آيات من القرآن الكريم

وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ

[القصص: ٢٨/ ٦٢] ويقال لهم: أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣) [الشّعراء: ٢٦/ ٩٢- ٩٣].
مظاهر القدرة الإلهية في الكون
تتوالى الآيات القرآنية تفضّلا من الله ورحمة في إيراد الأدلة القاطعة الحاسمة على إثبات وجود الإله الصانع الخالق، بما يشاهده الإنسان ويجاوره ويلمسه في هذا الكون العجيب من السماء والأرض، وتتلخص تلك الأدلة في لفت الأنظار إلى صاحب الخلق والإيجاد، والإحياء والإماتة، والتقدير والتدبير لحركة الكواكب والنجوم، وتقلّب الليل والنهار، وإنبات الأشجار من كروم النّخيل والعنب والزيتون والرمان، وحمل الثمار اليانعة والفواكه الدانية، قال الله تعالى:
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٩٥ الى ٩٩]
إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٩٨) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» «٦» «٧» «٨» «٩» «١٠» [الأنعام: ٦/ ٩٥- ٩٩].

(١) أي تصرفون.
(٢) شاق ظلمته عن بياض النهار.
(٣) يجريان بحساب مقدر في أفلاكهما.
(٤) في الأصلاب أو الأرحام.
(٥) في الأرحام ونحوها.
(٦) نباتا أخضر.
(٧) متراكما. [.....]
(٨) أول ما يخرج من ثمر النّخل.
(٩) عناقيد قريبة التّناول.
(١٠) نضجه وإدراكه.

صفحة رقم 584

هذه الآيات الكريمات تنبيه على مواطن العبرة والنظر، وضرورة التّأمّل في آفاق الكون الزاخرة بالبراهين الحسية على وجود الله تعالى، فهي ترشدنا إلى حقيقة بالغة واضحة، وهي أن الله سبحانه لا هذه الأصنام وبقية المخلوقات، هو فالق الحبّ والنّوى أي البزر، يشقّها بقدرته في التراب، فتنفلق منها النّبتة الصغيرة ذات الجذر الضعيف والوريقة الدقيقة، ويبين بعضها عن بعض، فيخرج منها- أي (من تلك النّوى) - الزرع على اختلاف أصنافه من الحبوب، والثمار على اختلاف ألوانها وأشكالها وطعومها، ويظهر النبات الحيّ المتحرّك من الحبّ والنّوى الذي هو جماد كالميت، ويوجد الحبّ والنّوى الميت من النبات الحيّ، والنطفة والبيضة من الحيوان، والإفرازات مثل اللبن من الحيوان الحيّ، ويتحقق النمو والتكاثر بين الحي والميت، والميت والحي، وهذا في المادّيات، وكذلك في المعنويات يخرج الله المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، ذلكم الفاعل هذا هو الله المتّصف بكمال القدرة، وبالغ الحكمة، المحيي والمميت، والموجد والمعدم، فكيف تصرفون أيها البشر عن إدراك الحق، وتعدلون عنه إلى الباطل، فتعبدون معه غيره، وتشركون به شريكا آخر عاجزا، لا يقدر على شيء من ذلك.
وتأمّل أيها الإنسان أيضا، فإن الله هو فالق الإصباح الذي يشقّ فجر النّور من أوساط الظلام، فهو خالق الضياء والظلام، وهو سبحانه الموجد سكون الليل وهدوءه، المبدع نظام الشمس والقمر طريقا للحساب ومعرفة عدد الشهور والسنوات، وكلاهما يجري بحساب دقيق لا يتقدم ولا يتأخر، ذلك الإبداع الشامل حاصل بتقدير الله القوي القاهر الذي لا يمانع ولا يغالب، العليم بكل شيء، فلا يغيب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء.
والله سبحانه هو الذي أوجد النجوم والكواكب الأخرى غير الشمس والقمر،

صفحة رقم 585

للاهتداء بها في الأسفار وفي ظلمات الليل والماء في البر والبحر، قد بيّن الله لكم الآيات القرآنية والآيات الكونية لأهل العلم والنظر الذين يدركون سرّ عظمة هذه الآيات، ويستدلون بها على وجود الله وقدرته ووحدانيته وعلمه.
وبعد بيان آيات الله في الأرض والسماء، ذكر الله تعالى آياته في الأنفس، فهو سبحانه الذي خلقكم جميعا أيها الناس في الأصل من نفس واحدة هي آدم عليه السّلام، وهو الإنسان الأول الذي تناسل منه سائر البشر بالتّوالد والتّزاوج عن طريق الاستقرار في الأرحام والاستيداع في الأصلاب، قد أبان الله العلامات الدّالة على قدرته وإرادته، وعلمه وحكمته لقوم يفهمون ما يتلى عليهم.
والله هو الذي أنزل بقدرته وتصريفه من السحاب ماء بقدر، مباركا ورزقا للعباد، فأخرج بالمطر أصناف النبات المختلف الشكل والخواص والآثار، وأخرج به زرعا وشجرا أخضر، وجعل من النبات حبّا متراكما بعضه على بعض كالسّنابل ونحوها، وجعل من طلع النّخل عناقيد قريبة التّناول، وأخرج من الخضر بساتين من العنب والزيتون والرّمان، متشابها في الورق والشكل، قريبا بعضه من بعض، ومتخالفا في الثمار شكلا وطعما وطبعا، حلوا وحامضا، انظروا وتأمّلوا إلى الثمار إذا أثمرت وإلى نضجها كيف صارت وأينعت، إن في ذلك لعلامات لقوم يصدقون بالله ويتّبعون رسله، وذلك هو الإيمان المطلوب، وتلك براهينه الدّالة عليه.
بعض المزاعم الباطلة بنسبة الجنّ والولد والصّاحبة لله تعالى
ليس هناك شيء أشدّ افتراء وكذبا على الله من نسبة الشركاء لله، من الجنّ والولد واتّخاذ الصّاحبة، فالله أسمى وأعلى وأغنى من كل ذلك، فلا حاجة له إلى الأعوان،

صفحة رقم 586
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية