
الرسل، وتلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا، وكانت عاقبة أمرهم خسرا فاحذروا يا أمة محمد مثل هذه العاقبة! ثم تطرق الكلام إلى المكذبين بمحمد- عليه الصلاة والسلام- فقال الله ما معناه:
أى الناس أشد ظلما ممن يدعى إلى الإسلام الذي هو دين الحق والعدل والكرامة الموصل إلى سعادة الدنيا والآخرة؟ فتكون إجابته على تلك الدعوة الافتراء على الله كذبا وزورا بتكذيب رسوله وتسمية آياته سحرا، نعم لا أحد أظلم من هذا، والله لا يهدى القوم الظالمين، يريدون بهذا التكذيب أن يطفئوا نور الله «١»، بأفواههم وأنى لهم ذلك؟ والله متم نوره ولو كره الكافرون.
هو الله الذي أرسل رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلّم بمصدر الهداية والنور: بالقرآن الذي يدعو إلى الهدى والفلاح، أرسله بدين الحق والعزة والكرامة، بالشريعة السهلة الصالحة لكل زمان ومكان، ليظهره على الدين كله وليعليه على جميع الأديان، ولو كره المشركون ذلك، لأنه هو الدين الوحيد الذي يدعو إلى التوحيد الخالص البريء من شوائب الشرك، وقد أنجز الله وعده وأظهر دينه بالحجة والبرهان على جميع الأديان... إلخ.
التجارة الرابحة [سورة الصف (٦١) : الآيات ١٠ الى ١٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (١٤)

المفردات:
تِجارَةٍ التجارة: تداول البيع والشراء لأجل المكسب. طَيِّبَةً: جيدة حسنة. أَنْصارَ اللَّهِ المراد: أنصار دينه ورسوله. لِلْحَوارِيِّينَ: وهم أصحاب عيسى- عليه السلام- وأصفياؤه. طائِفَةٌ: جماعة. ظاهِرِينَ:
غالبين.
سبب نزول هذه الآية قول المؤمنين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو نعلم أى الأعمال أحب إلى الله لعملنا به! وقول عثمان بن مظعون: وددت يا نبي الله أن أعلم أى التجارات أحب إلى الله فأتجر فيها. فنزلت الآية.
المعنى:
يا أيها الذين آمنوا: هل أدلكم على تجارة عظيمة الشأن كثيرة الربح؟ ربحها عشرة أمثال، وقد تزيد إلى سبعمائة مثل، والله يضاعف بعد ذلك لمن يشاء وتلك تجارة رابحة، وأى ربح أكثر من هذا؟ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ.. [سورة التوبة آية ١١١].
وكأنه قيل: ما هذه التجارة؟ دلنا عليها، فقيل: تؤمنون بالله ورسوله، وتجاهدون في سبيل الله وابتغاء مرضاته بأموالكم وأنفسكم «١» والمعنى أن المؤمنين يداومون على ذلك من باب قوله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ [سورة هود آية ١١٢].

ذلكم الإيمان والجهاد خير لكم من كل شيء إن كنتم تعلمون أنه خير فهو خير، إن تؤمنوا وتجاهدوا يغفر لكم ذنوبكم، ويسترها أو يباعد بينكم وبينها، ويدخلكم جنات عالية، تجرى من تحتها الأنهار، ويدخلكم مساكن طيبة جيدة حسنة لا عيب فيها، ولا خوف عليكم فيها ولا أنتم تحزنون، وهي في جنات عدن لا زوال فيها، ذلك هو الفوز العظيم، نعم هو الفوز العظيم، والربح الكثير، والفضل العميم.
ولكم إلى جانب ما ذكر نعمة أخرى جليلة أنتم تحبونها هي نصر من الله على الأعداء وفتح قريب للأقطار والأمصار، وانظر- وفقك الله- إلى عاقبة الإيمان الصحيح والجهاد في سبيل الله.
يا أيها الذين آمنوا- والخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم ولأمته-: آمنوا وجاهدوا يكن لكم الثواب الجزيل، وبشرهم يا محمد بذلك، فأنت الصادق المصدق.
يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله وأعوانا لرسول الله، كما كان الحواريون أنصارا لعيسى حين طلب منهم ذلك، وقال لهم: من أنصارى متوجها إلى الله؟ قال الحواريون نحن أنصار نبي الله.
ولما لحق عيسى بالرفيق الأعلى آمنت طائفة من بنى إسرائيل، آمنت بالله الواحد الأحد وبعيسى ابن مريم رسوله إليهم، وكفرت طائفة أخرى حيث ادعت أنه الإله أو ابنه أو هو ثالث ثلاثة، وغلب أهل الباطل على أهل الحق، فلما جاء محمد صلّى الله عليه وسلّم أيدنا به الذين آمنوا على عدوهم الكافرين، فأصبحوا ظاهرين عليهم بالحجة والبرهان.