آيات من القرآن الكريم

سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ

سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٣] وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ الصَّفْحَ عَنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ «لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ». لِأَنَّ ابْنَ أُبَيٍّ ذَهَبَ إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبَرَّأَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [المُنَافِقُونَ: ٦].
وليّ الرؤوس: إِمَالَتُهَا إِلَى جَانِبٍ غَيْرِ وُجَاهِ الْمُتَكَلِّمِ. إِعْرَاضًا عَنْ كَلَامِهِ، أَيْ أَبَوْا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَنَّهُمْ ثَابِتُونَ عَلَى النِّفَاقِ، أَوْ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ رَاجِعِينَ فِيمَا قَالُوهُ مِنْ كَلَامٍ بَذِيءٍ فِي جَانِبِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لِئَلَّا يُلْزَمُوا بِالِاعْتِرَافِ بِمَا نُسِبَ إِلَيْهِمْ مِنَ النِّفَاقِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لَوَّوْا بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ الْأُولَى مُضَاعَفُ لَوَى لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْكَثْرَةِ فَيَقْتَضِي كَثْرَةَ اللَّيِّ مِنْهُمْ، أَيْ لَوَى جَمْعٌ كثير مِنْهُم رؤوسهم، وقرأه نَافِعٌ وَرَوْحُ عَنْ يَعْقُوبَ بِتَخْفِيفِ الْوَاوِ الْأُولَى اكْتِفَاءً بِإِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ.
وَالْخِطَابُ فِي وَرَأَيْتَهُمْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، أَيْ وَرَأَيْتَهُمْ يَا مَنْ يَرَاهُمْ حِينَئِذٍ.
وَجُمْلَةُ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ يَصُدُّونَ، أَيْ يَصُدُّونَ صَدَّ الْمُتَكَبِّرِ عَنْ طَلَبِ الِاسْتِغْفَارِ.
[٦]
[سُورَة المُنَافِقُونَ (٦٣) : آيَة ٦]
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٦)
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ.
جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ حِكَايَةِ أَحْوَالِهِمْ نَشَأَتْ لِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ [المُنَافِقُونَ: ٥] إِلَخْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَرْكِيبَ: سَوَاءٌ عَلَيْهِ أَكَذَا أَمْ كَذَا، وَنَحْوَهُ مِمَّا جَرَى مَجْرَى الْمَثَلِ فَيَلْزَمُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مَعَ مَا يُنَاسِبُهَا مِنْ ضَمَائِرِ الْمُخْبِرِ عَنْهُ. وَمَدْلُولُهُ اسْتِوَاءُ الْأَمْرَيْنِ لَدَى الْمَجْرُورِ بِحَرْفِ (عَلَى)، وَلِذَلِكَ يُعَقَّبُ بِجُمْلَةٍ تُبَيِّنُ جِهَةَ الِاسْتِوَاءِ كَجُمْلَةِ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ.
وَجُمْلَةِ لَا يُؤْمِنُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦]. وَقَوْلُهُ: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ فِي سُورَةِ يس [١٠] وَأَمَّا مَا يُنْسَبُ إِلَى بُثَيْنَةَ فِي رِثَاءِ جَمِيلِ بْنِ مَعْمَرٍ مِنْ قَوْلِهَا:

صفحة رقم 244

سَوَاءٌ عَلَيْنَا يَا جَمِيلُ بْنَ مَعْمَرٍ إِذَا مِتَّ بَأْسَاءُ الْحَيَاةِ وَلِينُهَا
فَلَا أَحْسَبُهُ صَحِيحَ الرِّوَايَةِ.
وَسَوَاءٌ اسْمٌ بِمَعْنَى مُسَاوٍ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْجَامِدِ فِي الْغَالِبِ فَلَا يَتَغَيَّرُ خَبَرُهُ نَقُولُ: هُمَا سَوَاءٌ، وَهُمْ سَوَاء. وشذ قَوْلهم: سِوَاءَيْنِ.
وَ (عَلَى) مِنْ قَوْلِهِ: عَلَيْهِمْ بِمَعْنَى تَمَكُّنِ الْوَصْفِ. فَالْمَعْنَى: سَوَاءٌ فِيهِمْ.
وَهَمْزَةُ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَصْلُهَا هَمْزَةُ اسْتِفْهَامٍ بِمَعْنَى: سَوَاءٌ عِنْدَهُمْ سُؤَالُ السَّائِلِ عَنْ وُقُوعِ الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ وَسُؤَالُ السَّائِلِ عَنْ عَدَمِ وُقُوعِهِ. وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ مَجَازِيٌّ مُسْتَعْمَلٌ كِنَايَةً عَنْ قِلَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِكَلَا الْحَالَيْنِ بِقَرِينَةِ لَفْظِ سَوَاءٍ وَلِذَلِكَ يُسَمِّي النُّحَاةُ هَذِهِ الْهَمْزَةَ التَّسْوِيَةَ. وَتَقَدِّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦]، أَيْ سَوَاءٌ عِنْدَهُمُ اسْتِغْفَارُكَ لَهُمْ وَعَدَمُهُ. فَ (عَلَى) لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ الَّذِي هُوَ التَّمَكُّن والتلبس فتؤول إِلَى مَعْنَى (عِنْدَ) كَمَا تَقُولُ سَوَاءٌ عَلَيَّ أَرَضِيتُ أَمْ غَضِبْتُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ [١٣٦].
وَجُمْلَةُ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ سَواءٌ عَلَيْهِمْ وَجُمْلَةِ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ [المُنَافِقُونَ: ٧] وَهِيَ وَعِيدٌ لَهُمْ وَجَزَاءٌ عَلَى اسْتِخْفَافِهِمْ بِالِاسْتِغْفَارِ مِنْ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ.
جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا عَنْ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ تَعْلِيلٌ لِانْتِفَاءِ مَغْفِرَةِ اللَّهِ لَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ غَضِبَ عَلَيْهِمْ فَحَرَمَهُمُ اللُّطْفَ وَالْعِنَايَةَ

صفحة رقم 245
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية