زَعِيمٌ} (١).
قوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ﴾ يعني بل ألهم شركاء. يعني ما كانوا يجعلونهم شركاء لله، وهذا كقوله: ﴿هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الروم: ٤٠]، فأضاف الشركاء إليهم لأنهم جعلوها شركاء لله فأضافها إليهم بفعلهم. والتأويل: أم عندهم لله شركاء فليأتوا بهؤلاء الشركاء ﴿إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ في أنها شركاء لله.
٤٢ - قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ ظرف لهذا الأمر. أي: فليأتوا بها في ذلك اليوم (٢). وذلك أنها تبطل وتزهق فلا تنفعهم بشيء. يقول الله: ﴿إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ في أنها شركاء فليأتوا بها يوم القيامة لتنفعهم وتشفع لهم. وهذا الذي ذكرنا معنى ما ذكره صاحب النظم (٣).
وأما معنى قوله: ﴿يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ فروى عكرمة عن ابن عباس قال: عن شدة. ألم تسمع إلى قول الشاعر (٤):
وقامتِ الحربُ بنا على ساقْ
قال: وسئل ابن عباس عن هذه الآية فقال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب. أما سمعتم قول الشاعر:
| سن لنا قومك ضرب الأعناق | وقامت الحربُ بنا على ساق |
(٢) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٣٨١، و"غرائب القرآن" ٢٩/ ٢٢.
(٣) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٤٨.
(٤) أخرجه الطستي في مسائل عن ابن عباس. انظر: "الدر" ٦/ ٢٥٥، وهو مندرج في الأثر الآتي. ولم أجد للبيت قائلاً.
ثم قال (١): هو يوم كرب وشدة (٢).
وروى عطاء عنه قال: يريد شدة في الآخرة.
وروى إبراهيم عنه أيضًا: عن شدة الأمر (٣).
قال (٤): وقال ابن عباس يكشف عن أمر عظيم (٥).
وروى مجاهد عنه قال: هو أشد ساعة في القيامة. فهذا ما روي عن عباس في هذه الآية (٦). ونحو هذا (٧) قال سعيد بن جبير ومجاهد (٨) وقتادة. قالوا: عن شدة الأمر وبلاء عظيم (٩). وهذا قول جميع أصحاب
(٢) أخرجه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٤٩٩، وابن جرير في "جامعه" ٢٩/ ٢٤، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وفي "الدر" ٦/ ٢٥٤ نسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. وحسن إسناده الحافظ في "فتح الباري" ١٣/ ٤٢٨، وانظر: "الأسماء والصفات" للبيهقي وما ذكره محققه وقد بين ضعف إسناده. فليراجع ٢/ ١٨٣.
(٣) (س): من قوله (وروى عطاء) إلى هنا زيادة. وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٣٨١ عن سعيد بن جبير.
(٤) (ك): (وقال ابن عباس: يريد شدة في الآخرة. قال).
(٥) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٤، و"الدر" ٦/ ٢٥٤، ونسب تخريجه للفريابي، والبيهقي في "الأسماء والصفات"، وابن منده، وسعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي، ولم أجده عند البيهقي.
(٦) (س): (فهذا ما روي عن ابن عباس في هذه الآية) زيادة. وقال البيهقي بعد ذكره الروايات: هذا ما روينا عن ابن عباس في المعنى يتقاربان، وقد روي عن ابن عباس بهذا اللفظ، وروي بمعناه. "الأسماء والصفات" ٢/ ١٨٤.
(٧) (ك): (ونحوه).
(٨) س: (ومجاهد) زيادة.
(٩) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣١٠، و"جامع البيان" ٢٩/ ٢٤، و"الدر" ٦/ ٢٥٥.
اللغة (١).
قال أبو عبيدة: إذا اشتد الأمر والحرب قيل: قد كشف الأمر عن ساقه، وأنشد لقيس بن زهير (٢) فقال:
فإذ شمرت (٣) لك عن ساقها... فويهًا ربيع ولا تسأم (٤)
وروى الفراء بإسناده (٥) عن ابن عباس (٦) أنه قال: يريد يوم القيامة والساعة لشدتها. قال الفراء أنشدني بعض العرب لجد (٧) طرفة (٨):
كشفت لهم عن ساقها... وبدا من الشرِّ الصراح (٩)
(٢) (س): (القيس بن زهير) زيادة. وهو قيس بن زهير بن جذيمة، يكنى أبا هند، شاعر وفارس جاهلي، كان سيد عبس، وله أخبار مشهورة يوم داحس والغبراء. انظر: "الأغاني" ١٧/ ١٨٧، و"المؤتلف والمختلف" (٢٥٥)، و"الخزانة" ٣/ ٥٣٦، و"شرح شواهد المغني" (١١٣)، و"معجم الشعراء الجاهليين والمخضرمين" (٢٨٧).
(٣) (ك): (شمر).
(٤) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٦٦، وورد البيت منسوبًا في "اللسان" ٣/ ٩٩٨ (ويه) وقوله فويها أصلها (ويه) من أدوات الإغراء فَنَوَّنَها فقال: فويهًا.
(٥) (س): (والفراء بإسناده) زيادة.
(٦) أخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" ٢/ ١٨٥، بإسناد صحيح. وصححه الحافظ في "الفتح" ٤٢٨/ ١٣.
(٧) (ك): (وأنشد الفراء لجد).
(٨) (ك)، (س): (أبي طرفة)، والصواب ما أثبته. وهو سعد بن مالك، جد طرفة بن العبد. شاعر جاهلي، واحد سادات بكر بن وائل وفرسانها.
انظر: "طبقات فحول الشعراء" (٤٩)، و"المؤتلف والمختلف" (١٩٨)، و"شرح الحماسة" للتبريزى ٧٣/ ٢، و"الحماسة" لأبي تمام ١/ ٢٦٥، و"معجم الشعراء الجاهليين والمخضرمين" (١٤٨).
(٩) والبيت ورد في "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٧٧، و"الخصائص" ٣/ ٢٥٢، و"اللسان" =
وقال أبو إسحاق: معنى ﴿يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ كشف عن الأمر الشديد. وأنشد:
| قد شمرت عن ساقها فشدوا (١) | وجدت الحربُ بكم (٢) فجدوا |
وقال ابن قتيبة: أصل هذا أن الرجل إذا وقع (٤) في أمر عظيم يحتاج إلى معاناته والجد (٥) شمر عن ساقه. فاستعيرت الساق والكشف عنها في موضع الشدة (٦). قال دريد يرثي رجلاً:
| كميش الإزار خارج نصف ساقهِ | جسور على الجلاء طلاع أنجد (٧) |
(١) (ك): (وشدوا).
(٢) (ك): (الحرب بكم) ساقطة.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٢١٠.
والبيت ورد في خطبة الحجاج أول ما قدم أميرًا على العراق. والأبيات لحنظلة بن ثعلبة. انظر: "الكامل" ١/ ٢٢٤، و"اللسان" ٢/ ٨٢٧ (عرد)، و"العقد الفريد" ٤/ ١٢١، و"شرح شواهد الشافية" (٣٠٠).
والعُرُدُّ: هو الشديد في كل شيء. يقال: إنه لقوي شديد عرد. "اللسان" ٢/ ٧٢٨ (عرد).
(٤) (ك): (وقع) ساقطة.
(٥) (س): (والجد) زيادة.
(٦) انظر: "تأويل المشكل" (١٣٧).
(٧) البيت من قصيدة قالها في أخيه عارضة بن الصمة. ويروى:
بعيد عن الآفات طلاع أنجد
انظر: "ديوانه" (٤٩)، و"الحماسة" لأبي تمام ١/ ٣٩٨، و"الأصمعيات" (١٠٨)، و"جمهرة أشعار العرب" (٢٢٣)، و"تهذيب اللغة" ٩/ ٢٣١ (سوق)، و"الخزانة" ١/ ٢٦٠. =
وقال الهذلي:
| وكنت إذا جاري دعا لمضوفةٍ | أشمر حتى ينصف الساق مئزري (١) |
| في سنةٍ قدكشفت عن ساقها | حمراء تبرى اللحم عن عراقها |
(١) انظر: "ديوان الهذليين" ٣/ ٩٢، و"المحتسب" ١/ ٢١٤، و"الخزانة" ٧/ ٤١٧، و"اللسان" ٢/ ٥٦١ (ضيف).
(٢) ورد في البيت غير منسوب في "تفسير غريب القرآن" (٤٨١)، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٤٨، و"البحر المحيط" ٨/ ٣١٦، و"الدر المصون" ١/ ٤١٧.
(٣) قال ابن القيم -رحمه الله-: والصحابة متنازعون في تفسير الآية، هل المراد الكشف عن الشدة، أو المراد بها أن الرب تعالى يكشف عن ساقه ولا يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيما يذكر من الصفات أم لا في غير هذا الموضع، وليس في ظاهر القرآن ما يدل على أن ذلك صفة الله؛ لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه، وإنما ذكره مجرداً عن الإضافة منكرًا، والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والإصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن، وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته. وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه: فيكشف الرب عن ساقه فيخرون له سجدًا: ومن حمل الآية على ذلك قال قوله تعالى ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾ مطابق لقوله -صلى الله عليه وسلم-... نكيره للتعظيم والتفخيم كأنه قال:
| يكشف عن ساق عظيمة جلت عظمتها وتعالى شأنها | . وحمل الآية على الشدة لا يصح بوجه، فإن لغة القوم في مثل = |