
مرة أخرى بصيغة قراطيس في إحدى آيات هذه السورة بمعنى الصحف أو أوراق الصحف.
وعلى كل حال فالمتبادر أنه مادة ملساء خاصة بالكتابة ولعله الورق الحريري الذي يقال له البارشمن والذي روي أنه كان مستعملا في عصر النبي ﷺ في البلاد المتحضرة. أو لعله الورق المصري المصنوع من البردي والمسمى بالبابيروس.
وورود الكلمة في القرآن يدل على أن الورق أو ما يمكن أن يوصف بهذا الوصف كمادة يكتب عليها مما كان معروفا ومستعملا في عصر النبي ﷺ وبيئته قبل نزول القرآن.
ولقد روت الروايات أنه كان يكتب في بيئة النبي ﷺ وفي حياته ممتدا إلى ما قبله على الرق المتخذ من جلد الأنعام وعلى أكتاف العظام ولحاف الشجر وقطع النسيج. وقد يكون هذا صحيحا، غير أن أسلوب الآية وعدم ورود ذكر لغير القرطاس والرق «١» في القرآن كمادة للكتابة قد يدل على أن الكتابة على هاتين المادتين هي المألوف الذي لا يرد على البال غيره. ولما كان القرطاس قد تكرر ذكره في القرآن وجاء في صيغة جمع كما قلنا آنفا فيكون هو المألوف في الدرجة الأولى. ويكون ما استقر في الأذهان من بدائية أهل عصر النبي ﷺ وبيئته وكون أكتاف العظام ولحاف الشجر وقطع النسيج هي مادة الكتابة عندهم مبالغا فيه كثيرا.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٨ الى ٩]
وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩)
(١) وللبسنا عليهم ما يلبسون: أوجه التأويلات لهذه الجملة أنها بمعنى

(التبس عليهم الأمر فألبسهم الله ما ألبسوه لأنفسهم من الشك في كون رسل الله إليهم بشرا مثلهم).
تعليق على طلب «الكفار استنزال الملائكة وردّ القرآن عليهم»
في الآيات حكاية تحدّ للكفار يطلبون به أن ينزل على النبي ﷺ ملك يؤيد صلته بالله. وردّ عليهم أولا: بأن الله تعالى لو أنزل ملكا لكان في ذلك إيذان بحلول أجلهم وقضاء أمر الله فيهم، وحينئذ لا يبقى إمكان لإمهالهم وينصب عليهم البلاء والتدمير. وثانيا: بأن حكمة الله لو اقتضت إنزال ملك لجاءهم على صورة رجل، وحينئذ لا تكون المشكلة قد حلت إذ يكون التبس الأمر عليهم ولم يروا ما طمعوا في رؤيته على حقيقته. ووقعوا في الشك الذي وقعوا فيه حينما شكوا في أن يرسل الله رسولا من البشر فكانوا سببا في إلباس الله لهم ما ألبسوه لأنفسهم بهذا الشك.
ولم يرو المفسرون رواية ما في صدد المحكي قولهم في الآية الأولى.
ويلحظ شيء من الفرق بين أسلوب هذه الآية وأسلوب الآية السابقة لها حيث جاءت الآية السابقة بأسلوب المفروض من موقفهم إذا أنزل الله على النبي ﷺ كتابا في قرطاس في حين جاء أسلوب هذه الآية حكاية لطلب وتحدّ من بعض الكفار.
وحيث يسوغ هذا أن يقال إن الآيات بسبيل حكاية موقف تحدّ وجدل وجاهي والرد عليه. وإذا صح هذا تكون الآيات السابقة مقدمة لهذا الموقف، على أن احتمال كون الآيات استمرارا للسياق السابق بسبيل حكاية مواقف الكفار وتحدياتهم المتكررة واردا أيضا وفي هذه الحالة يكون ما حكته من تحدّ قد سبق نزول السورة فأشير إليه في معرض حكاية مواقف الكفار وتحدياتهم.
ولقد تكررت حكاية طلب الكفار استنزال الملائكة ومرت أمثلة من ذلك في السور التي سبق تفسيرها التي سبقت هذه السورة مباشرة على التوالي أي سور الحجر وهود ويونس ثم في سورتي الإسراء والفرقان قبلها. حيث يدل هذا على ما ذكرناه في سياق سورة المدثر من الجزء الكبير الذي كان يشغله الملائكة في أذهان