آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ

النَّاسِ
[الْمَائِدَةِ: ٦٧] فَأَرَادَ تَعَالَى أَنْ يَمْنَعَ أَعْدَاءَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ إِيذَائِهِ وَمَنْعِهِ مِنَ الْقِيَامِ بِمَا يَلْزَمُهُ فِي تَبْلِيغِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: فِي التَّأْوِيلِ مَا ذَكَرَهُ الْجُبَّائِيُّ فقال: سأصرف هؤلاء المتكبرين على نَيْلِ مَا فِي آيَاتِي مِنَ الْعِزِّ وَالْكَرَامَةِ الْمُعَدَّيْنِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا يَصْرِفُهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ إِنْزَالِ الذُّلِّ وَالْإِذْلَالِ بِهِمْ وَذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْعُقُوبَةِ عَلَى كُفْرِهِمْ وَتَكَبُّرِهِمْ عَلَى اللَّهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ مِنَ الْآيَاتِ آيَاتٍ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إِلَّا بَعْدَ سَبْقِ الْإِيمَانِ. فَإِذَا كَفَرُوا فَقَدْ صَيَّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُمُ الِانْتِفَاعُ بِتِلْكَ الْآيَاتِ فَحِينَئِذٍ يَصْرِفُهُمُ اللَّهُ عَنْهَا.
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا عَلِمَ مِنْ حَالِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إِذَا شَاهَدَ تِلْكَ الْآيَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَدِلُّ بِهَا بَلْ يَسْتَخِفُّ بِهَا وَلَا يَقُومُ بِحَقِّهَا فَإِذَا عَلِمَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُ صَحَّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْهَا.
وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ: نُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مِنَ الْكُفَّارِ مَنْ يُبَالِغُ فِي كُفْرِهِ وَيَنْتَهِي إِلَى الْحَدِّ الَّذِي إِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ مَاتَ قَلْبُهُ فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ هَؤُلَاءِ. فَهَذَا جُمْلَةُ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْبَابِ وَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا يَقُولُ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ خَلْقِ الْأَعْمَالِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَعْنَى يَتَكَبَّرُونَ: أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَنَّ لَهُمْ مِنَ الْحَقِّ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ وَهَذِهِ الصِّفَةُ أَعْنِي التَّكَبُّرَ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَهُ الْقُدْرَةُ وَالْفَضْلُ الَّذِي لَيْسَ لِأَحَدٍ فَلَا جَرَمَ يَسْتَحِقُّ كَوْنَهُ مُتَكَبِّرًا، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: التَّكَبُّرُ: إِظْهَارُ كِبْرِ النَّفْسِ عَلَى غَيْرِهَا. وَصِفَةُ التَّكَبُّرِ صِفَةُ ذَمٍّ فِي جَمِيعِ الْعِبَادِ وَصِفَةُ مَدْحٍ فِي اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ، لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ إِظْهَارَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ سِوَاهُ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ حَقٌّ. وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ بَاطِلٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَهُ: بِغَيْرِ الْحَقِّ لِأَنَّ إِظْهَارَ الْكِبْرِ عَلَى الْغَيْرِ قَدْ يَكُونُ بِالْحَقِّ فَإِنَّ لِلْمُحِقِّ أَنْ يَتَكَبَّرَ عَلَى الْمُبْطِلِ وَفِي الْكَلَامِ الْمَشْهُورِ التَّكَبُّرُ عَلَى الْمُتَكَبِّرِ صَدَقَةٌ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا فَفِيهِ مَبَاحِثُ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ الرَّشَدِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالشِّينِ وَالْبَاقُونَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ.
وَفَرَّقَ أَبُو عَمْرٍو بَيْنَهُمَا فَقَالَ: الرُّشْدِ بِضَمِّ الرَّاءِ الصَّلَاحُ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً [النِّسَاءِ:
٦] أَيْ صَلَاحًا، والرشد فتحهما الِاسْتِقَامَةُ فِي الدِّينِ. قَالَ تَعَالَى: مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً [الْكَهْفِ: ٦٦] وَقَالَ الْكِسَائِيُّ هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ مِثْلُ الْحَزَنِ وَالْحُزْنِ وَالسَّقَمِ وَالسُّقُمِ وَقِيلَ: الرُّشْدِ بِالضَّمِّ الِاسْمُ وَبِالْفَتْحَتَيْنِ الْمَصْدَرُ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: سَبِيلَ الرُّشْدِ عِبَارَةٌ عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى وَالدِّينِ الحق والصواب في العلم والعمل وسَبِيلَ الغَيِّ مَا يَكُونُ مُضَادًّا لِذَلِكَ ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ هَذَا الصَّرْفَ إِنَّمَا كَانَ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَوْنُهُمْ مُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ. وَالثَّانِي: كَوْنُهُمْ غَافِلِينَ عَنْهَا وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ وَاظَبُوا عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْهَا حَتَّى صَارُوا بِمَنْزِلَةِ الْغَافِلِ عَنْهَا. وَاللَّهُ اعلم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤٧]
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤٧)

صفحة رقم 366
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية