
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَمَا قدرُوا الله حق قدره﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: مَا عظموا الله حق عَظمته، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَا عرفُوا الله حق مَعْرفَته، وَقَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: مَا وصفوا الله حق وَصفته، يُقَال: قدرت الشَّيْء، وَقدرته؛ إِذا عرفت حَقِيقَته.
﴿إِذْ قَالُوا مَا أنزل الله على بشر من شَيْء﴾ قيل: هَذَا قَول مَالك بن الصَّيف، كَانَ حبر الْيَهُود، فحاج النَّبِي، فَجرى على لِسَانه فِي المحاجة: مَا أنزل الله على بشر من شَيْء، وَكَانَ ذَلِك بِمَكَّة؛ فَنزلت الْآيَة.
﴿قل من أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نورا وَهدى للنَّاس﴾ أَي: أجبه يَا مُحَمَّد، وَقل: من أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى وَأَنْتُم تؤمنون بِهِ؟.
وَفِي الْقِصَّة: أَن الْيَهُود سمعُوا مِنْهُ تِلْكَ الْمقَالة؛ فعتبوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: أَلَيْسَ أَن الله قد أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى؟ فَلم قلت مَا أنزل الله على بشر من شَيْء؟ ! فَقَالَ مَالك بن الصَّيف: أَغْضَبَنِي مُحَمَّد؛ فَقلت مَا قلت؛ فَقَالُوا: وَأَنت إِذا غضِبت تَقول على الله

﴿أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نورا وَهدى للنَّاس تجعلونه قَرَاطِيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم مَا لم تعلمُوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم قل الله ثمَّ ذرهم فِي خوضهم يَلْعَبُونَ (٩١) وَهَذَا كتاب أَنزَلْنَاهُ مبارك مُصدق الَّذِي بَين يَدَيْهِ ولتنذر أم الْقرى وَمن حولهَا وَالَّذين﴾ غير الْحق؛ فَنَزَعُوهُ عَن الحبرية، وأجلسوا مَكَانَهُ كَعْب بن الْأَشْرَف.
﴿تجعلونه قَرَاطِيس تبدونها﴾ أَي: تكبون مِنْهَا كتبا تبدونها ﴿وتخفون كثيرا﴾ أَي: تخفون مَا فِيهِ نعت مُحَمَّد، وتبدون مِنْهَا مَا لَيْسَ فِيهِ نعت مُحَمَّد ﴿وعلمتم مَا لم تعلمُوا أَنْتُم وَلَا (آباؤكم﴾ ) قيل: هُوَ رَاجع إِلَى الْيَهُود، وَقيل: هُوَ خطاب للصحابة.
قَالَ الله - تَعَالَى -: (يَعْنِي: قل من أنزلهُ) وَهُوَ رَاجع إِلَى مَا تقدم ﴿قل الله ثمَّ ذرهم فِي خوضهم يَلْعَبُونَ﴾ وكل من خَاضَ فِيمَا لَا ينفح بِهِ فَهُوَ لاعب.