آيات من القرآن الكريم

وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ
ﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞ

جاءكم من أهل مكة يرد إليهم ومن أتى مكة منكم لم يرد إليكم، وكتبوا بذلك العهد كتابا وختموه، فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية، مسلمة، والنبي صلّى الله عليه وسلّم بالحديبية، فأقبل زوجها مسافر المخزومي فقال: يا محمد، اردد علي امرأتي فإنك قد شرطت لنا شرطا أن ترد علينا من أتاك منا، وهذه طية الكتاب لم تجف، فنزلت هذه الآية لبيان أن الشرط إنما كان في الرجال دون النساء، فاستحلفها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فحلفت، فأعطى زوجها ما أنفق، ثم تزوجها عمر رضي الله عنه وأخرج الطبراني عن عبد الله أن هذه الآية نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط.
وعن الزهري: كانت هربت من زوجها عمرو بن العاص ومعها أخواها: عمارة والوليد، فحبسها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورد أخويها. وأخرج بن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب أنها نزلت في أمية بنت بشر امرأة أبي حسان ابن الدحداحة. وعن مقاتل: أنها نزلت في سعيدة امرأة صيفي بن الواهب. وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ يا معشر المؤمنين أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ بعد الاستبراء إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أي إذا التزمتم مهورهن، فالمهر المدفوع للكفار لا يقوم مقام المهر الذي يجب على المسلم، إذا تزوجهن إذ المهر أجر البضع.
قال ابن عباس: أيما امرأة أسلمت وزوجها كافر فقد انقطع ما بينها وبين زوجها من عصمة ولا عدة عليها من زوجها الكافر وجاز لها أن تتزوج إذا استبرأت، وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ أي لا تأخذوا بعقود الكافرات غير أهل الكتاب.
قال ابن عباس: أيما امرأة كفرت بالله فقد انقطع ما بينها وبين زوجها المؤمن من العصمة.
وقرئ في السبعة «تمسكوا» بضم التاء وسكون الميم وبفتح الميم وتشديد السين. وقرئ «تمسكوا» بفتح التاء والميم وتشديد السين، وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ أي اطلبوا أيها المؤمنون من أهل مكة ما اتفقتم على أزواجكم من مهورهن إن دخلن في دينهم، وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا أي وليطلبوا منكم ما أنفقوا على أزواجهم من المهور إن دخلن في دينكم ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠).
روي أنه لما نزلت هذه الآية أدى المؤمنون مهور المؤمنات المهاجرات إلى أزواجهن المشركين وأبى المشركون أن يؤدوا شيئا من مهور الكوافر إلى أزواجهن المسلمين، فنزل قوله تعالى: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا أي وإن انفلت منكم أحد من أزواجكم، ورجع إلى الكفار الذين ليس بينكم وبينهم عهد، فغنمتم من العدو، فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم إلى الكفار من الغنيمة قبل الخمس مثل ما أنفقوا عليهن من مهر المهاجرة التي تزوجتموها، ولا تعطوه زوجها الكافر، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١)، وجميع من ارتدت من نساء المؤمنين ست نسوة: أخت أم سلمة فاطمة بنت أبي أمية، وأم كلثوم

صفحة رقم 519

بنت جرول- وهما تحت عمر بن الخطاب- وأم الحكم بنت أبي سفيان، كانت تحت عباد بن شداد العمري، وبروع بنت عقبة، كانت تحت شماس بن عثمان من بني مخزوم، وعبدة بنت عبد العزى، كانت تحت عمرو بن عبد ود، وهند بنت أبي جهل كانت تحت هاشم بن العاص، فأعطاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مهر نسائهم من الغنيمة. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ أي نساء أهل مكة بعد فتح مكة يُبايِعْنَكَ أي قاصدات المشارطة عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً من الإشراك، وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ.
وقرئ «ولا يقتلن» بتشديد التاء، وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ، كانت المرأة تلتقط المولود من الزنا فتقول لزوجها: هو ولدي منك كني عن هذا بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها، لأن بطنها الذي تحمله فيه بين يديها، ومخرجه بين رجليها، وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ أي فيما تأمرهن به من معروف، وهو ما عرف حسنه من جهة الشرع. وهذا تنبيه على نفي جواز طاعة مخلوق في معصية الخالق، وذلك كترك النوح وجز الشعر، ونتفه، وحلق الرأس، وخمش الوجه، وشق الجيوب، وتمزيق الثياب، وأن لا يخلون مع رجل غير محرم وأن لا يسافرن مع غير ذي محرم، فَبايِعْهُنَّ أي فشارطهن على ذلك، وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ فيما سلف منهن في الجاهلية إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢)، أي مبالغ في المغفرة والرحمة.
روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما فرغ من بيعة الرجال يوم فتح مكة جلس على الصفا، ومعه عمر أسفل منه، فجعل يبايع النساء، وكانت جملتهن إذ ذاك أربعمائة وسبعا وخمسين امرأة، ولم يصافح في البيعة امرأة، وإنما بايعهن وقيل: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء، فغمسن يده فيه فغمس أيديهن فيه وكانت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنقبة، متنكرة مع النساء خوفا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يعرفها لما صنعت بحمزة يوم أحد، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا» فرفعت هند رأسها وقالت: لقد عبدنا الأصنام وأنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيناك أخذته على الرجال تبايع الرجال على الإسلام والجهاد فقط، ولما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ولا تسرقن». قالت هند: إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصبت من ماله هناة فما أدري أتحل لي أم لا؟ فقال أبو سفيان: ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر، فهو لك حلال، فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعرفها فقال لها: «وإنك لهند بنت عتبة» قالت: نعم، فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك، فلما قال: «ولا تزنين»، فقالت: أو تزني الحرة؟ فلما قال: «ولا تقتلن أولادكن». قالت: ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا وكان ابنها حنظلة قتل يوم بدر، فضحك عمر حتى استلقى وتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما قال: «ولا تأتين ببهتان» «١» إلخ قالت: والله إن البهتان لقبيح وما تأمرنا إلا

(١) رواه أحمد في (م ٦/ ص ٣٦٥)، والهيثمي في مجمع الزوائد (٦: ٣٨)، وابن كثير في-

صفحة رقم 520

بالرشد ومكارم الأخلاق ولما قال: «ولا تعصينني في معروف» فقالت: والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء، فأقر النسوة بما أخذ عليهن من البيعة
. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أي لا تحبوا اليهود فإنهم قوم غضب الله عليهم.
روي أن جمعا من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود أخبار المسلمين لحاجتهم إليهم من إصابة ثمارهم، فنهوا عن ذلك بهذه الآية، قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ أي قد حرموا من ثواب الآخرة كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (١٣) أي كما حرم من ذلك الذين ماتوا منهم.
وقال أبو إسحاق: يئس اليهود الذين عاندوا النبي صلّى الله عليه وسلّم كما يئس الكفار الذين لا يؤمنون بالبعث من موتاهم.

- التفسير (٨: ١٢٣)، والسيوطي في الدر المنثور (٦: ٢١٠) والمتقي الهندي في كنز العمال ٤٧٣.

صفحة رقم 521
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا
تحقيق
محمد أمين الضناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1417
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية