
وبصرناه وصيغة الاستقبال حكاية للحال الماضية لاستحضار صورتها فان قيل رؤية البصيرة حاصلة لجميع الموحدين كرؤية البصر ومقام الامتنان يأبى ذلك والجواب انهم وان كانوا يعرفون اصل دليل الربوبية الا ان الاطلاع على آثار حكمة الله تعالى فى كل واحد من مخلوقات هذا العالم بحسب أجناسها وأنواعها واشخاصها وأحوالها مما لا يحصل الا لاكابر الأنبياء ولهذا كان عليه السلام يقول فى دعائه (أرنا الأشياء كما هى) قال فى التأويلات النجمية اعلم ان لكل شىء من العالم ظاهرا. يعبر عنه تارة بالجسماني لما له من الابعاد الثلاثة من الطول والعرض والعمق ولتحيزه وقبول القسمة والتجزى. وتارة بالدنيا لدنوها الى الحس. وتارة بالصورة لقبول التشكل ولادراكه بالحس. وتارة بالشهادة لشهوده فى الحس. وتارة بالملك لتملكه والتصرف فيه بالحس. وباطنا يعبر عنه تارة بالروحانى لخلوه عن الابعاد الثلاثة وعن التحيز والتجزى فى الحس. وتارة بالآخرة لتأخره عن الحس. وتارة بالمعنى لتعريه عن التشكل وبعده عن الحس. وتارة بالغيب لغيبوبته عن الحس. وتارة بالملكوت لملاك عالم الملك والصورة به فان قيام الملك بالملكوت وقيام الملكوت بقدرة الحق كما قال الله تعالى فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ اى من طريق الملكوت والملكوت من الاوليات التي خلقها الله تعالى من لا شىء بامركن إذ كان الله ولم يكن معه شىء يدل عليه قوله أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فنبه على ان الملكوت لم يخلق من شىء وما سواه خلق من شىء وقد سمى الله تعالى ما خلق بالأمر امرا وما خلق من الشيء خلقا فقال أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فالله تعالى ارى ابراهيم ملكوت الأشياء والآيات المودعة فيها الدالة على التوحيد انتهى وقد اطلق العلماء الملك على ما يدرك بالبصر والملكوت على ما يدرك بالبصيرة فالملكوت لا ينكشف لارباب العقول بل لاصحاب القلوب فان العقل لا يعطى الا الإدراك الناقص بخلاف الكشف وتلك المكاشفة لا تحصل الا لاهل المجاهدة فانها ثمرة المجاهدة وهى مما يعز منا له جدا اللهم اجعلنا من اهل العيان دون السامعين للاثر وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ اللام متعلقة بمحذوف مؤخر والجملة اعتراض مقرر لما قبلها اى ليكون من زمرة الراسخين فى الإيقان البالغين درجة عين اليقين من معرفة الله تعالى فعلنا ما فعلنا من التبصير البديع المذكور لا لامر آخر فان الوصول الى تلك الغاية القاصية كمال مترتب على ذلك التبصير لا عينه وليس القصر لبيان انحصار فائدته فى ذلك كيف لا وارشاد الخلق والزام المشركين من فوائده بل لبيان انه الأصل الأصيل والباقي من مستتبعاته فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ اى ستره بظلامه رَأى كَوْكَباً جواب لما فان رؤيته انما تحقق بزوال نور الشمس عن الحس وهذا صريح فى انه لم يكن فى ابتداء الطلوع بل كان غيبته عن الحس بطريق الاضمحلال بنور الشمس والتحقيق انه كان قريبا من الغروب قيل كان ذلك هو الزهرة وقيل هو المشترى وكلاهما من الكواكب السبعة السيارة قالَ كأنه قيل فماذا صنع عليه السلام حين رأى الكوكب فقيل قال على سبيل الموافقة مع الخصم هذا رَبِّي وكان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والكواكب واستدل على فساد قول يحكيه على رأى خصمه ثم يكر عليه بالابطال فَلَمَّا أَفَلَ اى غرب
صفحة رقم 56
قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ اى الأرباب المنتقلين من مكان الى مكان المتغيرين من حال الى حال المحتجبين بالأستار فانهم بمعزل عن استحقاق الربوبية قطعا فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً اى مبتدئا فى الطلوع اثر غروب الكوكب قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ كما أفل النجم قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي الى جنابه لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ تعريض لقومه بانهم على ضلال ولعله عليه السلام كان إذ ذاك فى موضع كان من جانبه الغربي جبل شامخ يستتر به الكواكب والقمر وقت الظهر من النهار او بعده بقليل وكان الكواكب قريبا منه وافقه الشرقي مكشوف والا فطلوع القمر بعد أفول الكوكب ثم أفوله قبل طلوع الشمس مما لا يكاد يتصور فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً اى مبتدئة فى الطلوع قالَ هذا الجرم المشاهد رَبِّي هذا أَكْبَرُ من الكوكب والقمر وهو تأكيد لما رامه من اظهار النصفة بقوله لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا أَفَلَتْ كما أفل الكوكب والقمر وقويت عليهم الحجة ولم يرجعوا قالَ مخاطبا للكل صادعا بالحق بين أظهرهم يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ بالله تعالى من الأصنام والاجرام المحتاجة الى محدث فقالوا له ما تعبد قال إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ اى أخلصت دينى وعبادتى وجعلت قصدى لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ اى لله الذي خلقهما حَنِيفاً اى مائلا عن الأديان الباطلة كلها الى الدين الحق ميلا لا رجوع فيه وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ به تعالى فى شىء من الافعال والأقوال وهذه حال من كملت صقالة مرآة قلبه عن طبع الطبع وتنزهت عن ظلمة هوى النفس وشهواتها فانه لا يلتفت الى الاجرام والأكوان بل الى اليمين والشمال لان شوق الخلة الى الحضرة نصبه فى محاذاة ذاته المقدسة عن الجهة: قال فى المثنوى
آفتاب از امر حق طباخ ماست | ابلهى باشد كه كوئيم او خداست |
آفتاب كر بگيرد چون كنى | آن سياهى زو تو چون بيرون كنى |
نى بدرگاه خدا آرى صداع | كه سياهى را ببر داده شعاع |
كر كشندت نيم شب خورشيد كو | تا بنالى يا أمان خواهى ازو |
حادثات اغلب بشب واقع شود | وان زمان معبود تو غائب شود |
سوى حق گر راستانه خم شوى | وارهى از اختران محرم شوى |