آيات من القرآن الكريم

خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ
ﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﰊﰋﰌﰍ ﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ ﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽ

المحرومون من التوفيق والهداية، حيث خرجنا عن أمره. وقسونا على عباده وخلقه.
قال أوسطهم عقلا، وأرجحهم رأيا: ألم أقل لكم عند ما عزمتم على منع المساكين هلا تسبحون الله؟ هلا تنزهون الله فتطيعوا أمره؟ ولا تظنوا فيه العجز على الرزق والإعطاء ومعاقبة العاصي المتكبر؟ قالوا إزاء هذا: سبحان ربنا وتنزيها له إنا كنا ظالمين. ندموا على ما فات وهل ندمهم كان صحيحا أم لا؟ الله أعلم.
فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون، قالوا: يا ويلنا، إنا كنا طاغين وخارجين عن حدود العقل والشرع والسنن الإلهية، ندموا وقالوا: عسى ربنا أن يبدلنا خيرا من تلك الجنة التي أبيدت، إنا إلى الله وحده راغبون ومتجهون.
أيها الناس: العذاب العاجل نرسله على الطغاة المتجبرين والكفار والمشركين مثل هذا العذاب الذي أرسل في لحظة واحدة فأهلك الحرث والنسل، فإياكم والغرور وإياكم ومخالفة أمر الله، ولعذاب الآخرة أكبر وأشد لو كان الناس يعلمون.
مناقشة المكذبين وتهديدهم [سورة القلم (٦٨) : الآيات ٣٤ الى ٤٧]
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨)
أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣)
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧)

صفحة رقم 727

المفردات:
تَدْرُسُونَ درس الكتاب: قرأه بعناية ليفهمه. أَيْمانٌ: عهود ومواثيق.
بالِغَةٌ: مغلظة مؤكدة. زَعِيمٌ: كفيل وضامن. يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ:
كناية عن اشتداد الأمر وعظيم الهول يوم القيامة. تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ: تلحقهم ذلة واستكانة. فَذَرْنِي: اتركني. الْحَدِيثِ: القرآن والوحى الذي يبلغه النبي إلى الناس. سَنَسْتَدْرِجُهُمْ الاستدراج: أن تنزل بالمرء درجة درجة إلى حيث تريد، والمراد سنأخذهم على غفلة. وَأُمْلِي لَهُمْ: أمهلهم وأؤخرهم. كَيْدِي مَتِينٌ: عمل معهم الذي يشبه الكيد القوى. أَجْراً: أجره على البلاغ.
مَغْرَمٍ: غرامة. مُثْقَلُونَ: محملون حملا ثقيلا.
لقد كان مشركو مكة يقفون من الدعوة الإسلامية موقف العدو اللدود الذي ينفق كل نفس ونفيس في سبيل إحباطها والقضاء عليها، والله- جل جلاله- يعلم ذلك، فهو تارة يهددهم، ويكشف حالهم، ويباعد بين النبي صلّى الله عليه وسلّم وبينهم فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وتارة يضرب لهم الأمثال بمن سبقهم من المغرورين والمكذبين الذين نالهم من الله ما نالهم كأصحاب الجنة.
ثم بعد ذلك أخذ يناقشهم الحساب وينقض أوهامهم وحججهم.
وقد كانوا يقولون: نحن أحسن حالا من النبي وصحبه فنحن أكثر مالا وأغنى رجالا، ولنا قوة ومنعة، وأصحاب محمد في فقر وضعف وقلة عدد وعدد. فإذا كان يوم القيامة فنحن سنكون مثلهم إن لم نكن أحسن منهم.
في هذا سيقت تلك الآيات الواضحات تفند رأيهم وتهدم زعمهم الباطل.

صفحة رقم 728

المعنى:
إن للمتقين الذين اتقوا الله واتخذوا لأنفسهم الوقاية من عذاب الله حيث امتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه، هؤلاء لهم عند ربهم جنات النعيم، إن للمتقين- لا الكافرين المكذبين- جنات النعيم، وانظر إلى قوله: عند ربهم: فهل يعقل أن يكون للكفار جنة مثلهم عند ربهم؟ وقد كفروا به ولم يعرفوا له حقه.
يقول الحق- تبارك وتعالى-: عجبا لكم أيها الكفار، أفنجور في الحكم- وهذا محال- فنجعل المسلمين المتقين كالمجرمين الكافرين، ثم التفت لهم لتأكيد الرد وتشديده قائلا: ما لكم؟ أى شيء حصل لكم من خلل في العقل وسوء في الرأى؟
كيف تحكمون؟ أى: على أى وضع حكمتم هذا الحكم؟ هل هو عن عقل أو عن اختلال فكر وسوء رأى؟ «١». لا. إنه حكم مجرد عن العقل والنظر السليم.
أم لكم كتاب فيه تدرسون؟ إن لكم فيه لما تخيرون؟ بل «٢» ألكم كتاب مكتوب سواء كان سماويا أو غيره تدرسون فيه وتقرأون إن لكم فيه الذي تتخيرونه وترضونه بقطع النظر عن أى اعتبار! لا شيء من هذا.
لم يكن لكم كتاب فيه ما تقولونه من أن لكم يوم القيامة ما تختارونه. بل ألكم أيمان، وعهود علينا، أيمان مغلظة وعهود موثقة تبلغ إلى يوم القيامة. جوابها إن لكم لما تحكمون!.. لا شيء من هذا أبدا.
سلهم يا محمد متحديا: إن كان لهم كتاب فيه ما ذكر فليبرزوه، وإن كان لهم يمين من الله فليظهروه، وإن كان لهم زعيم وضامن لهم ما يقولون فمن هو؟
فليس معهم دليل نقلي من كتاب الله أو غيره، وليست لهم حجة ظنية من يمين أو غيره وليس لهم ضامن يضمن قولهم فماذا بعد هذا؟!

(١) - «ما لكم كيف تحكمون» جملتان استفهاميتان الأولى هي (ما لكم). وهي مبتدأ وخبر، والثانية هي كيف تحكمون؟
(٢) - أم لكم كتاب (أم) بمعنى بل والهمزة، بل الانتقالية من حديث إلى آخر، والهمزة للاستفهام التوبيخي، وكذا يقال في أخواتها التي هنا، وجملة (إن لكم لما تخيرون) مفعول في المعنى لتدرسون، وكان حقها فتح أن لكن اللام التي في خبرها علقت الفعل وهو تدرسون عن العمل فكسرت إن. [.....]

صفحة رقم 729

بل ألهم شركاء من الأصنام والأوثان التي يعبدونها إن كانوا صادقين فليأتوا بشركاء يشهدون لهم، ويؤيدونهم في أن لهم نصيبا في الجنة، لا شك أن المشركين ليس لهم شركاء يشهدون لهم، إذ هي أصنام وأوثان لا تنفع ولا تضر، ولا تبصر ولا تسمع، وبذلك تكون قد بطلت حجتهم، وانقطعت معاذيرهم، وحقت الكلمة عليهم، إن كان لهم شركاء كما يدعون فليأتوا بهم يوم يكشف عن ساق: وهو يوم القيامة، يوم الفزع الأكبر، يوم يشتد الهول ويعظم الأمر.
اذكروا أيها المشركون ذلك اليوم الشديد الهول الذي يجازى فيه كل على ما فرط في جنب الله، وستجازون أنتم على ذلك ويقال لكم: ها أنتم اليوم قد ظهر لكم الحق، فاسجدوا لله واعبدوا، ولكن أنى لهم ذلك؟ وقد حيل بينهم وبين ما يشتهون؟! عند ذلك تخشع أبصارهم، وترتجف قلوبهم، وترهقهم ذلة واستكانة مما قدموا من سىء الأعمال، وقد كانوا قبل ذلك يدعون إلى السجود بإلحاح، وهم في بحبوحة العيش وسلامة الجسم، وفي وقت العمل والطاعة، أما اليوم فهو للجزاء والحساب فقط.
فيا ويلهم من هذا اليوم الذي يكشف فيه عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون.
إذا كان الأمر كذلك فاتركنى مع من يكذب بهذا القرآن، اتركني وهؤلاء فأنا بهم بصير، وعلى جزائهم قدير، سنستدرجهم من حيث لا يعلمون «١»، أما استدراج الله لهم فهو أن الله أعطاهم مالا وأولادا، ومتعهم بصحة وعافية فشغلهم كل ذلك عن النظر الصحيح في آيات الله واتباع الرسول مع قيام الأدلة الواضحة على صدقه وصحة نبوته، وقد تمادوا في باطلهم وغفلتهم، حتى حسبوا أن تأخير العذاب عنهم وإسداء النعم لهم لأنهم يستحقون ذلك، وأنهم مكرمون عند ربهم، بل أعماهم الغرور ففهموا أنه سيكون لهم مثل ذلك يوم القيامة كالمؤمنين على الأقل، وما زال المشركون كذلك سادرين في غيهم وغرورهم حتى نزل بهم البلاء فبدد الله جمعهم، وشتت شملهم أليس هذا استدراجا لهم؟ وإملاء لهم حتى تكون القاضية.
وقد سمى تأخير العذاب عنهم وتمتعهم بالنعم- مع أنه قدر عليهم الشقاء والفناء

(١) - جواب سؤال مقدر كأن سائلا سأل وقال: وماذا أنت يا رب صانع بهم؟ فالجواب: سنستدرجهم.

صفحة رقم 730
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية