آيات من القرآن الكريم

وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ

ادعهم أيها الرسول وقل لهم: إن هدى الله هو الهدى، وطريق الإسلام هو الحق وهو الصراط المستقيم وقل لهم: إنا أمرنا بأن نسلم لرب العالمين فأسلمنا وجوهنا له وانقدنا لأمره إذ فيه الخير في الدنيا والآخرة، وأمرنا بأن نقيم الصلاة وأن نتقي الله في السر والعلن، فهو الذي إليه تحشرون وإليه وحده المرجع والمآب، وهو الذي خلق السموات والأرض خلقا متلبسا بالحق الذي لا شك فيه خلقا للسنن الكونية المشتملة على الحكم البالغة وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ. ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ واذكر يوم يقول للشيء أيا كان:
كُنْ فَيَكُونُ ومن كان أمره التكويني (كن) مطاعا وحاصلا (فيكون) كان أمره التكليفي كذلك أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وله الملك وحده، يوم ينفخ في الصور فيصعق من في السموات والأرض، ويهلك، حتى الملك الذي نفخ فيه، ثم ينفخ مرة أخرى، فإذا الكل قيام ينتظرون ماذا يفعل الله بهم وهو عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير.
فالله الموصوف بهذا، أندعو من دونه ما لا ينفع ولا يضر بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
كيف ترك إبراهيم الشرك؟ [سورة الأنعام (٦) : الآيات ٧٤ الى ٧٩]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٧٤) وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨)
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩)

صفحة رقم 630

المفردات:
إِبْراهِيمُ: خليل الرحمن، وأب إسماعيل، وجد العرب، وأبو الأنبياء- عليهم السلام- جميعا. آزَرَ: أبو إبراهيم أو عمه، وقيل غير ذلك. مَلَكُوتَ:
ملك الله وسلطانه فيهما. جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ: ستره بظلمته. كَوْكَباً: نجما مضيئا. أَفَلَ الأفول: غيبوبة الشيء بعد ظهوره. بازِغاً البزوغ: ابتداء الطلوع. فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ: أخرجهما إلى الوجود لا على مثال سابق.
حَنِيفاً: مائلا عن الشرك والضلال.
كان العرب يدينون لإبراهيم الخليل، ويعترفون به، ويدعون أنهم على ملته، وها هو ذا إبراهيم يجادل قومه ويراجعهم في عبادة الأوثان المرة بعد المرة، فهل من معتبر؟ ولقد أمر صلّى الله عليه وسلّم بأن يذكر هذا الوقت، والمراد ما حصل فيه لعل العرب يرجعون عن غيهم ويدركون خطأهم في عبادة الأوثان.
المعنى:
واذكر إذ قال إبراهيم لأبيه آزر: أتتخذ أصناما وأوثانا تعبدهم من دون الله؟ إنى أراك وقومك في ضلال مبين واضح، وأى ضلال أوضح وأكثر من عبادتكم صنما تتخذونه من حجر أو شجر أو معدن؟ تنحتونه بأيديكم، وتعبدونه، إن هذا لضلال مبين.
أتعبدون ما تنحتون؟ والله خلقكم وما تعملون فأنتم أرفع من الصنم شأنا، وأعلى مكانا، ثم تتخذونهم آلهة معبودة مقدسة.

صفحة رقم 631

وكما أرينا إبراهيم الحق في شأن أبيه وقومه، وأنهم على ضلال مبين أريناه المرة بعد المرة ملكوت السموات والأرض، فاطلع على أسرار الخلق وخفايا الكون، وهل يعرف ملكوته إلا هو، وهل وقف العلماء بمراصدهم ومكبراتهم وآلاتهم الحديثة إلا على ما يوازى حبة في صحراء بالنسبة إلى ملكوت الله؟
أرينا إبراهيم الملكوت وما فيه من أسرار العظمة، وبديع النظام، وقوة التدبير، وعظمة الخلق صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ليعرف إبراهيم نواحي العظمة وسنن الله في خلقه، وحكمه في تدبير خلقه، ليقيم بها الحجة على المشركين الضالين، وليكون في خاصة نفسه من الراسخين والموقنين بالتوحيد الخالص.
وهكذا أنار الله بصيرته، وأراه ملكوته، ولما جن عليه الليل، وستره بلباسه رأى كوكبا ممتازا عن الكواكب أنار الوجود وأفاض على العالم ضوءا خافتا، قال إبراهيم حينئذ في مقام المناظرة والمحاجة: هذا ربي تمهيدا لإقامة الحجة على قومه، فلما أفل وغاب وأسدل الليل عليه ستاره قال إبراهيم: ما هذا إله أبدا... يظهر ثم يختفى؟ أنا لا أحب الآفلين، ولا أثق بهم فضلا عن كوني أعتقد فيهم الربوبية، وكيف يفيد ما يغيب ويستتر؟ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً
وأراد إبراهيم أن يسلك طريقا آخر، فلما رأى القمر بازغا قد عم ضوؤه الكون، وهو أقوى من الكوكب، قال: هذا ربي، وهو أحق من الكوكب السابق، فلما أفل القمر وغاب كذلك، قال إبراهيم: ما هذا؟ تالله لئن لم يهدني ربي خالق الأكوان، والكواكب والأقمار لأكونن من القوم الضالين، وهذا تعريض بأن عبدة الكواكب والأصنام في ضلال مبين.
فلما رأى الشمس بازغة وهي أعظم الكواكب المرئية لنا وأعمها نفعا، إذ هي مصدر الحياة والدفء ومبعث النور والحركة قال إبراهيم: نعم هذا ربي. هذا أكبر من القمر والكوكب نفعا وضوءا وجرما، وفي هذا مجاراة لقومه في أفكارهم واستدراج لهم حتى يسمعوا حجته.
فلما أفلت واحتجبت ولفها الليل بأستاره بعد ما أدركها الاصفرار والذبول، وملأت الأفق بدم الشفق، وجاء الليل بجحافله قال: ما هذا يا قوم؟ إنى برىء مما تشركون بالله، فهذا حال الشمس والقمر والكوكب، وفيهن شيء من النفع ظاهر

صفحة رقم 632
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية