
١٢١] وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الْإِسْرَاءِ: ١٠٧- ١٠٩].
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» فِي تَفْسِيرِهَا خَبَرًا عَجِيبًا فَقَالَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا قَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ وَكَفَرُوا وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا تَبْرَأَ سِبْطٌ مِنْهُمْ مِمَّا صَنَعُوا وَاعْتَذَرُوا وَسَأَلُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ فَفَتَحَ اللَّهُ لَهُمْ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ، فَسَارُوا فِيهِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْ وَرَاءِ الصِّينِ فَهُمْ هُنَالِكَ حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ يَسْتَقْبِلُونَ قِبْلَتَنَا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَذَلِكَ قَوْلُهُ وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً [الإسراء: ١٠٤] ووعد الْآخِرَةِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَارُوا فِي السِّرْبِ سَنَةً وَنِصْفًا.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ صَدَقَةَ أَبِي الْهُذَيْلِ عَنِ السُّدِّيِّ وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ قَالَ قَوْمٌ بَيْنَكُمْ وبينهم نهر من شهد «٢».
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٦٠ الى ١٦٢]
وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١٦٠) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (١٦١) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (١٦٢)
تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا كُلِّهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ «٣» وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ وَهَذَا السِّيَاقُ مَكِّيٌّ وَنَبَّهْنَا عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا السِّيَاقِ وذاك بما أغنى عن إعادته هنا. ولله الحمد والمنة.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٦٣]
وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣)
(٢) انظر تفسير الطبري ٦/ ٨٨، ٨٩.
(٣) انظر تفسير الآية ٦٠ من سورة البقرة.

هَذَا السِّيَاقُ هُوَ بَسْطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ [البقرة:
٦٥] الآية يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَسْئَلْهُمْ أَيْ وَاسْأَلْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ الَّذِينَ بِحَضْرَتِكَ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِهِمُ الَّذِينَ خَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ فَفَاجَأَتْهُمْ نِقْمَتُهُ عَلَى صَنِيعِهِمْ وَاعْتِدَائِهِمْ وَاحْتِيَالِهِمْ فِي الْمُخَالَفَةِ وَحَذِّرْ هَؤُلَاءِ مِنْ كِتْمَانِ صِفَتِكَ الَّتِي يَجِدُونَهَا فِي كُتُبِهِمْ لِئَلَّا يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِإِخْوَانِهِمْ وَسَلَفِهِمْ وَهَذِهِ الْقَرْيَةُ هِيَ أَيْلَةُ وَهِيَ عَلَى شَاطِئِ بَحْرِ الْقُلْزُمِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تعالى:
وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ قَالَ هِيَ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا أَيْلَةُ بَيْنَ مَدْيَنَ وَالطُّورِ «١» وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ الْقَارِئُ سَمِعْنَا أَنَّهَا أَيْلَةُ «٢» وَقِيلَ هِيَ مَدْيَنُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ هِيَ قرية يقال لها مقنا بين مدين وعينونا «٣».
وَقَوْلُهُ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ أَيْ يَعْتَدُونَ فِيهِ وَيُخَالِفُونَ أَمْرَ اللَّهِ فِيهِ لَهُمْ بِالْوَصَاةِ بِهِ إِذْ ذَاكَ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْ ظَاهِرَةً عَلَى الْمَاءِ وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ شُرَّعًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ «٤». قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَوْلُهُ وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ أَيْ نَخْتَبِرُهُمْ بِإِظْهَارِ السَّمَكِ لَهُمْ عَلَى ظَهْرِ الْمَاءِ فِي الْيَوْمِ الْمُحَرَّمِ عليهم صيده وإخفائه عنهم في اليوم الحلال لَهُمْ صَيْدُهُ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ نَخْتَبِرُهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ يَقُولُ بِفِسْقِهِمْ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَخُرُوجِهِمْ عَنْهَا «٥».
وَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ احْتَالُوا عَلَى انْتِهَاكِ مَحَارِمِ اللَّهِ بِمَا تَعَاطَوْا مِنَ الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي مَعْنَاهَا فِي الْبَاطِنِ تَعَاطِي الْحَرَامِ وَقَدْ قَالَ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ» وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ فَإِنَّ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ هَذَا ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ وَوَثَّقَهُ وَبَاقِي رِجَالِهِ مَشْهُورُونَ ثِقَاتٌ وَيُصَحِّحُ التِّرْمِذِيُّ بِمِثْلِ هَذَا الإسناد كثيرا.
(٢) تفسير الطبري ٦/ ٩١.
(٣) تفسير الطبري ٦/ ٩٢.
(٤) تفسير الطبري ٦/ ٩٣.
(٥) تفسير الطبري ٦/ ٩٣.