آيات من القرآن الكريم

مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ
ﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡ ﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ

﴿١ - ٧﴾ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾.
يقسم تعالى بالقلم، وهو اسم جنس شامل للأقلام، التي تكتب بها [أنواع] العلوم، ويسطر بها المنثور والمنظوم، وذلك أن القلم وما يسطرون به من أنواع الكلام، من آيات الله العظيمة، التي تستحق أن يقسم الله بها، على -[٨٧٩]- براءة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون فنفى عنه الجنون (١) بنعمة ربه عليه وإحسانه، حيث من عليه بالعقل الكامل، والرأي الجزل، والكلام الفصل، الذي هو أحسن ما جرت به الأقلام، وسطره الأنام، وهذا هو السعادة في الدنيا، ثم ذكر سعادته في الآخرة، فقال: ﴿وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا﴾. أي: عظيمًا، كما يفيده التنكير، ﴿غير ممنون﴾ أي: [غير] مقطوع، بل هو دائم مستمر، وذلك لما أسلفه النبي ﷺ من الأعمال الصالحة، والأخلاق الكاملة، ولهذا قال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ أي: عاليًا به، مستعليًا بخلقك الذي من الله عليك به، وحاصل خلقه العظيم، ما فسرته به أم المؤمنين، [عائشة -رضي الله عنها-] لمن سألها عنه، فقالت: "كان خلقه القرآن"، وذلك نحو قوله تعالى له: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ [الآية]، ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيُصُ عَلَيْكُم بِالمْؤُمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ وما أشبه ذلك من الآيات الدالات على اتصافه ﷺ بمكارم الأخلاق، [والآيات] الحاثات على الخلق العظيم (٢) فكان له منها أكملها وأجلها، وهو في كل خصلة منها، في الذروة العليا، فكان ﷺ سهلا لينا، قريبًا من الناس، مجيبًا لدعوة من دعاه، قاضيًا لحاجة من استقضاه، جابرًا لقلب من سأله، لا يحرمه، ولا يرده خائبًا، وإذا أراد أصحابه منه أمرًا وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسًا له إلا أتم عشرة وأحسنها، فكان لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ عليه في مقاله، ولا يطوي عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة، بل يحسن إلى عشيره غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال صلى الله عليه وسلم.
فلما أنزله الله في أعلى المنازل من جميع الوجوه، وكان أعداؤه ينسبون إليه أنه مجنون مفتون قال: ﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ وقد تبين أنه أهدى الناس، وأكملهم لنفسه ولغيره، وأن أعداءه أضل الناس، [وشر الناس] (٣) للناس، وأنهم هم الذين فتنوا عباد الله، وأضلوهم عن سبيله، وكفى بعلم الله بذلك، فإنه هو المحاسب المجازي.
و ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ وهذا فيه تهديد للضالين، ووعد للمهتدين، وبيان لحكمة الله، حيث كان يهدي من يصلح للهداية، دون غيره.

(١) في ب: عنه ذلك.
(٢) في ب: على كل خلق جميل.
(٣) زيادة من هامش ب.

صفحة رقم 878
تيسير الكريم الرحمن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي
تحقيق
عبد الرحمن بن معلا اللويحق
الناشر
مؤسسة الرسالة
الطبعة
الأولى 1420ه -2000 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية