آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ
ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ

وكان موسى لشدة حدته فيما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة، أنه لما أرسل ملك الموت إليه، صكّه صكّة، ففقأ بها عينه، فرجع إلى ربه، فقال:
أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فقال: ارجع إليه، فقل له: يضع يده على متن ثور، فله بكل شعرة سنة، قال: أي رب، ثم ماذا؟ قال: الموت، قال:
فالآن... الحديث.
جزاء الظالمين باتخاذ العجل وقبول توبة التائبين
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٥٢ الى ١٥٣]
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣)
الإعراب:
اتَّخَذُوا الْعِجْلَ المفعول الثاني محذوف، والتقدير: اتخذوا العجل إلها ومعبودا.
وَالَّذِينَ عَمِلُوا... وَالَّذِينَ: مبتدأ مرفوع، والجملة من إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ باسمها وخبرها في موضع رفع، خبر المبتدأ.
المفردات اللغوية:
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ إلها سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ عذاب وهو ما أمروا به من قتل أنفسهم، أي قتل بعضهم بعضا، كما تقدم في سورة البقرة. وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا شعور بهوانهم على الناس، واحتقارهم لهم، وخروجهم من ديارهم وَكَذلِكَ أي كما جزيناهم نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ على الله بالإشراك وغيره ثُمَّ تابُوا رجعوا عن السيئات وَآمَنُوا بالله مِنْ بَعْدِها أي التوبة لَغَفُورٌ لهم رَحِيمٌ بهم.

صفحة رقم 105

المناسبة:
الربط بين هذه الآيات وما قبلها واضح، فبعد أن ذكر تعالى عتاب موسى لأخيه هارون عليهما السّلام، ثم استغفاره لنفسه ولأخيه، ذكر جزاء الظالمين باتخاذ العجل إلها ومعبودا، وقبول توبة التائبين. وهذا هو الفصل الثالث من قصة عبادة العجل.
التفسير والبيان:
إن الذين اتخذوا العجل من بني إسرائيل إلها ومعبودا بعد غيبة رسولهم موسى عليه السّلام، وبقوا على تأليهه واستمروا على عبادته كالسامري وأتباعه، سيصيبهم عذاب شديد من ربهم، وهو المذكور في سورة البقرة، وهو أن الله تعالى لن يقبل توبتهم حتى يقتتلوا، ويقتل بعضهم بعضا: فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ، فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ، فَتابَ عَلَيْكُمْ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة ٢/ ٥٤].
وسينالهم أيضا ذلة وصغار في الحياة الدنيا، بخروجهم من ديارهم وتشردهم، وهوانهم على الناس واحتقارهم لهم، وتهالكهم على حب الدنيا، فهم الماديون المنبوذون المكروهون في كل أمة، وتلك هي ذلة عظيمة المعنى، ونظيره قوله تعالى: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة ٢/ ٦١] والذلة بمعناها القريب والبعيد. وأما قيام دولتهم في فلسطين فهي محنة للمسلمين، فربما أناس سلّط عليهم من هو شر لهم، وقد أثبتت الدراسات العلمية أن بقاء دولة الصهاينة في فلسطين شيء مستحيل، ولا تؤيده الظروف والقرائن المشاهدة، وقد بشرت الأحاديث النبوية بقتلهم وطردهم منها، ولكل أجل كتاب.
ومثل ذلك الجزاء الذي نزل بالظالمين من بني إسرائيل في الدنيا نجزي القوم

صفحة رقم 106

المفترين على الله في كل زمان، والمعنى: أن كل مفتر في دين الله جزاؤه غضب الله والذلة في الدنيا.
ويشمل ذلك كل من افترى بدعة وخالف الرشاد، وقال الحسن البصري:
إن ذل البدعة على أكتافهم، وإن هملجت بهم البغلات، وطقطقت بهم البراذين «١».
وروى عن أبي قلابة الجرمي أنه قرأ هذه الآية: وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ فقال: هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة.
وقال سفيان بن عيينة: كل صاحب بدعة ذليل «٢».
ومن عادة القرآن مقابلة الأشياء بأضدادها، فبعد أن ذكر جزاء الظالمين، فتح باب الأمل أمام التائبين، فنبه الله تعالى عباده وأرشدهم إلى أنه يقبل توبتهم من أي ذنب كان، حتى ولو كان من كفر أو شرك أو نفاق أو شقاق، فقال:
وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ... أي والذين ارتكبوا الأعمال السيئة والمعاصي المنكرة شرعا وعلى رأسها الكفر والشرك، ثم تابوا أي رجعوا من بعدها إلى الله، بأن آمن الكافر، وأقلع العاصي عن عصيانه، واستقام المؤمن على منهج ربه، وآمنوا إيمانا خالصا من الشوائب، وقرنوا الإيمان بالعمل الصالح، إن ربك يا محمد من بعد تلك الفعلة لغفور لهم، ستار لذنوبهم، رحيم بهم يجزي بالحسنة عشر أمثالها، ويكافئ على القليل بالجليل الكثير.
سئل ابن مسعود عن الرجل يزني بالمرأة ثم يتزوجها، فتلا هذه الآية:
وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ، ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها، وَآمَنُوا، إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ فتلاها عبد الله عشر مرات، فلم يأمرهم بها ولم ينههم عنها.

(١) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٤٨.
(٢) المرجع والمكان السابق.

صفحة رقم 107

وهذا يفيد أن من عمل السيئات فلا بد وأن يتوب عنها أولا، وذلك بأن يتركها ويرجع عنها، ثم يؤمن بعد ذلك، يؤمن بالله تعالى، ويصدق بأنه لا إله غيره. وهذه الآية تدل على أن جميع السيئات قابلة للغفران بالتوبة، وهذه بشارة عظمي للمذنبين.
فقه الحياة أو الأحكام:
تضمنت الآيتان مبدأين مهمين: مبدأ العدل في العقاب، ومبدأ الرحمة بالعصاة التائبين.
أما المبدأ الأول- وهو عدالة العقاب فهو ما قامت عليه شريعة الله، فمن أشرك بالله إلها آخر، كما فعل بنو إسرائيل في غيبة موسى عليه السّلام، فهو ظالم لنفسه، يستحق غضب الإله عليه، ومصاحبة الذلة والهوان له في الحياة الدنيا.
ومن ابتدع شيئا ليس في دين الله فهو مفتر يناله من الجزاء مثل جزاء الظالمين الكافرين لقوله تعالى: وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ أي المبتدعين، قال الإمام مالك رحمه الله: ما من مبتدع إلا وتجد فوق رأسه ذلّة.
وينطبق ذلك على الناس كلهم في الماضي والحاضر والمستقبل، فهو يشمل فعلة بني إسرائيل في عهد موسى عليه السّلام، وكل من رضي بفعلهم كاليهود في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي كل زمن على ممر الأجيال.
وأما المبدأ الثاني- مبدأ الرحمة بالعصاة التائبين فهو فضل عظيم من الله تعالى على هذه الأمة المسلمة وعلى الأمم كلها، ففي الآية خبر قاطع وقرار حاسم وحكم دائم وهو أن الله يقبل توبة التائب من الشرك وغيره من المعاصي لأن قوله تعالى: وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ يشمل الكفر وسائر المعاصي. ورحمة الله سبقت غضبه، ورحمته وسعت كل شيء، فمن آمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن دستورا، وتاب من كفره أو معصيته، وعمل صالحا فإن الله من بعد توبته غفور له رحيم به.

صفحة رقم 108
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية