آيات من القرآن الكريم

وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭ

[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٥١ الى ٥٢]

وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢)
(١) الإزلاق: الإهلاك. وبعض المفسرين قالوا إنها الإصابة بالعين «١» ومعنى الجملة هنا: أنهم يكادون يلتهمونك ويهلكونك بأعينهم الناظرة إليك شزرا.
(٢) الذكر: في الآية الأولى كناية عن القرآن وقد تكرر ذلك في آيات عديدة، وفي الآية الثانية بمعنى التذكير، وقد تكرر ذلك كذلك.
وفي هاتين الآيتين صورة أخرى من مواقف الكفار تجاه النبي صلّى الله عليه وسلم، إذ كانوا حينما يسمعونه يتلو القرآن ينظرون إليه شزرا حتى يكادوا يلتهمونه ويهلكونه بأبصارهم ويأخذون في نعته بالمجنون. وقد احتوت الآية الثانية ردا عليهم وتوكيدا بأن القرآن هو هدى للعالمين ومنبه ومذكر لهم.
والآيتان متصلتان بالسياق والموقف الذي هو موضوع الآيات السابقة كما هو المتبادر وأسلوب الآية الأولى تنديدي في معرض حكاية موقفهم.
تعليق على نعت الكفار النبي صلّى الله عليه وسلّم بالجنون
ولقد تكررت هذه الصورة في القرآن، مما يدل على أن مثل هذا الموقف والقول كان يتكرر من الكفار. وأسلوب الآية الثانية يلهم بقوة أن الكفار لم يعنوا بنعت النبي صلّى الله عليه وسلّم بالجنون أنه كان مختل العقل أو به خبل وصرع، مما هو من أعراض الأمراض العقلية فقد كانوا من النباهة في درجة لا يعقل معها ذلك وهم يسمعون ما يتلوه عليهم من الفصول القرآنية الرائعة في بلاغتها وقوتها وحكمتها
(١) انظر تفسيرها في تفسير الطبري.

صفحة رقم 398

وأمثالها وانسجامها وما بدا منهم من جنوح إلى التفاهم معه ومصانعته، وحلفهم له الأيمان على ذلك دليل قوي آخر. وفي القرآن آيات تفيد أنهم كانوا يعرفون فيه رجاحة العقل وسلامة الذهن والبعد عن الفضول والتكلف مثل ما تلهمه آية سورة يونس هذه: قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦). وما تلهمه آيات سورة المؤمنون هذه: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩). فالذي يتسق مع هذا أن نعتهم كان على سبيل الاستنكار ومن قبيل ما اعتاد الناس أن يفعلوه إزاء من يدعو إلى شيء جديد مثير في العقائد والآراء ويرون منه جرأة لا تتسع لها حوصلتهم. ومن الممكن أن يكونوا قد أرادوا بذلك أيضا نسبة اتصال الجن بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وتلقيه عنهم، على ما كانوا يعتقدونه بالنسبة إلى الشعراء والكهان والعرافين والسحرة «١» حيث كانوا يعتقدون أن شياطين الجن هم الذين يوحون للشعراء النوابغ بشعرهم وإلى الكهان والعرافين والسحرة بما يقولونه للناس الذين يراجعونهم لحل ما يلمّ بهم من مشاكل. والراجح أن نسبتهم الشعر والكهانة والسحر إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم على ما جاء في آيات كثيرة مثل آية الذاريات هذه: كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢)، ومثل آيات سورة الطور هذه: فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) متصل بذلك. ومن المحتمل أن يكون نعتهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالجنون يرمي إلى القصدين معا، بحيث كانوا أو كان بعضهم يقصد هذا حينا، وكانوا أو كان بعضهم يقصد ذاك حينا. وفي سورة الشعراء آيات تنفي تنزّل الشياطين بالقرآن وهي: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢). وفي

(١) انظر كتابنا: «عصر النبي صلّى الله عليه وسلّم وبيئته قبل البعثة»، الفصل الرابع من الباب الثالث «حياة العرب العقلية» ص ٢٩٣- ٢٩٨، والفصل الرابع من الباب الرابع «حياة العرب الدينية» ص ٣٧١- ٣٧٨. [.....]

صفحة رقم 399

سورة الحجر آيات تحكي قولهم إنه مجنون وتتحداه أن يأتي بالملائكة إن كان من الصادقين وهي: وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) [٦- ٧]، كأنما تقول إن اتصالك إنما هو بالجن وإلّا فائتنا بالملائكة إن كنت صادقا أن اتصالك بالله، حيث كانوا يعترفون أن الملائكة هم المختصون بخدمة الله. ويعتقدون أنهم بنات الله على ما حكته عنهم آيات كثيرة، منها آيات الصافات هذه: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠) «١».
وفي جملة وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ينطوي ردّ قوي على الكفار الذين نعتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم بالجنون. ففي هذا القرآن الذي يتلوه عليهم هدى وموعظة وذكر للعالمين جميعهم ولا يمكن أن يصدر هذا من مجنون.
وفي سورة الشعراء آيات أخرى جاءت بعد تلك الآيات السابقة الذكر ذات مدى عظيم في هذا الباب وهي: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦)، حيث ينطوي فيها تقرير كون الوحي الذي يأتي النبي لا يمكن أن يكون شيطانا وكون النبي لا يمكن أن يكون شاعرا، لأن الشياطين كاذبون وإنما يتنزلون على الأفاكين الآثمين ولأن الشعراء يتصفون بأوصاف لا تمت إلى الأخلاق الفاضلة بسبب ولا يتبعهم إلّا الغاوون أمثالهم في حين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صادق يدعو إلى توحيد الله وتمجيده وعبادته وحده ثم إلى الخير والحق والعدل والإحسان ومكارم الأخلاق وينهى عن الإثم والفواحش والمنكرات وأن الذين يتبعونه هم من ذوي الأخلاق الفاضلة والنفوس الكريمة والنوايا الطيبة الطاهرة.

(١) انظر كتابنا «عصر النبي عليه السلام وبيئته»، الفصل الرابع، الحياة الدينية.

صفحة رقم 400

تعليق على نعت المستشرقين والمبشرين النبي صلّى الله عليه وسلّم بالجنون
ونقول بهذه المناسبة إنه لمما يدعو إلى الاشمئزاز ألّا يتورع المبشرون والمغرضون من المستشرقين عن تكرار نعت النبي صلّى الله عليه وسلّم بالجنون وأن يصل بهم الزعم إلى القول إنه كان مصابا بالصرع، وإنه كان يفقد صوابه حينما تأتيه النوبة وتعتريه التشنجات ويسيل العرق منه حتى إذا أفاق منها تلا على المؤمنين ما يقول إنه من وحي الله إليه، في حين أن هذا الوحي لم يكن إلّا أثرا من نوبات الصرع «١».
وقد أساءوا تأويل بعض الأحاديث والروايات التي ذكرت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأخذه الوجد والعرق ويحمرّ وجهه حينما كان يوحى إليه وحرفوها عن حقيقة مداها.
ولقد كشفهم حقدهم وخبث سرائرهم فأنساهم أن المصابين بالصرع تتعطل فيهم أثناء النوبة حركة الشعور والتفكير والذاكرة «٢» وجعلهم يناقضون أنفسهم حين يعترفون أنه كان عقب ذلك يتلو آيات القرآن التي أوحي إليه بها، متجاهلين إلى ذلك ما فيها من الروعة والبلاغة والحكمة والمبادئ الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية السامية والدعوة إلى الله وحده والخير والمعروف ومحاربة الشرك والوثنية والنهي عن الإثم والفواحش والمنكرات مما لا يعقل أن يصدر عن مريض في عقله وجسمه وخلقه. ولقد تجاهلوا إلى هذا أيضا أن القرآن قد حكى مرارا نسبة الجنون إليه على لسان خصومه الأشداء ومكذبيه العنيدين، وهو أمر بالغ الخطورة والقوة في هذا المقام ويردها عليهم ردّا شديدا مرفقا كما هو في الآية التي نحن في صددها بإعلان أن ما جاء به هو ذكر للعالمين ودعوة لهم. ومن ذلك آية سورة الأعراف هذه: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (١٨٤)، وآيات سورة المؤمنون هذه: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩)

(١) انظر كتاب «حياة محمد»، حسين هيكل طبعة ثانية ص ٣٩- ٤٠.
(٢) المصدر نفسه.
الجزء الأول من التفسير الحديث ٢٦

صفحة رقم 401

أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠)، وآيات سورة الطور هذه: فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩)، وآية سورة سبأ هذه:
قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦) «١».
وهذا بالإضافة إلى آيات سورة الشعراء التي أوردناها الرائعة القوية في عبارتها وما ينطوي فيها وأن حكاية أقوال الكفار والرد عليها بمثل هذه الردود النافذة إلى أعماق القلوب والعقول كافيان وحدهما للجم ألسنة الأفاكين الآثمين عند كل منصف مهما كانت نحلته.
ويقف بعض مفسري الشيعة عند الآية [٤٧] فيقولون إنها عنت أبا بكر وعمر حين قالا يوم الغدير الذي أعلن فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم وصاية علي وإمامته من بعده: «انظروا إلى عينيه تدوران كأنهما عينا مجنون» «٢». وفي هذا ما هو ظاهر من زور واجتراء على الله ورسوله وأصحابه لا يكونان من عاقل مؤمن والعياذ بالله.

(١) تتضمن الآية معنى عظيما، فقد كان الكفار وبخاصة زعماءهم يتضامنون في موقف العداء ويشجع بعضهم بعضا ويستحي بعضهم من بعض، بل ويخاف بعضهم من بعض لأسباب تتعلق بمراكزهم ومصالحهم وما ثار فيهم من حسد واستكبار لاختصاص محمد صلّى الله عليه وسلّم دونهم بالوحي والقرآن على ما حكته آيات عديدة. منها آيات سورة فاطر هذه: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [٤٢، ٤٣]، ومنها آية سورة ص هذه: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا [٨] فدعتهم آية سبأ/ ٤٦ المذكورة إلى التفكر الهادئ على انفراد في أمر النبي ورسالته وحينئذ يتيقنون من الحق والحقيقة فيها ويتجلى لهم باطل ما ينسبون إليه من جنون.
(٢) انظر كتاب «الصراع بين الإسلام والوثنية» للقصيمي، ج ١ ص ٤٣٥ نقلا عن كتاب الوافي وعزوا إلى أحد الأئمة الإثني عشر الصادق الذي نحب أن ننزهه عن هذا القول الأثيم.

صفحة رقم 402

تعليق على جملة وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ
وجملة وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ التي اختتمت بها السورة عظيمة المدى في إطلاقها حيث ينطوي فيها إعلان كون الرسالة المحمدية دعوة شاملة لجميع الأجناس والألوان والأديان والبلدان في جميع الأزمان. وتبكير ورودها يعني أن ذلك كان هدفا محكما من أهداف هذه الرسالة منذ بدئها خلافا لما يحلو لبعض المستشرقين أن يزعموه من أن هذه الرسالة للعرب فقط أو بأن عمومها قد كان تطورا متأخرا. ولقد تكرر هذا المعنى في آيات كثيرة مكية ومدنية متنوعة الأساليب قوية المدى. منها آيات سورة ص هذه: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ «١» (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨)، وآية سورة الأنعام هذه: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (٩٠)، وفي سورة الأنبياء آية تضمنت المعنى مع زيادة تقرير كون رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم هي رحمة للعالمين وهي: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧)، وفي سورة الأعراف آية تأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بإعلان كون رسالته للناس جميعا وهي: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨). وهذا بالإضافة إلى آيات عديدة وجهت فيها الدعوة إلى أهل الكتاب مثل آيات سورة المائدة هذه:
يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥)، وهذه: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩). وهناك آيات ذات مدى عظيم حيث تضمنت تقريرا ربانيا بأن الله

(١) في سورتي يوسف والتكوير فصل مماثل أيضا.

صفحة رقم 403

قد أرسل رسوله بالهدى ودين الحق وبأنه سيظهره على الدين كله على ما جاء في آية سورة الفتح هذه: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٢٨)، وآية سورة الصف هذه: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩) «١» حيث ينطوي في هذا تأييد لعموم رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم ووعد رباني بأنها ستعم البشرية وتظهر على سائر الأديان لأنها رسالة الحق والهدى. ولن يخلف الله وعده.
هذا، ويلحظ أن فصول السورة قد نزلت بمناسبة مواقف الكفار وأقوالهم واحتوت ردا عليهم وإنذارا وتثبيتا وتأييدا للنبي صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين. فهي من قسم الوسائل ويصح أن تكون نموذجا كاملا من نماذجه المبكرة في النزول. ومع ذلك فقد تخللها مبادئ اجتماعية وإيمانية محكمة أيضا، مما فيه صورة من صور التنزيل القرآني التي تكررت في كثير من فصول القرآن وسوره.

(١) في سورة التوبة آية مماثلة.

صفحة رقم 404
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية