
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧)
شرح الكلمات:
ن: هو أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا ن ويقرأ هكذا نون.
والقلم وما يسطرون: أي والقلم الذي كتب به الذكر "القدر" والذي يخطون ويكتبون.
ما أنت بنعمة ربك: أي لست بما أنعم الله عليك من النبوة وما وهبك من الكمال.
بمجنون: أي بذي جنون كما يزعم المشركون.
غير ممنون: أي غير مقطوع بل هو دائم أبدا.
بأيكم المفتون: أي بأيكم الجنون.
معنى الآيات:
قوله تعالى (ن) هذا أحد الحروف١المقطعة نحو ق، ص، وحم الله أعلم بمراده به وقوله تعالى ﴿وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ أي٢ والقلم الذي كتب أول ما خلق وقال له اكتب فقال ما اكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى بذلك وما يسطرون أي وما تسطره وتكتبه الملائكة نقلا من اللوح المحفوظ، وما يكتبه الكرام الكاتبون من أعمال العباد قسمي أي أقسم تعالى بشيئين الأول القلم، والثاني ما سطر به وكتب مما خلق من كل شيء. والمقسم٣ عليه قوله ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ٤ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ تكذيب للمشركين الذين قالوا إن محمداً مجنون بسبب ما رأوا من الوحي والتأثير به على من هداه الله للأيمان، وقوله تعالى ﴿وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ هذا داخل تحت القسم أي مقسم عليه وهو أن للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجراً غير مقطوع أبداً بسبب ما قدمه من أعمال صالحة أعظمها ما بينه من الهدى سنه من طرق الخير إذ من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين كما أن الجنة أجر كل عمل صالح وللرسول فيها أجر غير مقطوع بل له أعلاها وأفضلها
٢ جائز أن يكون ما موصولة. أي والذي يسطرونه وجائز أن تكون مصدريه أي ومسطورهم.
٣ جواب القسم وهو ثلاثة أشياء الأول نفي الجنون عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والثاني ثبوت الأجر له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والثالث كونه على أعظم خلق حيث تحلى بكل أدب في القرآن حتى قالت عائشة رضي الله عنها كان خلقه القرآن.
٤ الباء بنعمة ربك سببية أي ما أنت بسبب ما أنعم الله عليك من الوحي مجنوناً والباء في مجنون زائدة لتقوية النفي وتأكيده.

وقوله ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ١ هذا أيضا داخل في حيز المقسم عليه وهو أن النبي محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلى خلق أي أدب عظيم حيث أدبه ربه فكيف لا يكون أكمل الخلق أدباً وسيرته وما خوطب به في القرآن من مثل خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين. ومثل وشاورهم في الأمر ومثل ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك إلى غير ذلك من الآداب الرفيعة التي أدب الله بها رسوله مما جعله أكمل الناس أدبا وخلقا وقد سئلت عائشة عن خلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت كان خلقه القرآن وقال هو عن نفسه أدبني ربي فأحسن تأديبي وقال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. وقوله تعالى ﴿فَسَتُبْصِرُ٢ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ أي دم على ما أنت عليه من الكمال يا رسولنا واصبر على دعوتنا فستبصر بعد قليل من الزمن ويبصر قومك المتهمون لك بالجنون بأيكم٣ المفتون أي المجنون أنت –وحاشاك- أو هم. وقوله تعالى ﴿إِنَّ٤ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ في هذا الخبر تعزية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتسلية له ليصبر على دعوة الله وفيه تهديد ووعيد للمشركين المكذبين فكون الله أعلم من كل أحد بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين معناه أنه سيعذب حسب سنته الضال وسيرحم المهتدي.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١-تقرير مسألة أن لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه.
٢-بيان فضل القلم الذي يكتب به الهدى والخير.
٣-تقرير عقيدة القضاء والقدر إذ كان ذلك بالقلم الذي أول ما خلق الله.
٤-بيان كمال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أدبه وأخلاقه وجعله قدوة في ذلك.
٢ قال ابن عباس فستعلم ويعلمون يوم القيامة حين يتميز الحق من الباطل وما في التفسير وارد وحق ولعله المراد وما قاله ابن عباس حق ووارد.
٣ بأيكم المفتون، أي اسم مبهم يتعرف بما يضاف هو إليه، وله مواقع كثيرة في الكلام فقد يشرب معنى الموصول ومعنى الشرط ومعنى الاستفهام، ومعنى التنويه بكامل. فقوله بأيكم المفتون معناه أي رجل أو أي فريق منكم المفتون فأي هنا في محل نصب معمول فسينتصر وينتصرون أيكم المفتون إذ الياء زائدة كالباء في وامسحوا برؤوسكم.
٤الجملة تعليلية لما ينبيء عنه ما قبله من اهتدائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضلالهم أو على جميع ما فصل من أول السورة ومع أنها تعليلية فإنها متضمنة التسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في التفسير.