
٢- أسند إلى أن تقولوا ونصب مقتا على تفسيره للدلالة على أن قولهم ما لا يفعلون مقت خالص لا مشوب فيه.
٣- اختيار لفظ المقت لأنه أشد البغض وأبلغه حتى قيل نكاح المقت كما تقدم في باب اللغة.
٤- ثم لم يقتصر على أن جعل البغض كبيرا حتى جعله أشدّه وأفحشه وقوله عند الله أبلغ من ذلك لأنه إذ ثبت كبر مقته عند الله فقد تم كبره وشدّته وانجابت عنه الشكوك.
٥- التكرار لقوله ما لا تفعلون وهو لفظ واحد في كلام واحد، ومن فوائد التكرار التهويل والإعظام وإلا فقد كان الكلام مستقلا لو قيل كبر مقتا عند الله ذلك فما إعادته إلا لمكان هذه الفائدة.
٢- اندراج الخاص بالعام، وقد ورد النهي العام عن القول غير المؤيد بالفعل والمقصود اندراج الأمر الخاص الذي ورد عقب ذلك وهو قوله: «إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفّا كأنهم بنيان مرصوص» وفي ذكره ذلك عقب النهي العام مباشرة دليل على أن المقت قد تعلق بقول الذين وعدوا الثبات في قتال الكفار فلم يفوا كما تقول للمقترف جرما بعينه لا تفعل ما يلصق العار بك ولا تشاتم زيدا وفائدة مثل هذا النظم النهي عن الشيء الواحد مرتين مندرجا في العموم ومفردا بالخصوص وهو أولى من النهي عنه على الخصوص مرتين فإن ذلك معدود في خير التكرار وهذا لا يتكرر مع ما في التعميم من التعظيم والتهويل.
[سورة الصف (٦١) : الآيات ٥ الى ٦]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥) وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦)

الإعراب:
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ) كلام مستأنف مسوق لتسلية نبيّه محمد صلّى الله عليه وسلم وتوطينه على الصبر. وإذ مفعول لفعل محذوف تقديره اذكر وجملة قال في محل جر بإضافة الظرف إليها وموسى فاعل ولقومه متعلقان بقال، ولم اللام حرف جر وما اسم استفهام في محل جر باللام وقد تقدم السر في حذف الألف من ما الاستفهامية إذا سبقها حرف جر وتؤذونني فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والواو فاعل والنون للوقاية والياء مفعول به والواو حالية وقد حرف تحقيق وإن دخلت على المضارع وإنما عبّر بالمضارع للدلالة على استصحاب الحال وتعلمون فعل مضارع مرفوع والواو فاعل وأني رسول الله أن واسمها وخبرها وأن وما في حيّزها سدّت مسدّ مفعولي تعلمون وإليكم متعلقان برسول وجملة وقد تعلمون إلخ في محل نصب حال. والمعنى أن من عظّم الله عظّم رسوله (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) الفاء عاطفة ولما رابطة أو حينية وزاغوا فعل وفاعل وجملة أزاغ الله قلوبهم لا محل لها والله مبتدأ وجملة لا يهدي القوم الظالمين خبر (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ) الظرف مفعول بفعل محذوف تقديره اذكر وجملة قال في محل جر بإضافة الظرف إليها

وعيسى فاعل وابن مريم بدل من عيسى ويا بني إسرائيل منادى مضاف، ولم يقل يا قوم لأنه لا يمتّ إليهم بنسبة ما دام ليس له أب لأن النسب لا يكون إلا من جهته وإن كانت أمه مريم من أشرفهم نسبا، وإن واسمها ورسول الله إليكم خبرها والجملة مقول القول (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) مصدّقا:
حال من الضمير المستكن في رسول الله لتأويله بمرسل ولما متعلقان بمصدقا والظرف متعلق بمحذوف لا محل له لأنه صلة الموصول ويدي مضاف لبين وعلامة جره الياء لأنه مثنى ومبشّرا عطف على مصدّقا فهو حال مثله وبرسول متعلقان بمبشّرا وجملة يأتي صفة لرسول ومن بعدي متعلقان بيأتي واسمه مبتدأ وأحمد خبره والجملة صفة ثانية (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) الفاء استئنافية ولما رابطة أو حينية وجاءهم فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به وبالبيّنات متعلقان بجاءهم وجملة قالوا لا محل لها وجملة هذا سحر مبين من المبتدأ والخبر في محل نصب مقول قولهم.
الفوائد:
أهل العربية يقولون أن «قد» تصحب الماضي لتقريبه من الحال ومنه قول المؤذّن قد قامت الصلاة وتشتمل المصاحبة للماضي أيضا على معنى التوقع فلذلك قال سيبويه قد فعل جواب لما يفعل وقال الخليل هذا الخبر لقوم ينتظرونه وأما مع المضارع فإنها تفيد التقليل مثل ربما كقولهم إن الكذوب قد يصدق، فإذا كان معناها مع المضارع التقليل وقد دخلت في الآية على مضارع فالوجه أن يكون هذا من الكلام الذي يقصدون به الإفراط فيما ينعكس عنه، وتكون «قد» في هذا المعنى نظير ربما في قوله «ربما يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين»