آيات من القرآن الكريم

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠﰡ

قولُكم ما لا تفعلون مقتاً عند الله. ثم أعلم عزّ وجلّ ما الذي يحبّه، فقال عزّ وجلّ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ أي: بنيان لاصق بعضه ببعض، فأعلم أنه يحب من يثبت في الجهاد، ويلزم مكانه كثبوت البنيان المرصوص. ويجوز أن يكون عنى أن يستوي ثباتهم في حرب عدوِّهم حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان المرصوص. وللمفسرين في المراد ب «المرصوص» قولان: أحدهما: أنه الملتصق بعضه ببعض، فلا يرى فيه خلل لإحكامه، قاله الأكثرون. والثاني: أنه المبنيُّ بالرصاص وإلى نحو هذا ذهب الفراء، وكان أبو بحرية يقول: كانوا يكرهون القتال على الخيل، ويستحبُّون القتال على الأرض لهذه الآية. اسم أبي بحرية: عبد الله بن قيس التَّراغِمي، يروي عن معاذ، وكأنه أشار بذلك إلى أن الفرسان لا يصطفّون في الغالب إنما يصطفّ الرّجّالة.
[سورة الصف (٦١) : الآيات ٥ الى ٩]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥) وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩)
قوله عزّ وجلّ: وَإِذْ قالَ مُوسى المعنى: اذكر لمن يؤذيك من المنافقين ما صنعته بالذين آذَوْا موسى. وقد ذكرنا ما آذَوْا به موسى في الأحزاب «١».
قوله عزّ وجلّ: فَلَمَّا زاغُوا أي: مالوا عن الحق أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ أي: أمالها عن الحق جزاءً لما ارتكبوه، وما بعد هذا ظاهر إلى قوله عزّ وجلّ: يَأْتِي مِنْ بَعْدِي قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم «من بعديَ اسْمُه» بفتح الياء. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم «من بعديْ اسمه» بإسكان الياء وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وفيهم قولان: أحدهما: أنهم اليهود، قاله مقاتل. والثاني: النصارى حين قالوا: عيسى ابن الله، قاله أبو سليمان الدمشقي. وقرأ ابن مسعود، وعاصم الجحدري، وطلحة بن مصرّف وهو «يَدَّعِي إِلى الإسلام» بفتح الياء، والدال، وتشديدها، وبكسر العين، وما بعد هذا في براءة «٢» إلى قوله عزّ وجلّ: مُتِمُّ نُورِهِ قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم وخلف «مُتِمُّ نُورِه» مضاف. وقرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم «متمّ» رفع منوّن.
[سورة الصف (٦١) : الآيات ١٠ الى ١٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (١٤)

(١) الأحزاب: ٦٩.
(٢) التوبة: ٣٢.

صفحة رقم 278

قوله عزّ وجلّ: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ قال المفسرون: نزلت هذه الآية حين قالوا: لو علمنا أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا به أبداً، فدلَّهم الله على ذلك، وجعله بمنزلة التجارة لمكان ربحهم فيه «١».
قوله عزّ وجلّ: تُنْجِيكُمْ قرأ ابن عامر «تنجيِّكم» بالتشديد. وقرأ الباقون بالتخفيف. ثم بيّن التّجارة، فقال عزّ وجلّ: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ إلى قوله عزّ وجلّ: يَغْفِرْ لَكُمْ فإن قيل: كيف قال:
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وقد قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وقد سبق ذلك الجواب عنه بنحو الجواب عن قوله:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا «٢» وقد سبق ذلك. قال الزجاج: وقوله: «يغفر لكم» جواب قولِه: «تؤمنون» «وتجاهدون»، لأن معناه معنى الأمر. والمعنى: آمنوا بالله وجاهدوا، يغفر لكم، أي: إن فعلتم ذلك، يغفر لكم. وقد غلط بعض النحويين، فقال: هذا جواب «هل» وهذا غلط بَيِّنٌ، لأنه ليس إذا دلَّهم على ما ينفعهم غفر لهم، إِنما يغفر لهم إذا عملوا بذلك. ومن قرأ «يغفر لكم» بإدغام الراء في اللام، فغير جائز عند سيبويه، والخليل، لأنه لا تدغم الراء في اللام في قولهم. وقد رُوِيَتْ عن أبي عمرو بن العلاء، وهو إمام عظيم، ولا أحسبه قرأها إِلا وقد سمعها من العرب. وقد زعم سيبويه والخليل وجميع البصريين، ما خلا أبا عمرو، أن اللام تدغم في الراء، وأن الراء لا تدغم في اللام، وحُجَّتهم أن الراء حرف مكرر قوي، فإذا أدغمت في اللام ذهب التكرير منها. وما بعد هذا قد سبق إلى قوله عزّ وجلّ:
وَأُخْرى تُحِبُّونَها قال الفراء: والمعنى: ولكم في العاجل مع ثواب الآخرة أخرى تحبُّونها، ثم فسّرها فقال عزّ وجلّ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وفيه قولان:
أحدهما: أنه فتح مكة، قاله ابن عباس. والثاني: فتح فارس والروم، قاله عطاء.
قوله عزّ وجلّ: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ أي: بالنصر في الدنيا، والجنة في الآخرة. ثم حضَّهم على نصر دينه ب قوله عزّ وجلّ: كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ قرأ ابن كثير، ونافع، وابو عمرو كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ
منوَّنة.
وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي «أنصار الله» مضاف، ومعنى الآية: دُوموا على ما أنتم عليه، وانصروا دين الله مثل نُصْرَة الحواريين لمَّا قال لهم عيسى: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ وحرَّك نافع ياء «مَن أنصاريَ إِلى الله» وقد سبق تفسير هذا الكلام.
قوله عز وجلّ: فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ بعيسى وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا بعيسى عَلى عَدُوِّهِمْ وهم مخالفو عيسى، كذلك قال ابن عباس، ومجاهد، والجمهور، وقال مقاتل: تم الكلام عند قوله عزّ وجلّ: وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ، فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا بمحمد عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ بمحمد على الأديان، وقال إبراهيم النخعي: أصبح من آمن بعيسى ظاهرين بتصديق محمّد صلّى الله عليه وسلم أن عيسى كلمة الله وروحه بتعليم الحجة. قال ابن قتيبة: فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ أي: غالبين عليهم بمحمد. من قولك: ظهرت على فلان: إِذا علوتَه، وظهرت على السطح: إذا صرتَ فوقه.

(١) انظر الحديث المتقدم ١٤٤١ وفيه فأنزل الله: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ إلى آخر السورة وهذه الآية منها.
(٢) النساء: ١٣٦.

صفحة رقم 279
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية