
قتل زوج سبيعة الأسلمية وهي حبلى فوضعت بعد موته بأربعين ليلة فخطبت فأنكحها رسول الله ﷺ وكان أبو السنابل فيمن خطبها» «١» وقول ابن عباس «آخر الأجلين» يعني أبعدهما. أي إذا كان الوضع قبل انقضاء عدة الحداد وهي أربعة أشهر وعشرة أيام تكون عدتها لتمام هذه المدة. فكانت رواية أم سلمة ناقضة لهذا القول. وقد روي هذا الحديث بطرق أخرى. ومنها ما جاء عن لسان سبيعة نفسها جوابا على سؤال عن فتيا النبي ﷺ لها «٢». ومما جاء في رواية أوردها البغوي وهو من علماء الحديث أن أبا السنابل دخل على سبيعة فقال لها «قد تصنعت للأزواج؟ إنها أربعة أشهر وعشر» فذكرت ذلك لرسول الله فقال «كذب أبو السنابل- أو ليس كما قال أبو السنابل- قد حللت فتزوجي». وقد روى الطبري بطرقه إلى هذا حديثا عن أبي بن كعب قال «لما نزلت هذه الآية وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ قلت يا رسول الله المتوفى عنها زوجها والمطلقة قال نعم».
وقد استند أئمة الفقه إلى هذا فأجازوا زواج الحامل المتوفى عنها زوجها عقب وضعها وإن كان ذلك بعد وفاته بمدة قصيرة. والمتبادر أن التشريع النبوي توضيح لما سكت عنه القرآن. لأن الآية [٢٣٤] من سورة البقرة التي جعلت عدة الزوجة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام جاءت مطلقة بحيث تصح على الحامل وعلى غير الحامل، وأنه استهدف التخفيف عن المرأة مما هو متسق مع روح الآيات القرآنية وتلقينها بصورة عامة.
[سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ٦ الى ٧]
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (٦) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (٧).
(٢) تفسير ابن كثير والخازن والبغوي. [.....]

(١) من وجدكم: بمعنى حسب قدرتكم وإمكانكم.
(٢) ائتمروا: تشاوروا واتفقوا.
(٣) تعاسرتم: اختلفتم أو عسر عليكم الاتفاق.
(٤) قدر عليه رزقه: كان رزقه ضيقا، أو حالته المالية ضعيفة.
تعليق على الآية أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ | إلخ والآية التالية لها وما فيهما من أحكام |
(١) أمرا يوجب على الأزواج إسكان مطلقاتهم في زمن العدة حيث يسكنون وحسب الإمكان الذي يكون لهم.
(٢) ونهيا عن مضارّتهن قولا وفعلا بقصد التضييق عليهن.
(٣) وأمرا بالإنفاق عليهن إن كنّ حاملات إلى أن يضعن حملهن وبإعطائهن أجر الرضاعة إذا أرضعن المولود بمقدار يقدر بالتشاور والتراضي وحسب ما هو معروف أنه الحق، فإن تعسر الاتفاق عليه فترضعه غيرها.
(٤) وتنبيها على أن تكون النفقة متناسبة مع حالة الزوج المالية سعة وضيقا.
فذو السعة ينفق عن سعة. والذي حالته ضيقة ينفق بقدر ما يقدر عليه. فإن الله لا يكلّف إلّا بمقدار ما ييسره له. وهو القادر على أن يأتي باليسر بعد العسر.
ولم يرو المفسرون فيما اطلعنا عليه مناسبة خاصة لنزول الآيتين. والمتبادر أنها استمرار للسياق. وتتمة لما جاء في الآيات السابقة من أحكام وحدود. وهي صريحة بأنه ليس على الأم المطلقة أن ترضع مولودها إلّا بأجر ولها على زوجها صفحة رقم 341

حق السكن مدة عدتها إن كانت غير حامل وحق السكن والنفقة إلى أن تضع حملها إن كانت حاملا بالمقدار الذي تتسع له حالة زوجها المالية وإمكانياته. وما جاء في صدد إرضاع المولود واحتمال عدم الاتفاق عليه بين الوالد والوالدة يدل- كما هو المتبادر- على أن الزوج قد أضاع فرصة المراجعة أثناء الحمل وأصبحت زوجته طالقة منه. إما طلاقا بائنا أو طلاقا باتا إن كانت التطليقة هي الثالثة.
ومسألة إلزام الزوج بنفقة المطلقة رجعيا مدة العدة إذا لم تكن حاملا من المسائل المختلف فيها باستثناء حق السكن الذي نصّت عليه الآيات. فقد أوجبها بعض الفقهاء قائلين إن الله وقد أمر بعدم إخراجهن من بيوتهن وأوجب لهن السكنى قد أوجب لهن النفقة بالتبعية. ولم يوجبها بعضهم لأن النص القرآني لم يذكر هذا الحق صراحة إلّا للمطلقة الحامل. ولم نطلع على أثر نبوي. ولعل هذا هو سبب الخلاف.
وقد أسهب البغوي وابن كثير والخازن في هذه المسألة. ومما أوردوه من تدعيمات القائلين بالرأي الأول أن الآية إنما اختصت الحامل بالذكر لأن هناك احتمالا لطول مدة الحمل أكثر من مدة العدة. ونحن نرى القول الأول هو الأوجه.
فمن حكمة إبقاء المطلقة الرجعية في بيت الزوجية وهو ما انطوى في الآية الأولى والآية السادسة من السورة معا تيسير مراجعة زوجها لها أثناء العدة فصار من الحق والعدل أن تكون نفقتها عليه أسوة بسكنها وتبعا له طول مدة العدة. وليس في الآيات ما يمنع ذلك ونستطرد إلى مسألة أخرى وهي حق السكن والنفقة للمطلقة بائنا أو باتّا طول مدة العدة. وقد روى الطبري أن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود كانا يوجبان ذلك.
ولقد روى مسلم وأبو داود عن فاطمة بنت قيس قالت «طلّقني زوجي ثلاثا فلم يجعل لي رسول الله سكنى ولا نفقة» «١» غير أنه روي مع هذا الحديث حديث آخر مهم رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي إسحاق قال «كنت

جالسا مع الأسود بن يزيد في المسجد الأعظم ومعنا الشعبي فحدّث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس فأخذ الأسود كفّا من حصى وحصبه به وقال ويلك تحدث بمثل هذا. قال عمر لا نترك كتاب الله وسنّة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت. لها السكنى والنفقة. قال الله عز وجل لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» وفي هذا حق وصواب. فالآية لا تذكر صفة الطلاق إن كان رجعيا أو بائنا أو باتا. والمطلقة البائنة أو المبتوتة تكون ممنوعة من الزواج ومحرومة من النفقة مدة عدتها. ومطلقها هو سبب ذلك فمن الحق والعدل أن يتحمل نفقتها تبعا لما ذكر القرآن من واجبه بتحمل سكنها. وهذه المدة قصيرة. فهي حيضة واحدة أو شهر واحد وهي عدة لاستبراء الرحم على ما ذكرناه وأوردنا في صدده وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد يكون هذا الحق واردا بالنسبة لمن يكون أمرها بيدها وطلقت نفسها كما هو المتبادر.
وقد يكون حديث أبي إسحاق مؤيدا لقول من قال إن للمطلقة الرجعية حق النفقة بالإضافة إلى السكن. بل هو كذلك من باب أولى. وللحديث مغزى فقهي عظيم. وهو أن أصحاب رسول الله كانوا يتوقفون فيما يرويه البعض من أحاديث معزوة إلى النبي إذا ما رأوها متعارضة مع نصّ قرآني أو سنّة نبوية أخرى. ويوردون احتمال الغلط أو النسيان فيما ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم. والظاهر أن هذا الحديث وأمثاله هو الذي جعل أئمة الحديث يضعون قاعدة لصحة الأحاديث النبوية وهي عدم تعارضها مع النصوص القرآنية. والحديث الذي توقف عمر فيه من مرويات مسلم وأبي داود. وهذه نقطة مهمة في بابها والله تعالى أعلم.
هذا، وتوجيه الخطاب في أول السورة إلى النبي ﷺ قد ينطوي على تقرير لكونه هو ومن يتولى أمر المؤمنين من بعده ذا حقّ الإشراف على تنفيذ ما احتوته الآيات من حدود ورسوم. وهو ما انطوى في آيات البقرة والنساء العائدة إلى الشؤون الأسروية واستلهمنا منه صلاحية وحق القضاء الإسلامي في الإشراف على هذه الشؤون ومراقبتها وتنظيمها ومن ذلك الطلاق.