آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ

وغيرهم، وأمر له بالصبر. ولهذا
قال صلوات الله عليه: رحمة الله على موسى! لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر
. وفيه نهي للمؤمنين أن يوصلوا له، صلوات الله عليه أذى، كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً [الأحزاب: ٦٩]، انتهى.
وقال أبو السعود: هذا كلام مستأنف، مقرر لما قبله من شناعة ترك القتال.
وإِذْ منصوب على المفعولية بمضمر. خوطب به النبيّ ﷺ بطريق التلوين. أي واذكر لهؤلاء المعرضين عن القتال، وقت قول موسى لبني إسرائيل حين ندبهم إلى قتال الجبابرة، بقوله يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ [المائدة: ٢١]، فلم يمتثلوا أمره، وعصوه أشد عصيان، حيث قالوا: يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ [المائدة: ٢٢]، إلى قوله: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [المائدة: ٢٤]، وأصروا على ذلك، وآذوه عليه الصلاة والسلام، كل الأذية. هذا هو الذي تقتضيه جزالة النظم الكريم، ويرتضيه الذوق السليم. وأما ما قيل بصدد بيان أسباب الأذية، من أنهم كانوا يؤذونه بأنواع الأذى، من انتقاصه وعيبه في نفسه وعصيانه فيما تعود إليهم منافعه، وعبادتهم البقر، وطلبهم رؤية الله جهرة- فمما لا تعلق له بالمقام. انتهى ملخصا. وملخصه: أن المقام يعيّن نوع الأذية ويخصصها، والقرينة إحدى مخصصات العامّ، إلا أن أخذها عامة أعظم في التسلية وأولى، وقوفا مع عموم اللفظ الكريم.
فَلَمَّا زاغُوا أي عن مقتضى علمهم لفرط الهوى، وحب الدنيا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ أي عن طريق الهدى، وحجبهم عن نور الكمال، لصرف اختيارهم نحو الغي والضلال. وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ أي الخارجين عن الطاعة ومنهاج الحق، المصرّين على الغواية.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الصف (٦١) : آية ٦]
وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦)
وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ أي التي أنزلت على موسى، وذلك مما يدعو إلى تصديقه عليه السلام.
وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ أي الدلالات التي

صفحة رقم 220

آتاها الله إياه، حججا على نبوّته، قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ أي بيّن.
والإشارة إلى ما جاء به أو إليه، صلى الله عليه وسلم، وتسميته سحرا مبالغة. يريد عليه السلام:
أن ديني التصديق بكتب الله وأنبيائه جميعا، ممن تقدم وتأخر.
تنبيهات:
الأول- نقل الرازي وغيره مصداق هذه الآية من الإنجيل الموجود بين أيديهم.
وذلك في إنجيل يوحنا، في الباب الرابع عشر، هكذا:
إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر ليثبت معكم إلى الأبد- كما في النسخة المطبوعة سنة ١٨٢١ و ١٨٣١ و ١٨٣٣ بمدينة لندن- وفارقليط يونانية، ولفظها الأصلي (بيركلوط)، ومعناه:
محمد أو أحمد، كما بينه صاحب (إظهار الحق).
وذكرت جريدة المؤيد عدد (٣٢٨٤) صفحة (٢) تحت عنوان (لا يعدم الإسلام منصفا) :
وقال مسيومارسية من (مدرسة اللغات الشرقية) ما يأتي:
إن محمدا هو مؤسس الدين الإسلاميّ، واسم محمد جاء من مادة حمد. ومن غريب الاتفاق أن نصارى العرب كانوا يستعملون اسما من نفس المادة يقرب في المعنى من محمد، وهو أحمد، لتسمية البراكلية به. ومعنى أحمد صاحب الحمد، وهذا ما دعا علماء الدين الإسلاميّ أن يثبتوا بأن كتب المسيحيين قد بشرت بمجيء النبيّ محمد. وقد أشار القرآن نفسه إلى هذا بقوله عن المسيح: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ.
وقد قال اسبرانجيه: إن هذه الآية تشير إشارة خاصة إلى عبارة (إنجيل يوحنا) حيث وعد المسيح تلامذته ببعثة صاحب هذا الاسم. انتهى بالحرف.
وأما (إنجيل برنابا) ففيه العبارات الصريحة المتكررة، بل الفصول الضافية الذيول، التي يذكر فيها اسم محمد في عرضها ذكرا صريحا، ويقول إنه رسول الله.
وقد نقل الشيخ محمد بيرم عن رحالة إنكليزي أنه رأى في دار الكتب البابوية في الفاتيكان نسخة من الإنجيل مكتوبة بالقلم الحميري قبل بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وفيها يقول المسيح: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ وذلك موافق لنص

صفحة رقم 221

القرآن الكريم بالحرف. وقد بدل الرهبان نقط (الفارقليط) في المطبوعات الأخيرة ب (المعزّى).
قال بعضهم: ولا عجب من هذه التحريفات المتجددة بتجدد الطبعات، فإنها سجية القوم في كتبهم المقدسة.
سجية تلك فيهم غير محدثة
الثالث- قال الإمام ابن القيّم في (جلاء الأفهام) : الفرق بين محمد وأحمد من وجهين:
أحدهما- أن محمدا هو المحمود حمدا بعد حمد، فهو دالّ على كثرة حمد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه، و (أحمد) أفعل تفضيل من الحمد، يدل على أن الحمد الذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره. فمحمد زيادة حمد في الكمية، وأحمد زيادة في الكيفية، فيحمد أكثر حمد، وأفضل حمد حمده البشر.
والوجه الثاني- أن محمدا هو المحمود حمدا متكررا كما تقدم، وأحمد هو الذي حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره. فدل أحد الاسمين- وهو محمد- كونه محمودا. ودل الاسم الثاني- وهو أحمد- على كونه أحمد الحامدين لربه، وهذا هو القياس، فإن أفعل التفضيل والتعجب عند جماعة البصريين لا يبنيان إلا من فعل الفاعل، لا من فعل المفعول، ذهابا إلى أنهما إنما يصاغان من الفعل اللازم لا المتعدي ونازعهم آخرون وجوزوا بناءهما من الفعل الواقع على المفعول، لقول العرب: (ما أشغله بالشيء).
إلى أن قال: والمقصود أنه ﷺ سمي محمدا وأحمد، لأنه يحمد أكثر ما يحمد غيره، وأفضل مما يحمد غيره. فالاسمان واقعان، على المفعول، وهذا هو المختار. وذلك أبلغ في مدحه، وأتم معنى. ولو أريد به اسم الفاعل لسمي (الحمّاد) وهو كثير الحمد، كما سمي محمدا، وهو المحمود كثيرا. فإنه ﷺ كان أكثر الخلق حمدا لربه، فلو كان اسمه باعتبار الفاعل، لكان الأولى أن يسمى حمّادا، كما أن اسم أمته الحمّادون. وأيضا فإن الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائله المحمودة التي لأجلها استحق أن يسمى محمدا وأحمد، فهو الذي يحمده أهل الدنيا وأهل الآخرة، ويحمده أهل السموات والأرض، فلكثرة خصائله التي تفوت عدّ العادّين سمي باسمين من أسماء الحمد، يقتضيان التفضيل والزيادة في القدر والصفة. انتهى.

صفحة رقم 222
محاسن التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي
تحقيق
محمد باسل عيون السود
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية