آيات من القرآن الكريم

وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ

عِلْمِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٧٤ الى ٧٦]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٧٤) وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ، قَرَأَ يَعْقُوبُ آزَرَ بِالرَّفْعِ، يَعْنِي: «آزَرُ»، وَالْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالنَّصْبِ، وَهُوَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ لَا يَنْصَرِفُ فينصب فِي مَوْضِعِ الْخَفْضِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ: آزَرُ اسْمُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ تَارِخُ أَيْضًا مِثْلُ إِسْرَائِيلَ وَيَعْقُوبَ وَكَانَ مِنْ كَوْثَى قَرْيَةٍ مِنْ سَوَادِ الْكُوفَةِ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَغَيْرُهُ: آزَرُ لَقَبٌ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَاسْمُهُ تَارِخُ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ:
هُوَ سَبٌّ وَعَيْبٌ، وَمَعْنَاهُ فِي كَلَامِهِمُ: الْمُعْوَجُّ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الشَّيْخُ الهرم بِالْفَارِسِيَّةِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَمُجَاهِدٌ: آزَرُ اسْمُ صَنَمٍ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ تَقْدِيرُهُ أَتَتَّخِذُ آزَرَ إِلَهَا، قَوْلُهُ: أَصْناماً آلِهَةً، دُونَ اللَّهِ، إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، أي: في خطأ بيّن.
وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ، أَيْ: كَمَا أَرَيْنَاهُ الْبَصِيرَةَ فِي دِينِهِ، وَالْحَقَّ فِي خِلَافِ قَوْمِهِ كذلك نريه، مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَالْمَلَكُوتُ الْمُلْكُ زِيدَتْ فِيهِ التَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ كَالْجَبَرُوتِ وَالرَّحَمُوتِ وَالرَّهَبُوتِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَعْنِي آيَاتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أُقِيمَ عَلَى صخرة [١] وكشف له عن ملكوت السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى الْعَرْشِ وَأَسْفَلَ الْأَرَضِينَ وَنَظَرَ إِلَى مَكَانِهِ فِي الْجَنَّةِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا [العنكبوت: ٢٧]، يَعْنِي:
أَرَيْنَاهُ مَكَانَهُ فِي الْجَنَّةِ.
«٨٧٩» وَرُوِيَ عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا أُرِي إِبْرَاهِيمُ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصَرَ رَجُلًا عَلَى فَاحِشَةٍ فَدَعَا عَلَيْهِ فَهَلَكَ، ثُمَّ أَبْصَرَ آخَرَ فَدَعَا عَلَيْهِ فَهَلَكَ، ثُمَّ أَبْصَرَ آخَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّكَ رَجُلٌ مُسْتَجَابُ الدَّعْوَةِ، فَلَا تَدْعُوَنَّ عَلَى عِبَادِي فَإِنَّمَا أَنَا مِنْ عَبْدِي عَلَى ثَلَاثِ خصال: إمّا أن يتوب إليّ فَأَتُوبُ عَلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ أُخْرِجَ منه نسمة

٨٧٩- لا أصل له في المرفوع.
ذكره السيوطي في «الدر المنثور»
(٢/ ٤٥) ونسبه لابن مردويه عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مرفوعا، وقد أشار الحافظ ابن كثير إلى هذه الرواية.
بعد أن ذكر مرسل مجاهد بنحو حديث علي. وقال: وقد روى ابن مردويه في ذلك حديثين مرفوعين، عن معاذ وعلي بن أبي طالب، ولكن لا يصح إسنادهما، والله أعلم اهـ. والصحيح أن المرفوع باطل لا أصل له، وإنما ورد عن سلمان قوله، وقد كان قرأ في كتاب الأقدمين، أخرجه الطبري ١٣٤٥٦ وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر، وأبو الشيخ عن سلمان الفارسي كما في «الدر» (٢/ ٤٥).
وسلمان كان قد قرأ في كتب الأقدمين.
وأخرجه الطبري ١٣٤٥٧ عن عطاء قوله.
وكرره ١٣٤٥٨ عن أسامة قوله، والظاهر أنه أسامة بن زيد.
الخلاصة: لا أصل لهذا الحديث في المرفوع، وإنما هو متلقى عن كتب الأقدمين.
(١) في المطبوع «صخر».

صفحة رقم 136

تَعْبُدُنِي، وَإِمَّا أَنْ يُبْعَثَ إِلَيَّ فَإِنْ شِئْتُ عَفَوْتُ عَنْهُ، وَإِنْ شِئْتُ عَاقَبْتُهُ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «وَإِمَّا أَنْ يَتَوَلَّى فَإِنَّ جَهَنَّمَ مِنْ وَرَائِهِ».
وَقَالَ قَتَادَةُ: مَلَكُوتُ السَّمَوَاتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ، وَمَلَكُوتُ الْأَرْضِ الْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالْبِحَارُ، وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، عَطْفٌ عَلَى الْمَعْنَى، وَمَعْنَاهُ: نُرِيهِ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، لِيَسْتَدِلَّ بِهِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً الْآيَةَ.
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي زَمَنِ نُمْرُودَ بْنِ كَنْعَانَ، وَكَانَ نُمْرُودُ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ التَّاجَ عَلَى رَأْسِهِ وَدَعَا النَّاسَ إِلَى عِبَادَتِهِ، وَكَانَ لَهُ كُهَّانٌ وَمُنَجِّمُونَ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّهُ يُولَدُ فِي بَلَدِكَ هَذِهِ السَّنَةَ غُلَامٌ يُغَيِّرُ دِينَ أَهْلِ الْأَرْضِ وَيَكُونُ هَلَاكُكَ وَزَوَالُ ملكك على يديه، ويقال: إِنَّهُمْ وَجَدُوا ذَلِكَ فِي كُتُبِ الأنبياء عليهم السلام.
فقال السُّدِّيُّ: رَأَى نُمْرُودُ فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ كَوْكَبًا طَلَعَ فَذَهَبَ بِضَوْءِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُمَا ضَوْءٌ، فَفَزِعَ مِنْ ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا، فَدَعَا السَّحَرَةَ وَالْكَهَنَةَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: هُوَ مَوْلُودٌ يُولَدُ فِي نَاحِيَتِكَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فَيَكُونُ هَلَاكُكَ وَهَلَاكُ مُلْكِكَ وَأَهْلِ بَيْتِكَ عَلَى يَدَيْهِ، قَالُوا: فَأَمَرَ بِذَبْحِ كُلِّ غُلَامٍ يُولَدُ فِي نَاحِيَتِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَأَمَرَ بِعَزْلِ الرِّجَالِ عَنِ النِّسَاءِ، وَجَعَلَ عَلَى كُلِّ عَشَرَةِ رَجُلًا فَإِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُجَامِعُونَ فِي الْحَيْضِ، فَإِذَا طَهُرَتْ حَالَ بَيْنَهُمَا، فَرَجَعَ آزَرُ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضِ فَوَاقَعَهَا، فَحَمَلَتْ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: بَعَثَ نُمْرُودُ إِلَى كُلِّ امْرَأَةٍ حُبْلَى بِقَرْيَةٍ [١]، فَحَبَسَهَا عِنْدَهُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِحَبَلِهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، لَمْ يُعْرَفِ الْحَبَلُ فِي بَطْنِهَا، وَقَالَ السُّدِّيُّ: خَرَجَ نُمْرُودُ بِالرِّجَالِ إِلَى مُعَسْكَرٍ وَنَحَّاهُمْ عَنِ النِّسَاءِ تَخَوُّفًا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْلُودِ أَنْ يَكُونَ، فَمَكَثَ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ بَدَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمْ يَأْتَمِنْ عَلَيْهَا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ إِلَّا آزَرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ وَدَعَاهُ وَقَالَ له: إنّ لي حاجة أحب [٢] أَنْ أُوصِيَكَ بِهَا وَلَا أَبْعَثُكَ إِلَّا لِثِقَتِي بِكَ، فَأَقْسَمْتُ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَدْنُوَ مِنْ أَهْلِكَ، فَقَالَ آزَرُ: أَنَا أَشَحُّ عَلَى دِينِي مِنْ ذَلِكَ، فَأَوْصَاهُ بِحَاجَتِهِ، فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ وَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ قَالَ:
لَوْ دَخَلْتُ عَلَى أَهْلِي فَنَظَرْتُ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى أُمِّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَتَمَالَكْ حَتَّى وَاقَعَهَا، فَحَمَلَتْ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمَّا حَمَلَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ قَالَ الْكُهَّانُ لِنُمْرُودَ: إِنَّ الْغُلَامَ الَّذِي أَخْبَرْنَاكَ بِهِ قد [حملت به] [٣] أمه الليلة، فأمر نمرود بقتل الْغِلْمَانِ، فَلَمَّا دَنَتْ وِلَادَةُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَخَذَهَا الْمَخَاضُ خَرَجَتْ هَارِبَةً مَخَافَةَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهَا فَيَقْتُلَ وَلَدَهَا، فَوَضَعَتْهُ فِي نَهْرٍ يَابِسٍ ثُمَّ لَفَّتْهُ فِي خِرْقَةٍ وَوَضَعَتْهُ فِي حَلْفَاءَ فَرَجَعَتْ فَأَخْبَرَتْ زَوْجَهَا بِأَنَّهَا وَلَدَتْ وَأَنَّ الْوَلَدَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَانْطَلَقَ أَبُوهُ فَأَخَذَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَحَفَرَ لَهُ سَرَبًا عِنْدَ نَهَرٍ، فَوَارَاهُ فِيهِ وَسَدَّ عَلَيْهِ بَابَهُ بِصَخْرَةٍ مَخَافَةَ السِّبَاعِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ فَتُرْضِعُهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا وَجَدَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ الطَّلْقَ خَرَجَتْ لَيْلًا إلى مغارة كانت قريبا منها فولدت

(١) في ب «بقريته». [.....]
(٢) في المطبوع «أريد» وفي ط «أحببت».
(٣) في المطبوع «حملته».

صفحة رقم 137

فِيهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَصْلَحَتْ مِنْ شَأْنِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمَوْلُودِ، ثُمَّ سَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَغَارَةَ وَرَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا ثُمَّ كَانَتْ تُطَالِعُهُ لِتَنْظُرَ مَا فَعَلَ فَتَجِدُهُ حَيًّا يمصّ إبهامه.
وقال أبو روق: قالت أُمُّ إِبْرَاهِيمَ ذَاتَ يَوْمٍ: لَأَنْظُرَنَّ إِلَى أَصَابِعِهِ، فَوَجَدَتْهُ يَمُصُّ مِنْ أُصْبُعٍ مَاءً، وَمِنْ أُصْبُعٍ لَبَنًا وَمِنْ أُصْبُعٍ عَسَلًا وَمِنْ أُصْبُعٍ تَمْرًا، وَمِنْ أُصْبُعٍ سَمْنًا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ آزَرُ قَدْ سَأَلَ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حملها ما فعل؟ فقالت: قد وَلَدْتُ غُلَامًا فَمَاتَ، فَصَدَّقَهَا فَسَكَتَ عَنْهَا، وَكَانَ الْيَوْمُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ في النشوء كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالسَّنَةِ [١]، فَلَمْ يَمْكُثْ إِبْرَاهِيمُ فِي الْمَغَارَةِ إِلَّا خَمْسَةَ عَشَرَ شَهْرًا حَتَّى قَالَ لِأُمِّهِ أَخْرِجِينِي فَأَخْرَجَتْهُ عِشَاءً فَنَظَرَ وَتَفَكَّرَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَقَالَ: إِنَّ الَّذِي خَلَقَنِي وَرَزَقَنِي وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي لَرَبِّي الَّذِي مَا لِي إِلَهٌ غَيْرُهُ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى السماء فرأى كوكبا قال: هَذَا رَبِّي، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بَصَرَهُ ينظر إِلَيْهِ حَتَّى غَابَ، فَلَمَّا أَفَلَ، قال: لا أحب الآفلين.
[فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ: هذا ربّي] [٢] ثم أتبعه بِبَصَرِهِ حَتَّى غَابَ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ هَكَذَا إِلَى آخِرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِيهِ آزَرَ وَقَدِ استقامت وجهته وعرف ربه وبرىء مِنْ دِينِ قَوْمِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُنَادِهِمْ بِذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ ابْنُهُ وَأَخْبَرَتْهُ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ ابْنُهُ، وَأَخْبَرَتْهُ بِمَا كَانَتْ صَنَعَتْ فِي شَأْنِهِ فَسُرَّ آزَرُ بِذَلِكَ وَفَرِحَ فَرَحًا شَدِيدًا.
وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ فِي السَّرَبِ سَبْعَ سِنِينَ، وَقِيلَ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ: سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً [٣]، قَالُوا: فَلَمَّا شَبَّ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ فِي السَّرَبِ قَالَ لِأُمِّهِ: مَنْ رَبِّي؟ قَالَتْ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ رَبُّكِ؟
قَالَتْ: أَبُوكَ، قَالَ: فَمَنْ رَبُّ أَبِي؟ قَالَتْ: نُمْرُودُ، قَالَ: فَمَنْ رَبُّهُ؟ قَالَتْ لَهُ: اسْكُتْ فَسَكَتَ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى زَوْجِهَا فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ الْغُلَامَ الَّذِي كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ يُغَيِّرُ دِينَ أَهْلِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ ابْنُكَ، ثُمَّ أَخْبَرَتْهُ بِمَا قَالَ، فَأَتَاهُ أَبُوهُ آزَرَ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا أَبَتَاهُ مَنْ رَبِّيَ؟ قَالَ: أمّك، قال: فمن رَبُّ أُمِّي؟
قَالَ: أَنَا، قَالَ: فمن رَبُّكَ؟ قَالَ: نُمْرُودُ، [قَالَ: فَمَنْ رَبُّ نَمْرُودَ؟ فَلَطَمَهُ لَطْمَةً وَقَالَ له: اسكت فلما جن اللَّيْلُ دَنَا مِنْ بَابِ السَّرَبِ فَنَظَرَ مِنْ خِلَالِ الصَّخْرَةِ فَأَبْصَرَ كَوْكَبًا قَالَ: هَذَا رَبِّي] [٤]، وَيُقَالُ [٥] : إِنَّهُ قَالَ لِأَبَوَيْهِ أَخْرِجَانِي فَأَخْرَجَاهُ مِنَ السَّرَبِ وَانْطَلَقَا بِهِ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، فَنَظَرَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْغَنَمِ، فَسَأَلَ أَبَاهُ مَا هَذِهِ؟ فَقَالَ: إِبِلٌ وَخَيْلٌ وَغَنَمٌ، [فَقَالَ:] [٦] مَا لِهَذِهِ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهَا رَبٌّ وَخَالِقٌ، ثُمَّ نَظَرَ فَإِذَا الْمُشْتَرِي قد طلع، ويقال: الزهرة، وكان تِلْكَ اللَّيْلَةُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَتَأَخَّرَ طُلُوعُ الْقَمَرِ فِيهَا، فَرَأَى الْكَوْكَبَ قَبْلَ الْقَمَرِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ، أَيْ: دَخْلَ، يُقَالُ:
جَنَّ الليل وأجنّ، وَجَنَّهُ اللَّيْلُ، وَأَجَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ يَجِنُّ جُنُونًا وَجِنَانًا إِذَا أَظْلَمَ وَغَطَّى كُلَّ شَيْءٍ، وَجُنُونُ اللَّيْلِ سَوَادُهُ، رَأى كَوْكَباً قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو رَأَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الألف، ويكسر هما ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ، فَإِنِ اتَّصَلَ بِكَافٍ أَوْ هَاءٍ فَتْحَهُمَا ابْنُ عَامِرٍ وَإِنْ لقيهما سَاكِنٌ كَسَرَ الرَّاءَ وَفَتَحَ الْهَمْزَةَ، وحمزة وَأَبُو بَكْرٍ وَفَتَحَهُمَا الْآخَرُونَ. قالَ هَذَا رَبِّي.
وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ فَأَجْرَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الظَّاهِرِ، وقالوا: كان إبراهيم مُسْتَرْشِدًا طَالِبًا لِلتَّوْحِيدِ حَتَّى وَفَّقَهُ الله وَآتَاهُ رُشْدَهُ فَلَمْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ فِي حَالِ الِاسْتِدْلَالِ، وَأَيْضًا كَانَ ذلك في حال طفوليته قبل قيام

١ هذه الآثار مصدرها كتب الأقدمين.
(٢) سقط من المطبوع.
٣ هذه الآثار مصدرها كتب الأقدمين.
(٤) زيادة عن المخطوط وط.
(٥) في المطبوع «قال».
(٦) سقط من المطبوع.

صفحة رقم 138
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي -بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
5
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية