
وقال عطاء: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ يؤخر عقوبته ليعمل ذنبه فإذا عمل ذنبه عاقبه.
قال الثعلبي: ورأيت في بعض التفاسير إن هذه الآية نافعة من وجع الضرس إذا كتبت على كاغد ووضع عليه السن.
وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا يعني القرآن الاستهزاء والكذب فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ فاتركهم ولا تجالسهم حَتَّى يَخُوضُوا يدخلوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ غير القرآن، وذلك
إن المشركين كانوا إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في رسول الله صلى الله عليه وسلّم فسبوا واستهزؤا بالقرآن، فنهى الله المؤمنين عن مجالستهم
وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ.
قرأ ابن عباس وابن عامر: ينسونك بالتشديد الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فقم من عندهم بعد ما ذكرت ثم قال وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ الخوض مِنْ حِسابِهِمْ من أيام الخائضين مِنْ شَيْءٍ.
قال ابن عباس: قال المسلمون: فإنا نخاف الإثم حين نتركهم فلا ننهاهم فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
وقال ابن عباس في رواية أخرى: قال المسلمون: لئن كنا كلما استهزأ المشركون في القرآن وخاضوا فيه قمنا عنهم لم نستطع أن نجلس في المسجد الحرام وأن نطوف بالبيت فنزل وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى أي ذكروهم وعظوهم وهي في محل النصب على المصدر أي ذكروهم ذكرى والذكر والذكرى واحد ويجوز أن يكون في موضع الرفع أي هو ذكرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ الخوض إذا وعظتموهم، وقيل: وإذا قمتم يسعهم في ذلك من الاستهزاء والخوض. وقيل: لعلهم يستحيون وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً باطلا

وفرحا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وذلك أن الله تعالى جعل لكم قوم عيدا يعظمونه ويصلون فيه فكان قوم اتخذوا عيدهم لهوا ولعبا إلّا أمة محمد صلى الله عليه وسلّم فإنهم اتخذوا عيدهم صلاة لله.
وذكرا مثل الجمعة والفطر والنحر وَذَكِّرْ بِهِ وعظ بالقرآن أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ يعني أن لا تبسل كقوله تعالى يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا. ومعنى الآية ذكرهم ليؤمنوا فلا تبسل نفس بما كسبت.
قال ابن عباس: تهلك، قتادة: تحيس.
الحسن، ومجاهد، وعكرمة، والسدي: تسلم للهلكة. علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس:
تفضح.
الضحاك: تفضح وتحرق. والمؤرخ، وابن زيد: تؤخذ.
قال الشاعر:
وإبسالي بني بغير جرم | بعونها ولا بدم مراق «١» |
وقال الأخفش: تُبْسَلَ أي تجزى. وقال الفراء: ترتهن.
وأنشد النابغة الجعدي:
ونحن رهنا بالإفاقة عامرا | بما كان في الدرداء رهنا فأبسلا «٢» |
وقال أهل اللغة: أصل الإبسال التحريم، يقال: أبسلت الشيء إذا حرمته، والبسل الحرام.
قال الشاعر:
بكرت تلومك بعد وهن في الندى | بسل عليك ملامتي وعتابي «٣» |
قال الشنفري:
. (٢) الصحاح: ٢/ ٤٧٠
. (٣) لسان العرب: ١١/ ٥٥
.

هنالك لا أرجو حياة تسرني... سمير الليالي مبسلا بالجرائر «١»
وقوله تعالى لَيْسَ لَها أي لتلك الأنفس مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ حميم وصديق وَلا شَفِيعٌ يشفع لهم في الآخرة وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ تفد كل فداء، لا يُؤْخَذْ مِنْها.
قال أبو عبيدة: وإن يقسطه كل قسط لا يقبل منها لأن التوبة في الحياة أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر حين دعا أباه إلى الكفر فأنزل الله تعالى قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا إن عبد ناه وَلا يَضُرُّنا إن تركناه وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا إلى الشرك بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ.
وتقول العرب لكل راجع خائب لم يظفر بحاجته: ردّ على عقبيه ونكص على عقبيه فيكون مثله كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ أي أضلته.
وقال ابن عباس (رضي الله عنه) : كالذي استغوته الغيلان في المهامة «٢» وأضلوه وهو حائر بائر فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ وحيران نصب على الحال.
وقرأ الأعمش، وحمزة: كالذي استهوى به، بالباء. وقرأ طلحة: استهواه بالألف.
وقرأ الحسن: استهوته الشياطون وفي مصحف عبد الله وأبي استهواه الشيطان على الواحد لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا يعني أتوا به، وقيل: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ أي لأن نسلم لِرَبِّ الْعالَمِينَ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ إلى قوله يُنْفَخُ فِي الصُّورِ.
قال أبو عبيدة: هو جمع صورة مثل سورة وسور.
قال العجاج:
ورب ذي سرادق محجور... سرت إليه في أعالي السور «٣»
وقال آخرون: هو فرن ينفخ فيه بلغة أهل اليمن.
وأنشد العجاج:
نطحناهم غداة الجمعين... بالضابحات في غبار النقعين
نطحا شديدا لا كنطح الصورين «٤»
. (٢) المهامة: البادية
. (٣) تفسير القرطبي: ١٥/ ٤٠
. (٤) الصحاح: ٢/ ٧١٦، ولسان العرب: ٤/ ٤٧٥
.