١٠٢] وقوله تعالى: أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ تقدم تفسيرها فِي سُورَةِ الطُّورِ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّكَ يَا مُحَمَّدُ تَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِلَا أَجْرٍ تَأْخُذُهُ مِنْهُمْ، بَلْ تَرْجُو ثَوَابَ ذلك عند الله تعالى، وَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ بِمُجَرَّدِ الْجَهْلِ والكفر والعناد.
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٤٨ الى ٥٢]
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢)
يَقُولُ تَعَالَى: فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى أَذَى قَوْمِكَ لَكَ وَتَكْذِيبِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَحْكُمُ لَكَ عَلَيْهِمْ وَيَجْعَلُ الْعَاقِبَةَ لَكَ وَلِأَتْبَاعِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ يَعْنِي ذَا النُّونِ وَهُوَ يُونُسُ بْنُ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ ذَهَبَ مُغَاضِبًا عَلَى قَوْمِهِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ مِنْ رُكُوبِهِ فِي الْبَحْرِ وَالْتِقَامِ الْحُوتِ لَهُ وَشُرُودِ الْحُوتِ بِهِ فِي الْبِحَارِ وَظُلُمَاتِ غَمَرَاتِ الْيَمِّ، وَسَمَاعِهِ تَسْبِيحَ الْبَحْرِ بِمَا فِيهِ لِلْعَلِيِّ الْقَدِيرِ الَّذِي لَا يُرَدُّ مَا أَنْفَذَهُ مِنَ التَّقْدِيرِ فَحِينَئِذٍ نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٨٧] قَالَ الله تعالى: فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٨٨] وَقَالَ تَعَالَى: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصَّافَّاتِ: ١٤٣- ١٤٤] وَقَالَ هَاهُنَا: إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: وَهُوَ مَغْمُومٌ.
وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَأَبُو مَالِكٍ: مَكْرُوبٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: ٨٨] خَرَجَتِ الْكَلِمَةُ تَحُفُّ حَوْلَ الْعَرْشِ فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبِّ هَذَا صَوْتٌ ضَعِيفٌ مَعْرُوفٌ مِنْ بِلَادٍ غَرِيبَةٍ، فَقَالَ الله تبارك وتعالى: أَمَا تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: هَذَا يُونُسُ، قَالُوا: يَا رَبُّ عَبْدُكُ الَّذِي لَا يَزَالُ يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ وَدَعْوَةٌ مُجَابَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: أَفَلَا تَرْحَمُ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ فِي الرَّخَاءِ فَتُنْجِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ فَأَمَرَ اللَّهُ الْحُوتَ فَأَلْقَاهُ بِالْعَرَاءِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» «٢» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ من حديث سفيان الثَّوْرِيِّ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هريرة، وقوله تعالى:
(٢) أخرجه البخاري في الأنبياء باب ٢٤، ٣٥، وتفسير سورة ٤ باب ٦، وسورة ٦، باب ٤، والتوحيد باب د، وأبو داود في السنة باب ١٣، والترمذي في الصلاة باب ٢٠.
وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا لَيُزْلِقُونَكَ لَيُنْفِذُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ أي يعينونك بِأَبْصَارِهِمْ بِمَعْنَى يَحْسُدُونَكَ لِبُغْضِهِمْ إِيَّاكَ لَوْلَا وِقَايَةُ اللَّهِ لَكَ وَحِمَايَتُهُ إِيَّاكَ مِنْهُمْ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ إِصَابَتُهَا وَتَأْثِيرُهَا حَقٌّ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَثِيرَةٍ.
[حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ (ح) وَحَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا شَرِيكٌ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ ذَرِيحٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ الْعَبَّاسُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَّةٍ «١» أَوْ دَمٍ لَا يُرْقَأُ» «٢» لَمْ يَذْكُرِ الْعَبَّاسُ الْعَيْنَ، وَهَذَا لَفْظُ سُلَيْمَانَ «٣».
[حَدِيثُ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَّةٍ» «٤» هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ بُرَيْدَةَ مَوْقُوفًا وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عامر الشعبي عن عمران بن حصين موقوفا «لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَّةٍ».
[حديث أَبِي ذَرٍّ جُنْدُبِ بْنِ جُنَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ بْنِ الْبِرْنِدِ السَّامِيُّ، حَدَّثَنَا دَيْلَمُ بْنُ غَزَوَانَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ أَبِي دُبَيٍّ عَنْ أَبِي حَرْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَيْنَ لَتُولِعُ الرَّجُلَ بِإِذْنِ اللَّهِ فَيَتَصَاعَدُ حَالِقًا ثُمَّ يَتَرَدَّى مِنْهُ» إِسْنَادُهُ غَرِيبٌ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ.
[حَدِيثُ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ] قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٥» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَرْبٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي حَيَّةُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
(٢) دم لا يرقأ: أي دم لا ينقطع.
(٣) أخرجه أبو داود في الطب باب ١٨.
(٤) أخرجه البخاري في الطب باب ١٧، ومسلم في الإيمان حديث ٣٧٤، وأبو داود في الطب باب ١٧، ١٨، والترمذي في الطب باب ١٥، وأحمد في المسند ١/ ٢٧١، ٣/ ١١٨، ١١٩، ١٢٧، ٤٨٦، ٦/ ٤٣٦، ٤٣٨، ٤٤٦.
(٥) المسند ٥/ ٧٠.
«لَا شَيْءَ فِي الْهَامِّ وَالْعَيْنُ حَقٌّ، وَأَصْدَقُ الطِّيَرَةِ الْفَأْلُ» «١» وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي غَسَّانَ يَحْيَى بْنِ أبي كَثِيرٍ عَنْ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهِ ثُمَّ قَالَ غَرِيبٌ.
وقال: وروى سنان عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ حَيَّةَ بْنِ حَابِسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: كَذَلِكَ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» عَنْ حَسَنِ بْنِ مُوسَى، وَحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ شَيْبَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ حَيَّةَ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَا بَأْسَ فِي الْهَامِّ، وَالْعَيْنُ حَقٌّ وَأَصْدَقُ الطِّيرَةِ الفأل».
[حديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ دُوَيْدٍ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ ثَوْبَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الْعَيْنُ حَقٌّ، الْعَيْنُ حَقٌّ تَسْتَنْزِلُ الْحَالِقَ» غَرِيبٌ.
[طَرِيقٌ أُخْرَى] قَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فَاغْسِلُوا» «٤» انْفَرَدَ بِهِ دُونَ الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ يقول: «أعيذ كما بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مَنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمَنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ» «٥» وَيَقُولُ هَكَذَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يُعَوِّذُ إِسْحَاقَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ الْمِنْهَالِ بِهِ.
[حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: مَرَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ «٦»، فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ «٧» بِهِ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ أَدْرِكْ سَهْلًا صَرِيعًا قَالَ: «مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ» قَالُوا: عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ قَالَ:
«عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه منا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ» ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفِقَيْنِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يصب عليه،
(٢) المسند ٥/ ٧٠.
(٣) المسند ١/ ٢٧٤، ٢٩٤. [.....]
(٤) أخرجه مسلم في السّلام حديث ٤١، والترمذي في الطب باب ١٩.
(٥) أخرجه البخاري في الأنبياء باب ١٠، وأبو داود في السنة باب ٢٠، والترمذي في الطب باب ١٨، وابن ماجة في الطب باب ١٨، وأحمد في المسند ١/ ٢٣٦، ٢٧٠.
(٦) المخبأة: الجارية التي في خدرها لم تتزوج بعد.
(٧) لبط: أي صرع وسقط على الأرض.
قَالَ سُفْيَانُ قَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَمَرَ أَنْ يُكْفَأَ الْإِنَاءُ مِنْ خَلْفِهِ «١»، وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَمِنْ حديث سفيان بن عيينة به أَيْضًا عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَيُكْفَأُ الْإِنَاءُ مِنْ خَلْفِهِ وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ بِهِ، وَمِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ عَنْ أَبِيهِ بِهِ.
[حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ] قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّادٌ عَنْ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ أَعْيُنِ الْجَانِّ وَأَعْيُنِ الْإِنْسِ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَى ذَلِكَ «٢»، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ أَبِي مَسْعُودٍ الْجُرَيْرِيِّ بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ.
[حَدِيثٌ آخَرُ عَنْهُ] قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، حَدَّثَنِي أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
اشْتَكَيْتَ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: «بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يؤذيك، ومن شر كل نفس وعين تشنيك والله يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ» «٤». وَرَوَاهُ عَنْ عَفَّانَ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ مِثْلَهُ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٥» أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ أَبِي نضرة عن أبي سعيد أو عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَكَى فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شيء يؤذيك، من كل حاسد وعين والله يَشْفِيكَ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّفَاوِيِّ عَنْ دَاوُدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِهِ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: رَوَى عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ وَعَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ فِي معناه، وكلاهما صحيح.
[حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٦» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن العين حق» «٧» أخرجاه
(٢) أخرجه الترمذي في الطب باب ١٦، والنسائي في الاستعاذة، باب ٣٧، وابن ماجة في الطب باب ٣٣.
(٣) المسند ٣/ ٢٨، ٥٦.
(٤) أخرجه مسلم في السّلام حديث ٤٠، والترمذي في الجنائز باب ٤، وابن ماجة في الطب باب ٣٦، ٣٧.
(٥) المسند ٣/ ٥٨، ٧٥.
(٦) المسند ٢/ ٣١٨، ٣١٩.
(٧) أخرجه البخاري في الطب باب ٣٦، ومسلم في السّلام حديث ٤١، ٤٢.
مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ «١» : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا إسماعيل ابن عُلَيَّةَ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ مُضَارِبِ بْنِ حَزْنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ» تَفَرَّدَ به. ورواه أحمد «٢» عن إسماعيل ابن عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ بِهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا ثَوْرٌ يَعْنِي ابْنَ يَزِيدَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الْعَيْنُ حَقٌّ وَيَحْضُرُهَا الشَّيْطَانُ وَحَسَدُ ابْنِ آدَمَ» وَقَالَ أَحْمَدُ «٤» : حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ: سئل أبو هريرة هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: الطِّيرَةُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَسْكَنِ وَالْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ إِذًا أَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «أَصْدَقُ الطِّيرَةِ الْفَأْلُ، وَالْعَيْنُ حَقٌّ».
[حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ] قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٥» : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رَفَاعَةَ الزُرَقِيِّ قَالَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَنِي جَعْفَرٍ تُصِيبُهُمُ الْعَيْنُ أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ قَالَ: «نَعَمْ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ يَسْبِقُ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ» «٦» وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رَفَاعَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
[حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا] قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْخَصِيبِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ وَمِسْعَرٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عبد الله بن شداد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَسْتَرِقِيَ مِنَ الْعَيْنِ «٧». وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ وَمِسْعَرٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْبَدٍ بِهِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ «٨» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «استعيذوا بالله فإن العين حَقٌّ» تَفَرَّدَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ «٩» : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الأعمش عن إبراهيم عن
(٢) المسند ٢/ ٤٨٧.
(٣) المسند ٢/ ٤٣٩. [.....]
(٤) المسند ٢/ ٢٨٩.
(٥) المسند ٦/ ٤٣٨.
(٦) أخرجه الترمذي في الطب باب ١٧، وابن ماجة في الطب باب ٣٣، ومالك في العين حديث ٣.
(٧) أخرجه البخاري في الطب باب ٣٥، ومسلم في السّلام حديث ٥٤، ٥٨، والترمذي في الطب باب ١٧، وابن ماجة في الطب باب ٣٣.
(٨) كتاب الطب باب ١٧.
(٩) كتاب الطب باب ١٥.
الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فيتوضأ ويغسل منه المعين. قلت كذلك رواه أَحْمَدُ عَنْ حَسَنِ بْنِ مُوسَى وَحُسَيْنُ بْنُ محمد عن سنان أن ابن حسنة حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا بأس في الهام الْهَامِّ، وَالْعَيْنُ حَقٌّ وَأَصْدَقُ الطِّيرَةِ الْفَأْلُ».
[حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ] قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُوَيْسٍ.
حَدَّثَنَا الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَرَارِ مِنَ الْجُحْفَةِ، اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَكَانَ رَجُلًا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ، فَلُبِطَ سَهْلٌ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ! وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَلَا يُفِيقُ، قَالَ: «هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ: «عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، هَلَّا إِذَا رأيت ما يعجبك بركت؟ - ثم قال- اغْتَسِلْ لَهُ» فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَرْفِقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صب ذلك الماء عليه فصبه رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ، ثُمَّ يُكْفَأُ الْقَدَحُ وَرَاءَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
[حَدِيثُ عَامِرِ بن ربيعة] قال الإمام أحمد «٢» في مسنده: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ هِنْدِ بْنِ سهل بن حنيف عن عبيد اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: انْطَلَقَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَسَهْلُ بْنُ حَنِيفٍ يُرِيدَانِ الْغُسْلَ، قَالَ فَانْطَلَقَا يَلْتَمِسَانِ الْخَمْرَ «٣». قَالَ فَوَضْعَ عَامِرٌ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ صُوفٍ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَأَصَبْتُهُ بِعَيْنِي فَنَزَلَ الْمَاءَ يَغْتَسِلُ، قَالَ فَسَمِعْتُ لَهُ فِي الْمَاءِ فَرْقَعَةً فَأَتَيْتُهُ فَنَادَيْتُهُ ثَلَاثًا فَلَمْ يُجِبْنِي، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، قال فجاء يمشي فخاض الماء فكأني أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ، قَالَ فَضَرَبَ صَدْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنْهُ حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا» «٤» قَالَ فَقَامَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيُبَرِّكْ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ».
[حَدِيثُ جَابِرٍ] قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا طَالِبُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَيُقَالُ لَهُ ابْنُ الضَجِيعِ ضَجِيعِ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ وَقَدْرِهِ بِالْأَنْفُسِ» قال البزار يعني
(٢) المسند ٣/ ٤٤٧.
(٣) الخمر: كل ما سترك من شجر أو بناء أو غيره.
(٤) الوصب: دوام الوجع ولزومه.
الْعَيْنَ قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ. قُلْتُ: بَلْ قَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْهَرَوِيُّ الْمَعْرُوفُ بِشَكَّرَ فِي كِتَابِ الْعَجَائِبِ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ جَلِيلَةٍ وَغَرِيبَةٍ: حَدَّثَنَا الرَّهَاوِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ لَتُورِدُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ وَالْجَمَلَ الْقِدْرَ وَإِنَّ أَكْثَرَ هَلَاكِ أُمَّتِي فِي الْعَيْنِ». ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْعَيْنُ فِي الْقَبْرِ وتدخل الجمل القدر». وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات ولم يخرجوه.
[حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو] قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي رُقَيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا عَدْوَى وَلَا طِيرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا حَسَدَ وَالْعَيْنُ حَقٌّ» تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
[حَدِيثٌ عَنْ عَلِيٍّ] رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ خَيْثَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَافِظِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَشُورِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَقَهُ مُغْتَمًّا فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَا هَذَا الْغَمُّ الَّذِي أَرَاهُ فِي وَجْهِكَ: قَالَ: «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ أَصَابَتْهُمَا عَيْنٌ» قَالَ: صَدِّقْ بِالْعَيْنِ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ أَفَلَا عَوَّذْتَهُمَا بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ «وَمَا هُنَّ يَا جِبْرِيلُ؟» قَالَ: قُلِ اللهم ذا السلطان العظيم والمن الْقَدِيمِ، ذَا الْوَجْهِ الْكَرِيمِ وَلِيَّ الْكَلِمَاتِ التَّامَّاتِ وَالدَّعَوَاتِ الْمُسْتَجَابَاتِ، عَافِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ مِنْ أَنْفُسِ الْجِنِّ وَأَعْيُنِ الْإِنْسِ، فَقَالَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَا يَلْعَبَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَوِّذُوا أَنْفُسَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ وَأَوْلَادَكُمْ بِهَذَا التَّعْوِيذِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَوَّذِ الْمُتَعَوِّذُونَ بِمِثْلِهِ».
قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ أبو رجاء محمد بن عبيد الله الحبطي مِنْ أَهْلِ تُسْتَرَ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ طَرَّادِ بْنِ الْحُسَيْنِ مِنْ تَارِيخِهِ، وَقَوْلُهُ تعالى: وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ أَيْ يَزْدَرُونَهُ بِأَعْيُنِهِمْ وَيُؤْذُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ أَيْ لِمَجِيئِهِ بِالْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ آخر تفسير سورة ن ولله الحمد والمنة.