
كقوله وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً. والغسلين: غسالة أهل النار وما يسيل من أبدانهم من الصديد والدم، فعلين من الغسل الْخاطِؤُنَ الآثمون أصحاب الخطايا. وخطئ الرجل: إذا تعمد الذنب «١»، وهم المشركون: عن ابن عباس: وقرئ: الخاطيون، بإبدال الهمزة ياء، والخاطون بطرحها. وعن ابن عباس: ما الخاطون؟ كلنا نخطو. وروى عنه أبو الأسود الدؤلي:
ما الخاطون؟ إنما هو الخاطئون، ما الصابون؟ إنما هو الصابئون: ويجوز أن يراد: الذين يتخطون الحق إلى الباطل، ويتعدّون حدود الله.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٣٨ الى ٤٣]
فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣)
هو إقسام بالأشياء كلها على الشمول والإحاطة، لأنها لا تخرج من قسمين: مبصر وغير مبصر. وقيل: الدنيا والآخرة، والأجسام والأرواح، والإنس والجنّ، والخلق والخالق، والنعم الظاهرة والباطنة، إن هذا القرآن لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ أى يقوله ويتكلم به على وجه الرسالة من عند الله وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ ولا كاهن كما تدعون والقلة في معنى العدم. أى: لا تؤمنون ولا تذكرون ألبتة. والمعنى: ما أكفركم وما أغفلكم تَنْزِيلٌ هو تنزيل، بيانا لأنه قول رسول نزل عليه مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ وقرأ أبو السمال: تنزيلا، أى: نزل تنزيلا. وقيل «الرسول الكريم» جبريل عليه السلام، وقوله وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ دليل على أنه محمد ﷺ لأنّ المعنى على إثبات أنه رسول، لا شاعر ولا كاهن.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٤٤ الى ٥٢]
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢)

التقوّل: افتعال القول «١»، كأن فيه تكلفا من المفتعل. وسمى الأقوال المتقولة «أقاويل» تصغيرا بها وتحقيرا، كقولك: الأعاجيب والأضاحيك، كأنها جمع أفعولة من القول. والمعنى:
ولو ادعى علينا شيئا لم نقله لقتلناه صبرا، كما يفعل الملوك بمن يتكذب عليهم معاجلة بالسخط والانتقام، فصوّر قتل الصبر بصورته ليكون أهول: وهو أن يؤخذ بيده وتضرب رقبته.
وخص اليمين عن اليسار لأن القتال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيساره، وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يكفحه بالسيف، وهو أشد على المصبور لنظره إلى السيف أخذ بيمينه.
ومعنى لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ لأخذنا بيمينه، كما أن قوله لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ لقطعنا وتينه، وهذا بين. والوتين: نياط القلب وهو حبل الوريد: إذا قطع مات صاحبه. وقرئ: ولو تقول على البناء للمفعول. قيل حاجِزِينَ في وصف أحد، لأنه في معنى الجماعة، وهو اسم يقع في النفي العام مستويا فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. ومنه قوله تعالى لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ والضمير في عنه للقتل، أى: لا يقدر أحد منكم أن يحجزه عن ذلك ويدفعه عنه. أو لرسول الله، أى: لا تقدرون أن تحجزوا عنه القاتل وتحولوا بينه وبينه، والخطاب للناس، وكذلك في قوله تعالى وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ وهو إيعاد على التكذيب. وقيل الخطاب للمسلمين. والمعنى: أن منهم ناسا سيكفرون بالقرآن وَإِنَّهُ الضمير للقرآن لَحَسْرَةٌ على الكافرين به المكذبين له إذا رأوا ثواب المصدقين به. أو للتكذيب، وأن القرآن اليقين حق اليقين، كقولك: هو العالم حق العالم، وجدّ العالم. والمعنى:
لعين اليقين، ومحض اليقين فَسَبِّحْ الله بذكر اسمه العظيم وهو قوله: سبحان الله، واعبده شكرا على ما أهلك له من إيحائه إليك.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الحاقة حاسبه الله حسابا يسيرا» «٢».
(٢). أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه بالسند إلى أبى بن كعب.