
روى البخاري، عن عروة أن عائشة زوج النبي ﷺ أخبرته أن رسول الله صل الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية :﴿ ياأيها النبي إِذَا جَآءَكَ المؤمنات يُبَايِعْنَكَ ﴾ إلى قوله ﴿ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾، قال عروة، قالت عائشة :« فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله ﷺ :» قد بايعتك « كلاماً، ولا الله ما مست يده يد امرأة في المبايعة قط، ما يبايعهن إلاّ بقوله :» قد بايعتك على ذلك « » هذا لفظ البخاري.
وروى الإمام أحمد، عن أُميمة بنت رقيقة قالت :« أتيت رسول الله ﷺ في نساء لنبايعه، فأخذ علينا ما في القرآن ﴿ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بالله شَيْئاً ﴾ الآية، وقال :» فما استطعتن وأطقتن «، قلنا الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، قلنا : يا رسول الله ألا تصافحنا؟ قال :» إني لا أصافح النساء إنما قولي لا مرأة واحدة قولي لمائة امرأة « » وعن ( سلمى بنت قيس ) وكانت إحدى خالات رسول الله ﷺ وقد صلت معه القبلتين، قالت :« جئت رسول الله ﷺ. نبايعه في نسوة من الأنصار، فلما شرط علينا ألا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه، في معروف، قال :» ولا تغششن أزواجكن « قالت : فبايعناه، ثم انصرفنا، فقلت لامرأة منهن : ارجعي فسلي رسول الله ﷺ : ما غش أزواجنا؟ قال، فسألته فقال :» تأخذ ماله فتاحبي به غيره « وقال الإمام أحمد، عن عائشة بنت قدامة يعني ابن مظعون قالت :» أنا مع أمي رائطة ابنة سفيان الخزاعية والنبي ﷺ يبايع النسوة ويقول :« أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً، ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن، ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن، ولا تعصينيي في معروف قلن نعم فيما استطعتن » فكن يقلن وأقول معهن وأمي تقول لي : أي بنية نعم، فكنت أقول كما يقلن « وقال البخاري، عن أُم عطية قالت :» بايعنا رسول الله ﷺ فقرأ علينا ﴿ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بالله شَيْئاً ﴾، ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة يدها، قالت : أسعدتني فلانة، فأريد أن أجزيها، فما قال لها رسول الله ﷺ شيئاً، فانطلقت ورجعت فبايعها «، وفي رواية :» فما وفى منهم امرأة غيرها وغير أم سليم ابنة ملحان «.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه سلم يتعاهد النساء بهذه البيعة يوم العيد، كما روى البخاري، عن ابن عباس، قال :« شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب بعد، فنزل نبي الله ﷺ، فكأني أنظر إليه حين يجلس الرجل بيده، ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال فقال :﴿ ياأيها النبي إِذَا جَآءَكَ المؤمنات يُبَايِعْنَكَ على أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بالله شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ ببهتان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾ حتى فرغ من الآية كلها، ثم قال حين فرغ :» أنتن على ذلك؟ «، فقالت امرأة واحدة ولم يجبه غيرها : نعم يا رسول الله، لا يدري حسن من هي، قال : فتصدقن، قال : وبسط رسول الله ﷺ في مجلس فقال :» تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزوا ولا تقتلوا أولادكم؟ قرأ الآية التي أخذت على النساء إذا جاءك المؤمنات فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء غفره له وإن شاء عذبه « وقد روى ابن جرير، عن ابن عباس » أن رسول الله ﷺ أمر عمر بن الخطاب فقال :« قل لهن إن رسول الله ﷺ يبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً » وكانت ( هند بنت عتبة بن ربيعة ) التي شقت بطن حمزة متنكرة في النساء، فقالت هند وهي متنكرة، كيف تقبل من النساء شيئاً لم تقبله من الرجال؟ فنظر إليها رسول الله ﷺ وقال لعمر :« قل لهن :» ولا يسرقن «، قالت هند : والله إني لأصيب من أبي سفيان الهنات ما أدري أيحلهن لي أم لا، قال أبو سفيان : ما أصبت من شيء مضى أو قد بقي فهو لك حلال، فضحك رسول الله ﷺ، وعرفها، فقال :» ولا يزنين «، فقالت : يا رسول الله وهل تزني امرأة حرة، قال :» لا والله ما تزني الحرة « قال :» ولا يقتلن أولادهن «، قالت هند : أنت قتلتهم يوم بدر فأنت وهم أبصر، قال :﴿ وَلاَ يَأْتِينَ ببهتان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ﴾ قال :﴿ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾ قال : منعهن أن ينحن، وكان أهل الجاهلية يمزقن الثياب، ويخدشن الوجوه، ويقطعن الشعور، ويدعون بالويل والثبور »، وقال مقاتل بن حيان :« أنزلت هذه الآية يوم الفتح، بايع رسول الله ﷺ الرجال على الصفا، وعمر بايع النساء يحلفهن عن رسول الله ﷺ، فذكر بقيته كما تقدم، وزاد : فلما قال :» ولا تقتلن أولادكن « قالت هند : ربيناهم صغاراً فقتلتوهم كباراً، فضحك عمر بن الخطاب حتى استلقى ».
صفحة رقم 2540
فقوله تعالى :﴿ ياأيها النبي إِذَا جَآءَكَ المؤمنات يُبَايِعْنَكَ ﴾ أي من جاءك منهن يبايع على هذه الشروط فبايعها، على أن لا يشركن بالله شيئاً، ولا يسرقن أموال الناس الأجانب، وقوله تعالى :﴿ وَلاَ يَزْنِينَ ﴾ كقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٣٢ ]. وقال الإمام أحمد، عن عروة عن عائشة قالت :« جاءت ( فاطمة بن عتبة ) تبايع رسول الله ﷺ فأخذ عليها ﴿ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بالله شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ ﴾ الآية قال : فوضعت يدها على رأسها حياءً، فأعجبه ما رأى منها، فقالت عائشة : أقرّي أيتها المرأة، فوالله ما بايعنا إلاّ على هذا، قالت : فنعم إذاً، فبايعها بالآية » وقوله تعالى :﴿ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ ﴾ وهذا يشمل قتله بعد وجوده، كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الإملاق، ويعم قتله وهو جنين، كما قد يفعله بعض الجهلة من النساء، تطرح نفسها لئلا تحيل إما لغرض فاسد أو ما أشبهه، وقوله تعالى :﴿ وَلاَ يَأْتِينَ ببهتان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ﴾، قال ابن عباس : يعني لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم ويؤيد هذا الحديث الذي رواه أبو داود، عن أبي هريرة « أنه سمع رسول الله ﷺ يقول حين نزلت آية الملاعنة :» أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله الجنة، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين « ».
وقوله تعالى :﴿ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾ يعني فيما أمرتهن بهمن معروف، ونهيتهن عنه من منكر، عن ابن عباس قال : إنما هو شرط شرطه الله للنساء، وقال ابن زيد : أمر الله بطاعة رسوله وهو خيرة الله من خلقه في المعروف، وقد قال غير واحد : نهاهن يومئذٍ عن النوح، وعن الحسن قال كان فيما أخذ النبي ﷺ، ألا تحدثن الرجال إلاّ أن تكون ذات محرم، فإن الرجل لا يزال يحدث المرأة حتى يمذي بين فخذيه، وقال ابن جرير، عن أم عطية الأنصارية قالت :« كان فيما اشترط علينا رسول الله ﷺ من المعروف حين بايعناه أن لا ننوح، فقالت امرأة من بني فلان : إن بني فلان أسعدوني، فلا حتى أجزيهم، فانطلقت فأسعدتهم، ثم جاءت فبايعت، قالت : فما وفى منهن غيرها وغير أم سليم ابنة ملحان أم أنَس بن مالك » وعن امرأة من المبايعات قالت :

« كان فيما أخذ علينا رسول الله ﷺ أن لا نعصيه في معروف أن لا نخمش وجهاً، ولا ننشر شعراً، ولا نشق جيباً ولا ندعو ويلاً » وروى ابن جرير عن أم عطية قالت :« لما قدم رسول الله ﷺ جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقام على الباب وسلم علينا فرددن، أو فرددنا عليه السلام ثم قال : أنا رسول رسول الله صلى الله عليه سلم إليكن، فقالت، فقلنا : مرحباً برسول الله وبرسول رسول الله، فقال : تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئاً ولا تسرقن ولا تزنين : قالت : فقلنا : نعم، قالت، فمد يده من خارج الباب أو البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ثم قال : اللهم اشهد، قالت : وأمرنا في العيدين أن نخرج فيه الحيض والعواتق ولا جمعة علينا، ونهى عن اتباع الجنائز »، قال إسماعيل : فسألت جدتي عن قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾ قالت : النياحة. وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال، قال رسول الله ﷺ :« ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية » وعن أم سلمة عن رسول الله ﷺ في قول الله تعالى :﴿ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾، قال : النوح.
صفحة رقم 2542