آيات من القرآن الكريم

مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ

فِي حَالَتَيْهِ إِنْ حَمَلْتَ عَلَيْهِ وَإِنَّ تَرِكْتَهُ هُوَ يَلْهَثُ فِي الْحَالَيْنِ، فَكَذَلِكَ هَذَا لَا يَنْتَفِعُ بِالْمَوْعِظَةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى الْإِيمَانِ وَلَا عَدَمِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [الْبَقَرَةِ: ٦] اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التَّوْبَةِ: ٨٠] وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ قَلْبَ الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ وَالضَّالِّ ضَعِيفٌ فَارِغٌ مِنَ الْهُدَى فَهُوَ كَثِيرُ الْوَجِيبِ، فَعَبَّرَ عَنْ هَذَا بِهَذَا نُقِلَ نَحْوُهُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ أَيْ لَعَلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْعَالِمِينَ بِحَالِ بَلْعَامَ وَمَا جَرَى لَهُ فِي إِضْلَالِ اللَّهِ إِيَّاهُ وَإِبْعَادِهِ مِنْ رَحْمَتِهِ، بِسَبَبِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي تَعْلِيمِهِ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ رَبِّهِ بَلْ دَعَا بِهِ عَلَى حِزْبِ الرَّحْمَنِ وَشِعْبِ الْإِيمَانِ، أَتْبَاعِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، كَلِيمِ اللَّهِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلِهَذَا قَالَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ أَيْ فَيَحْذَرُوا أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَاهُمْ عِلْمًا وَمَيَّزَهُمْ عَلَى مَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ، وَجَعَلَ بِأَيْدِيهِمْ صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِفُونَهَا كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ، فَهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ وَأَوْلَاهُمْ بِاتِّبَاعِهِ وَمُنَاصَرَتِهِ وَمُؤَازَرَتِهِ كَمَا أَخْبَرَتْهُمْ أَنْبِيَاؤُهُمْ بِذَلِكَ وَأَمَرَتْهُمْ بِهِ، وَلِهَذَا مَنْ خَالَفَ مِنْهُمْ مَا فِي كِتَابِهِ وَكَتَمَهُ فَلَمْ يُعْلِمْ بِهِ الْعِبَادَ أَحَلَّ اللَّهُ بِهِ ذُلًّا فِي الدُّنْيَا مَوْصُولًا بِذُلِّ الْآخِرَةِ.
وَقَوْلُهُ ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَقُولُ تَعَالَى سَاءَ مَثَلًا مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كذبوا بآياتنا [الأعراف: ١٧٧] أَيْ سَاءَ مَثَلُهُمْ أَنْ شُبِّهُوا بِالْكِلَابِ الَّتِي لَا هِمَّةَ لَهَا إِلَّا فِي تَحْصِيلِ أَكْلَةٍ أَوْ شَهْوَةٍ فَمَنْ خَرَجَ عَنْ حَيِّزِ الْعِلْمِ وَالْهُدَى وَأَقْبَلَ عَلَى شَهْوَةِ نَفْسِهِ وَاتَّبِعْ هَوَاهُ صَارَ شَبِيهًا بِالْكَلْبِ وَبِئْسَ الْمَثَلُ مَثَلُهُ وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ، الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» «١».
وَقَوْلُهُ وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ أَيْ مَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ هُمْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنِ اتِّبَاعِ الْهُدَى، وَطَاعَةِ الْمَوْلَى، إِلَى الرُّكُونِ إِلَى دَارِ الْبِلَى، وَالْإِقْبَالِ عَلَى تَحْصِيلِ اللَّذَّاتِ وموافقة الهوى.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٧٨]
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٧٨)
يَقُولُ تَعَالَى مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ أَضَلَّهُ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ وَضَلَّ لَا مَحَالَةَ، فَإِنَّهُ تَعَالَى مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنُعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سيئات أعمالنا، من يهد الله

(١) أخرجه البخاري في الهبة باب ٣٠، ومسلم في الهبات حديث ٥، ٦، وأبو داود في البيوع باب ٨١، والنسائي في الهبة باب ٣، ٤، وابن ماجة في الصدقات باب ١، وأحمد في المسند ١/ ٤٠، ٥٤، ٢١٧، ٢٣٧، ٢٨٩، ٣٤٩، ٣٥٠، ٢/ ٢٧، ١٧٥، ٢٠٨.

صفحة رقم 462
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية