يوحنا وهو حبيب المسيح جمعه بمدينة إقسس من بلاد رومية بعد الرفع بثلاثين سنة وعدة إصحاحاته في النسخ القبطية ثلاثة وثلاثون إصحاحا وهي مختلفة، وفيها ما يشهد الإنصاف بأنه ليس كلام الله عز وجل ولا كلام عيسى عليه السلام كقصة صلبه الذي يزعمونه ودفنه ورفعه من قبره إلى السماء فما هي إلا كتواريخ وتراجم فيها شرح بعض أحوال عيسى عليه السلام ولادة ورفعا ونحو ذلك، وبعض كلمات له عليه السلام على نحو بعض الكتب المؤلفة في بعض الأكابر والصالحين فلا يضر إهمالها بعض الأحوال، والكلمات التي نطق القرآن العظيم بها ككلامه عليه السلام في المهد وبشارته بنبينا صلّى الله تعالى عليه وسلم على أن في إنجيل يوحنا ما هو بشارة بذلك عند من أنصف وسلك الصراط السوي وما تعسف. ففي الفصل الخامس عشر منه قال يسوع المسيح: إن الفارقليط روح الحق الذي يرسله أبي يعلمكم كل شيء، وقال يوحنا أيضا: قال المسيح: من يحبني يحفظ كلمتي وأبي يحبه وإليه يأتي وعنده يتخذ المنزلة كلمتكم بهذا لأني لست عندكم بمقيم، والفارقليط روح القدس الذي يرسله أبي هو يعلمكم كل شيء وهو يذكركم كل ما قلت لكم أستودعكم سلامي لا تقلق قلوبكم ولا تجزع فإني منطلق وعائد إليكم لو كنتم تحبوني كنتم تفرحون بمضيي إلى الأب، وقال أيضا: إن خيرا لكم أن أنطلق لأبي لأني إن لم أذهب لم يأتكم الفارقليط فإذا انطلقت أرسلته إليكم فإذا جاء فهو يوبخ العالم على الخطيئة وإن لي كلاما كثيرا أريد قوله ولكنكم لا تستطيعون حمله لكن إذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي ويعرفكم جميع ما للأب، وقال أيضا: إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الأب أن يعطيكم فار قليطا آخر يثبت معكم إلى الأبد روح الحق الذي لم يطق العالم أن يقبلوه لأنهم لم يعرفوه ولست أدعكم أيتاما لأني سآتيكم من قريب، والفارقليط لفظ يؤذن بالحمد، وتعين إرادته صلّى الله تعالى عليه وسلم من كلامه عليه السلام مما لا غبار عليه لمن كشف الله تعالى غشاوة التعصب عن عينيه، وقد فسره بعض النصارى بالحماد، وبعضهم بالحامد فيكون في مدلوله إشارة إلى اسمه عليه الصلاة والسلام أحمد، وفسره بعضهم بالمخلص لقول عيسى عليه السلام: فالله يرسل مخلصا آخر فلا يكون ما ذكر بشارة به صلّى الله تعالى عليه وسلم بعنوان الحمد لكنه بشارة به صلّى الله تعالى عليه وسلم بعنوان التخليص، فيستدل به على ثبوت رسالته صلّى الله تعالى عليه وسلم، وإن لم يستدل به على ما في الآية هنا، وزعم بعضهم أن الفارقليط إشارة إلى ألسن نارية نزلت من السماء على التلاميذ ففعلوا الآيات والعجائب، ولا يخفى أن وصفه بآخر يأبى ذلك إذا لم يتقدم لهم غيره فَلَمَّا جاءَهُمْ أي عيسى عليه السلام بِالْبَيِّناتِ أي بالمعجزات الظاهرة.
قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ مشيرين إلى ما جاء به عليه السلام، فالتذكير بهذا الاعتبار، وقيل: مشيرين إليه عليه السلام وتسميته سحرا للمبالغة، ويؤيده قراءة عبد الله وطلحة والأعمش وابن وثاب- هذا ساحر- وكون فاعل جاءَهُمْ ضمير عيسى عليه السلام هو الظاهر لأنه المحدث عنه، وقيل: هو ضمير أَحْمَدُ عليه الصلاة والسلام لما فرغ من كلام عيسى تطرق إلى الإخبار عن أحمد صلّى الله تعالى عليه وسلم أي فلما جاء أحمد هؤلاء الكفار بالبينات قالُوا إلخ.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ أي الناس أشد ظلما ممن يدعى إلى الإسلام الذي يوصله إلى سعادة الدارين فيضع موضع الاجابة الافتراء على الله عز وجل بتكذيب رسوله وتسمية آياته سحرا فإن الافتراء على الله تعالى يعم نفي الثابت وإثبات المنفي أي لا أظلم من ذلك، والمراد أنه أظلم من كل ظالم، وقرأ طلحة «يدّعي» مضارع- ادعى- مبنيا للفاعل وهو ضميره تعالى: ويُدْعى بمعنى يدعو يقال: دعاه وادعاه نحو لمسه والتمسه، وقيل: الفاعل ضمير المفتري، وادعى يتعدى بنفسه إلى المفعول به لكنه لما ضمن معنى الانتماء والانتساب عدي بإلى أي وهو ينتسب إلى الإسلام مدعيا أنه مسلم وليس بذاك، وعنه «يدّعى» مضارع ادعى أيضا لكنه مبني للمفعول، ومعناه كما سبق، والآية فيمن كذب من هذه الأمة على ما يقتضيه ما بعد، وهي إن كانت في بني إسرائيل الذين جاءهم عيسى عليه السلام ففيها تأييد لمن ذهب إلى عدم اختصاص الإسلام بالدين الحق الذي جاء به نبينا صلّى الله تعالى عليه وسلم.
وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أي لا يرشدهم إلى ما فيه فلاحهم لسوء استعدادهم وعدم توجههم إليه يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ تمثيل لحالهم في اجتهادهم في إبطال الحق بحالة من ينفخ الشمس بفيه ليطفئها تهكما وسخرية بهم كما تقول الناس: هو يطفىء عين الشمس، وذهب بعض الأجلة إلى أن المراد بنور الله دينه تعالى الحق كما روي عن السدي على سبيل الاستعارة التصريحية، وكذا في قوله سبحانه: وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ومُتِمُّ تجريد، وفي قوله تعالى: بِأَفْواهِهِمْ تورية، وعن ابن عباس وابن زيد يريدون إبطال القرآن وتكذيبه بالقول، وقال ابن بحر: يريدون إبطال حجج الله تعالى بتكذيبهم، وقال الضحاك: يريدون هلاك الرسول صلّى الله تعالى عليه وسلم بالأراجيف، وقيل: يريدون إبطال شأن النبي صلّى الله عليه وسلم وإخفاء ظهوره بكلامهم وأكاذيبهم،
فقد روي عن ابن عباس أن الوحي أبطأ أربعين يوما فقال كعب بن الأشرف:
يا معشر يهود أبشروا أطفأ الله تعالى نور محمد فيما كان ينزل عليه، وما كان ليتم نوره فحزن الرسول صلّى الله عليه وسلم فنزلت يُرِيدُونَ إلى آخره
، وفي يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا مذاهب: أحدها أن اللام زائدة والفعل منصوب بأن مقدرة بعدها، وزيدت لتأكيد معنى الإرادة لما في لام العلة من الإشعار بالإرادة والقصد كما زيدت اللام في:
لا أبا لك لتأكيد معنى الإضافة ثانيها أنها غير زائدة للتعليل، ومفعول يُرِيدُونَ محذوف أي يريدون الافتراء لأن يطفئوا ثالثها أن الفعل أعني يُرِيدُونَ حال محل المصدر مبتدأ واللام للتعليل والمجرور بها خبر أي إرادتهم كائنة للإطفاء والكلام نظير- تسمع بالمعيدي خير من أن تراه- من وجه، ورابعها أن اللام مصدرية بمعنى أن غير تقدير والمصدر مفعول به ويكثر ذلك بعد فعل الإرادة والأمر، خامسها أن يُرِيدُونَ منزل منزلة اللازم
لتأويله بيوقعون الإرادة، قيل: وفيه مبالغة لجعل كل إرادة لهم للإطفاء وفيه كلام في شرح المغني. وغيره.
وقرأ العربيان ونافع وأبو بكر والحسن وطلحة والأعرج وابن محيصن «متمّ» بالتنوين «نوره» بالنصب على المفعولية لمتم وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ حال من المستكن في مُتِمُّ وفيه إشارة إلى أنه عز وجل متم ذلك إرغاما لهم هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ محمدا صلّى الله عليه وسلم بِالْهُدى بالقرآن، أو بالمعجزة بجعل ذلك نفس الهدى مبالغة وَدِينِ الْحَقِّ والملة الحنيفية لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ليعليه على جميع الأديان المخالفة له، ولقد أنجز الله عز وجل وعده حيث جعله بحيث لم يبق دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الإسلام.
وعن مجاهد إذا نزل عيسى عليه السلام لم يكن في الأرض إلا دين الإسلام، ولا يضر في ذلك ما روي أنه يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه من الإسلام إلا اسمه إذ لا دلالة في الآية على الاستمرار، وقيل: المراد بالإظهار الإعلاء من حيث وضوح الأدلة وسطوع البراهين وذلك أمر مستمر أبدا وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ذلك لما فيه من محض التوحيد وإبطال الشرك، وقرىء هو الذي أرسل نبيه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ جليلة الشأن تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ يوم القيامة، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق والأعرج وابن عامر «تنجّيكم» بالتشديد، وقوله تعالى: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ استئناف بياني كأنه قيل: ما هذه التجارة؟ دلنا عليه: فقيل: تُؤْمِنُونَ إلخ، والمضارع في الموضوعين كما قال المبرد وجماعة خبر بمعنى الأمر أي آمنوا وجاهدوا، ويؤيده قراءة عبد الله كذلك، والتعبير به للإيذان بوجوب الامتثال كأن الإيمان والجهاد قد وقعا فأخبر بوقوعهما، والخطاب إذا كان للمؤمنين الخلّص فالمراد تثبتون وتدومون على الإيمان أو تجمعون بين الإيمان والجهاد أي بين تكميل النفس وتكميل الغير وإن كان للمؤمنين ظاهرا فالمراد تخلصون الإيمان، وأيا ما كان فلا إشكال في الأمر، وقال الأخفش: تُؤْمِنُونَ إلخ عطف بيان على تِجارَةٍ، وتعقب بأنه لا يتخيل إلا على تقدير أن يكون الأصل أن تؤمنوا حتى يتقدر بمصدر، ثم حذف أن فارتفع الفعل كما في قوله:
ألا أيهذا الزاجري احضر الوغى يريد أن احضر فلما حذف أن ارتفع الفعل وهو قليل، وقال ابن عطية: تُؤْمِنُونَ فعل مرفوع بتقدير ذلك أنه تؤمنون، وفيه حذف المبتدأ وأن واسمها وإبقاء خبرها، وذلك على ما قال أبو حيان: لا يجوز، وقرأ زيد بن علي- تؤمنوا وتجاهدوا- بحذف نون الرفع فيهما على إضمار لام الأمر أي لتؤمنوا وتجاهدوا، أو ولتجاهدوا كما في قوله:
قلت لبواب على بابها | تأذن لنا إني من أحمائها |
محمد تفد نفسك كل نفس | إذا ما خفت من أمر تبالا |
ونقري ما شئت أن تنقري | قد رفع الفخ فماذا تحذري |
وكذا قوله:
أبيت أسري وتبيتي تدلكي | وجهك بالعنبر والمسك الذكي |
من أن الجملة مستأنفة لبيان أن ذلك خير لهم، ويَغْفِرْ مرفوع سكن آخره كما سكن آخر «أشرب» في قوله:
فاليوم أشرب غير مستحقب | إثما من الله ولا واغل |
وقيل: أُخْرى مبتدأ خبره نَصْرٌ وقال قوم: هي في موضع نصب بإضمار فعل أي ويعطكم أخرى، وجعل ذلك من باب:
علفتها تبنا وماء باردا ومنهم من قدر تحبون أخرى على أنه من باب الاشتغال، ونَصْرٌ على التقديرين خبر مبتدأ محذوف أي ذلك أو هو نَصْرٌ، أو مبتدأ خبره محذوف أي نصر وفتح قريب عنده، وقال الأخفش: هي في موضع جر بالعطف على تِجارَةٍ وهو كما ترى.
وقرأ ابن أبي عبلة نصرا وفتحا قريبا بالنصب بأعني مقدرا، أو على المصدر أي تنصرون نصرا ويفتح لكم فتحا، أو على البدلية من أُخْرى على تقدير نصبها وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ عطف على قل مقدرا قبل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، وقيل: على أبشر مقدرا أيضا، والتقدير فأبشر يا محمد وبشر. صفحة رقم 284
وقال الزمخشري: هو عطف على تُؤْمِنُونَ لأنه في معنى الأمر كأنه قيل: آمنوا وجاهدوا يثبكم الله تعالى وينصركم وبشر يا رسول الله المؤمنين بذلك، وتعقبه في الإيضاح بأن فيه نظرا لأن المخاطبين في تُؤْمِنُونَ هم المؤمنون، وفي بَشِّرِ هو النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم، ثم قوله تعالى: تُؤْمِنُونَ بيان لما قبله على طريق الاستئناف فكيف يصح عطف بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه؟ وأجيب بما خلاصته أن قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا للنبي صلّى الله تعالى عليه وسلم وأمته كما تقرر في أصول الفقه، وإذ فسر بآمنوا وبشر دل على تجارته عليه الصلاة والسلام الرابحة وتجارتهم الصالحة، وقدم آمَنُوا لأنه فاتحة الكل ثم لو سلم فلا مانع من العطف على جواب السائل بما لا يكون جوابا إذا ناسبه فيكون جوابا للسؤال وزيادة كيف وهو داخل فيه؟ كأنهم قالوا: دلنا يا ربنا فقيل:
آمنوا يكن لكم كذا وبشرهم يا محمد بثبوته لهم، وفيه من إقامة الظاهر مقام المضمر وتنويع الخطاب ما لا يخفى نبل موقعه، واختاره صاحب الكشف فقال: إن هذا الوجه من وجه العطف على قل ووجه العطف على فابشر لخلوهما عن الفوائد المذكورة يعني ما تضمنه الجواب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ أي نصرة دينه سبحانه وعونة رسوله عليه الصلاة والسلام، وقرأ الأعرج وعيسى وأبو عمرو والحرميان «أنصارا لله» بالتنوين وهو للتبعيض فالمعنى كونوا بعض أنصاره عز وجل.
وقرأ ابن مسعود- على ما في الكشاف- كونوا أنتم أنصار الله، وفي موضح الأهوازي والكواشي- أنتم- دون كُونُوا كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ أن من جندي متوجها إلى نصرة الله تعالى ليطابق قوله سبحانه: قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ وقيل: إِلَى بمعنى مع ونَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ بتقدير نحن أنصار نبي الله فيحصل التطابق، والأول أولى، والإضافة في أَنْصارِي إضافة أحد المتشاركين إلى الآخر لأنهما لما اشتركا في نصرة الله عز وجل كان بينهما ملابسة تصحح إضافة أحدهما للآخر والإضافة في أَنْصارَ اللَّهِ إضافة الفاعل إلى المفعول والتشبيه باعتبار المعنى إذ المراد قل لهم ذلك كما قال عيسى، وقال أبو حيان: هو على معنى قلنا لكم كما قال عيسى.
وقال الزمخشري: هو على معنى كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ وخلاصته على ما قيل: إن ما مصدرية وهي مع صلتها ظرف أي كونوا أنصار الله وقت قولي لكم ككون الحواريين أنصاره وقت قول عيسى، ثم قيل: كونوا أنصاره كوقت قول عيسى هذه المقالة، وجيء بحديث سؤاله عن الناصر وجوابهم فهو نظير كاليوم في قولهم: كاليوم رجل أي كرجل رأيته اليوم فحذف الموصوف مع صفته، واكتفى بالظرف عنهما لدلالته على الفعل الدال على موصوفه، وهذا من توسعاتهم في الظروف، وقد جعلت الآية من الاحتباك، والأصل كونوا أنصار الله حين قال لكم النبي صلّى الله عليه وسلم: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ كما كان الحواريون أنصار الله حين قال لهم عيسى عليه السلام مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ فحذف من كل منهما ما دل عليه المذكور في الآخر، وهو لا يخلو عن حسن، والْحَوارِيُّونَ أصفياؤه عليه السلام، والعدول عن ضميرهم إلى الظاهر الاعتناء بشأنهم، وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا فرقهم- على ما في البحر- عيسى عليه السلام في البلاد، فمنهم من أرسله إلى رومية، ومنهم من أرسله إلى بابل، ومنهم من أرسله إلى إفريقية، ومنهم من أرسله إلى أفسس، ومنهم من أرسله إلى بيت المقدس، ومنهم من أرسله إلى الحجاز، ومنهم من أرسله إلى أرض البربر وما حولها وتعيين المرسل إلى كل فيه، ولست على ثقة من صحة ذلك ولا من ضبط أسمائهم، وقد ذكرها السيوطي أيضا في الإتقان فليلتمس ضبط ذلك في مظانه، واشتقاق الحواريين من الحور- وهو البياض- وسموا بذلك لأنهم كانوا قصارين، وقيل:
للبسهم البياض، وقيل: لنقاء ظاهرهم وباطنهم، وزعم بعضهم أن ما قيل: من أنهم كانوا قصارين إشارة إلى أنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدين والعلم، وما قيل: من أنهم كانوا صيادين إشارة إلى أنهم كانوا يصطادون نفوس الناس من الحيرة ويقودونهم إلى الحق.
وقيل: الحواريون المجاهدون،
وفي الحديث «لكم نبي حواري وحواريي الزبير»
وفسر بالخاصة من الأصحاب والناصر، وقال الأزهري: الذي أخلص ونقي من كل عيب، وعن قتادة إطلاق الحواري على غيره رضي الله تعالى عنه أيضا، فقد قال: إن الحواريين كلهم من قريش أبو بكر وعمر وعلي وحمزة وجعفر وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن مظعون وعبد الرحمن بن عوف وسعد ابن أبي وقاص وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ أي بعيسى عليه السلام وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ أخرى فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ وهم الذي كفروا فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ فصاروا غالبين قال زيد بن علي وقتادة: بالحجة والبرهان، وقيل: إن عيسى عليه السلام حين رفع إلى السماء قالت طائفة من قومه: إنه الله سبحانه، وقالت أخرى: إنه ابن الله- تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- رفعه الله عز وجل إليه، وقالت طائفة: إنه عبد الله ورسوله فاقتتلوا فظهرت الفرقتان الكافرتان على الفرقة المؤمنة حتى بعث النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم فظهرت المؤمنة على الكافرتين، وروي ذلك عن ابن عباس، وقيل: اقتتل المؤمنون والكفرة بعد رفعه عليه السلام فظهر المؤمنون على الكفرة بالسيف، والمشهور أن القتال ليس من شريعته عليه السلام، وقيل: المراد فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ بمحمد عليه الصلاة والسلام وكفرت أخرى به صلّى الله تعالى عليه وسلم فأيدنا المؤمنين على الكفرة فصاروا غالبين وهو خلاف الظاهر والله تعالى أعلم.