اللَّهُ﴾ بياء مشددة، ووجه ذلك (٤) أنه حذف الياء التي هي لام فعيل، كما حذفت اللام من قولهم: (ما بليتُ به بالةً) (٥)، وكما حذفت الهمزة التي هي لام في قول أبي
(٢) في (أ): (قد أدغمتا الأولى فصارتا).
(٣) في (أ): "في الإدغام" وقال ابن الجزري في "النشر": ٢/ ٢٧٤: (بعضهم يعبر عنه بالإدغام وهو خطأ إذ المشدد لا يدغم في المخفف وبعضهم أدخله في الإدغام الكبير ولا يصح ذلك لخروجه عن أصوله ولأن راويه يرويه مع عدم الإدغام الكبير) اهـ.
(٤) قال ابن الجزري في "النشر": ٢/ ٢٧٤: (اختلف في توجيه الرواية عن أبي عمرو، فخرج فتح الياء على حذف لام الفعل في ولي وهي الياء الثانية وإدغام ياء فعيل في ياء الإضافة وقد حذفت اللام كثيراً في كلامهم وهو مطرد في اللامات في التحقير، وقد قيل في تخريجها غير ذلك وهذا أحسن، وأما كسر الياء فوجهها أن يكون المحذوف ياء المتكلم لملاقاتها ساكنًا كما تحذف ياءات الإضافة عند لقيها الساكن، والرواية الحذف وصلًا ووقفًا أجري الوقف مجرى الوصل) اهـ.
(٥) (ما باليتُ به بالة) أي: لم أكترث به، والشاهد: بالة حيث حذف الياء تخفيفاً، والأصل بالية، وفي "الكتاب" ٤/ ٤٠٦: (حكي عن الخليل أن من الحذف قولهم: ما أباليه بالة كأنها بالية بمنزلة العافية) اهـ، وفي "النهاية" لابن الأثير ١/ ١٥٦ قال: (وفي حديث ابن عباس: (ما أباليه بالة) أي: لم أكترث به)، وفي "اللسان" ١/ ٣٥٦ (بلا)، ذكر حديث ابن عباس، وقال: (ومن كلام الحسن: لم يبالهم الله =

الحسن (١) (من أشياء) كما حذفت الهمزة من قولهم: سواية إذا أردت به سوائية مثل الكراهية، وكما استمر الحذف في التحقير في هذه (٢) اللامات نحو: عُطيّ في تحقير عطاء بدليل قولهم: سميَّة في تصغير سماء، فلما حذفت اللام أدغمت ياء فعيل في ياء الإضافة فقلت: ﴿وَلِيِّيَ اللَّهُ﴾. فهذه الفتحة فتحة ياء الإضافة (٣) ولا يجوز أن يدغم الياء التي هي لام في ياء الإضافة؛ لأنه إذا فعل ذلك انفك الإدغام، ويذهب سيبويه إلى (إنك إذا قلت هذا: وليُّ يزيد، وعدو وليد، لم يجز إدغام الياء التي هي لام في ياء يزيد لانفكاك الإدغام من وليّ) (٤)، وكأن أبا عمرو في قوله: ﴿وَلِيَّ اللَّهُ﴾ شبه (٥) المنفصل وهو ياء الإضافة بالمتصل، فحذف إحدى الياءات عن ﴿وَلِيَّ﴾ كما يحذف من عُطيّ، والباقون أجازوا اجتماع ثلاث ياءات؛ لأن
(١) قول الأخفش في "الحجة" لأبي علي ٤/ ١١٨، وقال الأزهري في "تهذيبه" ٢/ ١٩٥١ (شيء): (لم يختلف النحويون في أن (أشياء) جمع شيء وأنها غير مجراة، وقال الفراء والأخفش أصل أشياء أفعلاء إلا إنه كان في الأصل أشيئاء على وزن أشيعاع فاجتمعت همزتان بينهما ألف، فحذفت الهمزة الأولى). وانظر: "اللسان" ٤/ ٢٣٦٩ - ٢٣٧٠ (شيء)، و"معجم مفردات الإبدال والإعلال" للخراط ص ١٥٧.
(٢) لفظ: (في هذه) ساقط من (ب).
(٣) في (ب): (فتحة بالإضافة)، وهو تحريف.
(٤) "الكتاب" ٤/ ٤٤٢.
(٥) في (ب): (شبهه)، وهو تحريف.

ياء الإضافة منفصل، ولم يجروا المنفصل مجرى المتصل، ولا يجوز في عُطيّ إلا الحذف لأنه متصل (١).
ومعنى ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ﴾ أي: الذي يتولى حفظي وتصرفي هو الله لا غيره، ﴿الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ﴾ يريد: القرآن، أي: أنه يتولاني وينصرني، كما أيدني بإنزال الكتاب (٢). ﴿وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ [قال ابن عباس: (يريد: الذين لا يعدلون بالله شيئًا ولا يعصونه) (٣)، وفي هذا مدح الصالحين] (٤) بأن الله عز وجل يتولاهم بنصره فلا يضرهم (٥) عداوة من عاداهم، وفي ذلك يأس المشركين من أن يضره كيدهم ومكرهم. قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ الآية [الأعراف: ١٩٧] معنى هذه الآية قد مضى في مثلها من قوله: ﴿وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا﴾ [الأعراف: ١٩٢].
وإنما أعيد هذا المعنى لأن الأول مذكور على جهة التقريع، وهاهنا ذكر على جهة الفرق بين صفة من تجوز له العبادة ومن لا تجوز، كأنه قيل: إن ناصره الله ولا ناصر لكم ممن تعبدون (٦).
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٩/ ١٥٢، و"إعراب النحاس" ١/ ٦٥٩، والسمرقندي ١/ ٥٨٩.
(٣) ذكره الواحدي في "الوسيط" ٢/ ٢٨٦، والبغوي ٣/ ٣١٥ - ٣١٦، والخازن ٢/ ٣٢٧.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٥) في (ب): (ولا يضرهم).
(٦) انظر: "تفسير الرازي" ١٥/ ٩٥، والخازن ٢/ ٣٢٧، وقال ابن عطية ٦/ ١٨٤: (إنما كرر لأن أمر الأصنام وتعظيمها كان متمكنًا من نفوس العرب في ذلك الزمن ومستوليًا على عقولها فأوعب القول في ذلك لطفًا من الله تعالى بهم) اهـ.