
الحديثِ: «فَيَسْجُدُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَتَرْجِعُ أصْلاَبُ المُنَافِقِينَ والكُفَّارِ، كَصَيَاصِي البَقَرِ، عَظْماً وَاحِداً فَلا يَسْتَطِيعُونَ سُجُودًا» الحديث.
وقوله تعالى: وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ يريد في دَارِ الدنيا، وَهُمْ سالِمُونَ مما نالَ عَظَامَ ظهورِهم مِنَ الاتِّصَال والعتوّ.
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٤٤ الى ٥٢]
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨)
لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢)
وقوله سبحانه: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ الآية، وَعِيدٌ وتهديدٌ والحديثُ المشَارُ إليه/ هو القرآن، وباقي الآية بيّن مِمّا ذُكِرَ في غير هذا الموضع، ثم أمَرَ اللَّه- تعالى- نبيَّه بالصَّبْرِ لِحُكْمِهِ وأنْ يَمْضِيَ لِمَا أُمِرَ بهِ من التبليغِ واحْتِمالِ الأذَى والمشقة، ونُهِيَ عَنِ الضَّجَرِ والعَجَلَةِ التي وَقَعَ فيها يونُسَ صلّى الله عليه وسلّم ثم اقْتَضَبَ القصَّةَ وذَكَرَ ما وَقَعَ في آخرها من ندائِه من بطن الحوت، وَهُوَ مَكْظُومٌ أي: وَهُو كَاظِمٌ لحُزْنِه ونَدَمِه، وقال الثعلبيّ، ونحوُه في البخاري: وَهُوَ مَكْظُومٌ أي: مملوءٌ غَمًّا وكَرْبَاً، انتهى وهُوَ أقْرَبُ إلى المعنى، وقال النَّقَّاشُ: المكظومُ الذي أُخِذَ بِكَظْمِه، وهي مَجَارِي القلبِ، وقرأ ابن مسعود «١» وغيره: «لَوْلاَ أَنْ تَدَارَكَتْهُ نِعْمَةُ» والنعمة التي تداركته هي الصَّفْحُ والاجتباء الذي سَبَقَ له عَنْدَ الله- عز وجل- لَنُبِذَ بِالْعَراءِ أي: لَطُرِحَ بالعرَاءِ وهُوَ الفَضَاءُ الَّذِي لاَ يُوارِي فيه جَبَلٌ ولاَ شَجَرٌ وقد نبذ يونس ع بالعَرَاءِ وَلَكِنْ غَيْر مَذْمُومٍ، وجاء في الحديث عن أسماء بِنْتِ عُمَيْسٍ قالَتْ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم كلمات أقولهنّ عند
قال الحاكم: رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات، غير أنهما لم يخرجا أبا خالد الدالاني في «الصحيحين»، لما ذكر في انحرافه عن السنة في ذكر الصحابة، فأما الأئمة المتقدمون فكلهم شهدوا لأبي خالد بالصدق، والإتقان، والحديث صحيح ولم يخرجاه، وأبو خالد الدالاني ممن يجمع حديثه في أئمة أهل الكوفة.
قال الذهبي: ما أنكره حديثا على جودة إسناده!! وأبو خالد شيعي منحرف.
(١) وقرأ بها ابن عبّاس وأبي بن كعب.
ينظر: «مختصر الشواذ» (ص: ١٦١)، و «الكشاف» (٤/ ٥٩٦)، و «البحر المحيط» (٨/ ٣١١)، و «المحرر الوجيز» (٥/ ٣٥٤)، و «الدر المصون» (٦/ ٣٥٩).

الكَرْبِ أَوْ في الكَرْبِ، اللَّه اللَّه رَبِّي لاَ أُشْرِكُ بِه شَيْئاً» «١» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وأخرجَهُ الطبرانيُّ في كتاب «الدعاء»، انتهى من «السلاح»، ثم قال تعالى لنبيه:
وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ المعنى يكادُوْنَ مِنَ الغَيْظِ والعداوةِ يُزْلِقُونَه فَيُذْهِبُونَ قدمَه مِنْ مَكَانِها، ويُسْقِطُونَه، قال عياض: وقَدْ رُوِيَ عن ابن عباس أنه قال: كلُّ مَا في القرآن: «كاد» فَهُو مَا لاَ يَكُونُ، قال تعالى: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ [النور: ٤٣] ولم يذهبها وأَكادُ أُخْفِيها [طه: ١٥] وَلَمْ يَفْعَلْ، انتهى ذكره إثرَ قَوْلِه تعالى: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ [الإسراء: ٧٣]. وقرأ الجمهور: «لَيُزْلِقُونَكَ» /- بِضَمِّ اليَاءِ- مِنْ: أزْلَقَ، ونَافِعٌ بِفَتْحِها «٢»، من: زُلِقَتِ الرّجْلُ، وفي هذا المعنى قولُ الشاعر:
[الكامل]
يَتَقَارَضُونَ إذَا التقوا في مَجْلِس | نَظَراً يَزِلُّ مَوَاطِىءَ الأَقْدَامِ «٣» |
(٢) ينظر: «السبعة» (٦٤٧)، و «الحجة» للقراء السبعة (٦/ ٣١٢)، و «إعراب القراءات» (٢/ ٣٨٢)، و «حجة القراءات» (٧١٨).
(٣) البيت في «الكشاف» (٤/ ٥٩٧)، و «البحر المحيط» (٨/ ٣١١)، والقرطبي (١٨/ ١٦٦)، و «المحرر الوجيز» (٥/ ٣٥٤)، «اللسان» (زلق).
(٤) ذكره البغوي (٤/ ٣٨٥)، وابن عطية (٥/ ٣٥٥).