آيات من القرآن الكريم

خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ
ﰊﰋﰌﰍ ﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ ﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ

فإن قلت: بم يتعلق إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ؟ قلت: المقدر في الظرف، أى: هي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا تخرج عن عهدتها إلا يومئذ إذا حكمناكم وأعطيناكم ما تحكمون. ويجوز أن يتعلق ببالغة، على أنها تبلغ ذلكم اليوم وتنتهي إليه وافرة لم تبطل منها يمين إلى أن يحصل المقسم عليه من التحكيم. وقرأ الحسن: بالغة، بالنصب على الحال من الضمير في الظرف إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ جواب القسم، لأنّ معنى أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا أم أقسمنا لكم.
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٤٠ الى ٤١]
سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١)
أَيُّهُمْ بِذلِكَ الحكم زَعِيمٌ أى قائم به وبالاحتجاج لصحته، كما يقوم الزعيم المتكلم عن القوم المتكفل بأمورهم أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ أى ناس يشاركونهم في هذا القول ويوافقونهم عليه ويذهبون مذهبهم فيه فَلْيَأْتُوا بهم إِنْ كانُوا صادِقِينَ في دعواهم، يعنى: أنّ أحدا لا يسلم لهم هذا ولا يساعدهم عليه، كما أنه لا كتاب لهم ينطق به، ولا عهد لهم به عند الله، ولا زعيم لهم يقوم به.
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣)
الكشف عن الساق والإبداء عن الخدام «١» : مثل في شدة الأمر وصعوبة الخطب، وأصله في الروع والهزيمة وتشمير المخدرات عن سوقهنّ في الهرب، وإبداء خدامهن عند ذلك.
قال حاتم:

أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضّها وإن شمّرت عن ساقها الحرب شمّرا «٢»
(١). قوله «والإبداء عن الخدام» جمع خدمة، وهي الخلخال. أفاده الصحاح، وذلك كرقاب جمع رقبة. (ع)
(٢). لجرير. ويروى بدل الشطر الأول:
ألا رب ساهى الطرف من آل مازن... إذا شمرت.........
الخ وساهي الطرف: فاتر العين. وأخو الحرب: بمعنى أنه يألفها ويلازمها كالأخ. وشبه الحرب بفرس عضوه على طريق الكناية، فأثبت لها العضد. وعضها: أى بلغ منها مراده. أو غلب أهلها، فالعض استعارة لذلك على طريق التصريح. ويجوز أنه ترشيح للأولى. وقوله «به» يدل على أن العض وقع بجزئه. وقوله «عضها» يفيد أنه وقع بها كلها، يعنى: أنه يكافئ أعداء، وزيادة. والتشمير عن الساق: كناية عن اشتداد الأمر وصعوبته.
وأصله: أن يسند للإنسان، لأن تشمير الثوب عن الساق لخوض لجة أو جرى أو نحوه، فأسند للحرب لتشبيهها بالإنسان على طريق الكناية. وقوله «شمر» أى عن ساعده لا عن ساقه، لأن تشمير الساعد كناية عن ملاقاة الأمر ومباشرته بنشاط وقوة، وهو المراد. أو شمر عن ساقه وساعده دليل الإطلاق، فيكون أبلغ من تشميرها. فان قلت: كان ينبغي ذكر التشمير قبل العض لأنه من باب الاستعداد، قلت: نعم لو بقي على معناه، ولكن المراد به هنا شدة الأمر، وصعوبة الحرب: زيادة على أصلها.

صفحة رقم 593

وقال ابن الرقيات:

تذهل الشّيخ عن بنيه وتبدى عن خدام العقيلة العذراء «١»
فمعنى يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ في معنى: يوم يشتدّ الأمر ويتفاقم، ولا كشف ثم ولا ساق، كما تقول للأقطع الشحيح: يده مغلولة، ولا يد ثم ولا غل، وإنما هو مثل في البخل.
وأما من شبه فلضيق عطنه «٢» وقلة نظره في علم البيان، والذي غرّه منه حديث ابن مسعود رضى الله عنه: «يكشف الرحمن عن ساقه، فأمّا المؤمنون فيخرّون سجدا «٣»، وأما المنافقون فتكون ظهورهم طبقا طبقا كأنّ فيها سفافيد» «٤» ومعناه: يشتد أمر الرحمن ويتفاقم هوله، وهو الفزع الأكبر يوم القيامة، ثم كان من حق الساق أن تعرف على ما ذهب إليه المشبه، لأنها ساق مخصوصة معهودة عنده وهي ساق الرحمن. فإن قلت: فلم جاءت منكرة في التمثيل؟ قلت:
للدلالة على أنه أمر مبهم في الشدة منكر خارج عن المألوف، كقوله يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ كأنه قيل: يوم يقع أمر فظيع هائل، ويحكى هذا التشبيه عن مقاتل: وعن أبى عبيدة: خرج من خراسان رجلان، أحدهما: شبه حتى مثل، وهو مقاتل بن سليمان، والآخر نفى حتى عطل
(١).
كيف نومى على الفراش ولما تشمل الشام غارة شعواء
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدى عن خدام العقيلة العذراء
لعبيد بن قيس الرقيات. وكيف استفهام إنكارى، بمعنى نفى النوم. ولما بمعنى لم، إلا أن فيها استمرار النفي إلى زمن التكلم وتوقيع الوقوع بعده. وشبه الغارة وهي الحرب بماله إحاطة وشمول على طريق المكنية، والشمول تخييل، والشعواء الغاشية المنتشرة، وإذهالها للشيخ عن بنيه: كناية عن اشتدادها، وكذلك كشفها عن خدام العقيلة، والخدام: الخلخال. وعقيلة كل شيء: أكرمه. ومن النساء المخدرة التي عقلت في خدرها. والعذراء:
التي يتعذر نوالها ويشق وصالها. وفيه الاقواء، وهي اختلاف الروى بالضم والكسر. ويروى برفع العقيلة العذراء على أنه فاعل تبدى، وجعله ابن جرير شاهدا على جواز حذف التنوين إذا تلاه ساكن، وإن كان الكثير تحريكه حينئذ، وعلى هذا فتحتاج هذه الجملة إلى رابط يعود على المنعوت وهو غارة، والتقدير: وتبدى فيها العقيلة عن خلخال.
(٢). «قوله وأما من شبه فلضيق عطنه» أى من قال بمذهب المشبهة على ما هو مقرر في علم الكلام، كما سيشير إليه بعد. (ع)
(٣). أخرجه الحاكم من طريق سلمة بن كهيل عن أبى الزعراء عن ابن مسعود في أثناء حديث طويل ليس فيه تصريح برفعه. ورواه للطبري مختصرا.
(٤). قوله «كأن فيها السفافيد» واحدها سفود بالتشديد، وهي حديدة يشوى بها اللحم. أفاده الصحاح. (ع)

صفحة رقم 594
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية