آيات من القرآن الكريم

قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﰿ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵ

بعض مظاهر القدرة الإلهيّة
اقتضت رحمة الله بعباده أن يعدّد لهم في مناسبات مختلفة بعض مظاهر قدرته ليرشدهم إلى الإيمان به لأنه القادر الرازق المنجي والمنتقم، وذلك سواء في حالات الشّدة والأزمة ليعرفهم من بيده الأمر المطلق، أو في حال التهديد والوعيد بالعذاب حين تكذيبهم برسالات الرّسل وانحرافهم عن طريق الاستقامة وانغماسهم في حمأة الرّذيلة والضّلالة، ومن هذه المظاهر قوله تعالى:
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٦٣ الى ٦٧]
قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤) قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» [الأنعام: ٦/ ٦٣- ٦٧].
هذه الآيات الأولى لتوبيخ عبدة الأوثان، وتعريفهم بسوء فعلهم في عبادة الأصنام، وتركهم الذي ينجّي من المهلكات، ويلجأ إليه في الشدائد.
ومعناها: قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين الغافلين عن آيات التوحيد: من الذي ينجّيكم من شدائد البر والبحر، وأهوال السفر ومخاوفه إذا ضللتم في أنحاء الأرض البرية والبحرية، فإنكم في وقت المحنة لا تجدون غير الله ملجأ تدعونه علانية وسرّا، بخشوع وخوف، ومبالغة في الضّراعة والتّذلل والخضوع، حال كونكم تقسمون: لئن أنجانا الله من هذه الشدائد والظلمات وضوائق الأمور، لنكونن من شاكري النعمة، المقرّين بتوحيد الله، المخلصين له في العبادة، دون إشراك.

(١) سرّا. [.....]
(٢) يخلطكم في المعارك.
(٣) فرقا مختلفة.
(٤) شدّة بعض في القتال.
(٥) نكرّرها بأوجه مختلفة.

صفحة رقم 563

قل أيها النّبي: الله تعالى هو الذي ينجيكم مرارا من هذه الأهوال، ومن كل كرب أي غم وشدة، ثم مع ذلك أنتم بعدئذ تشركون بالله غيره، فتخلفون وعدكم بالإيمان، وتخونون العهد مع الله سبحانه، وتحنثون بالقسم الذي حلفتموه. وهذا مع الأسف الشديد طبع أغلب الناس، يلجأ الإنسان عادة إلى الله في الشّدة والمكروه، ثم بعد النّجاة ينسى العهد، ويعود إلى الجهل والكفر، فلا يقدر الله حقّ قدره، ولا يعظم جناب ربّه.
قل أيها النّبي لهؤلاء المشركين على سبيل التهديد والوعيد والإنذار: الله هو القادر على أن ينزل عليكم ألوان العذاب المختلفة، كالرّجم بالحجارة أو الصواعق، أو البراكين والزلازل، أو الطوفان أو أعاصير الريح أو الخسف المعهود في الأمم السابقة، أو إيقاع الفرقة والفتن والاختلاط والاختلاف والاضطراب، حتى تصير الأمة شيعا وأحزابا وجماعات، كل فرقة لها اتجاه ومنهاج، فيقع التقاتل والتحارب، ويذيق بعض الناس بأس بعض وشدته، حتى يقتل بعضهم بعضا. والتّفرق والاقتتال أهون وأخفّ من عذاب الاستئصال.
انظر أيها النّبي على سبيل التعجيب كيف ننوّع أساليب الكلام، وكيف نبيّن الدلائل بوجوه مختلفة، إما بطريق محسوس أو بطريق معقول، لعلهم يفهمون الإنذارات ويتدبرون عن الله الحجج والبيّنات، فتحدث عندهم العبرة والعظة وتصحيح الأحوال. والمراد بذلك صرف أولئك الغواة المشركين عن غيّهم، وتوجيههم نحو ما يسعدهم وينجيهم.
ولكن أولئك المشركين من قريش وأمثالهم كذّبوا بالقرآن الذي جاء به محمد رسول الله، وبالهدى والبيان وبالعذاب الذي هدّدوا به، والحال أن القرآن وإنذاراته حق

صفحة رقم 564

وصدق ليس وراءه أصدق منه. قل أيها النّبي للمشركين: لست بموكل بكم ولا حفيظ، ولا بمدفوع إلى أخذكم بالإيمان وإجباركم على الهدى، فأنتم بملء حرّيتكم تختارون الإيمان وتتركون الضلالة والكفر.
ثم أعلن القرآن قاعدة عامة في التّهديد والوعيد على التّكذيب بالقرآن أو بالعذاب، فقال الله تعالى: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧) أي لكل خبر غاية ونهاية يعرف عندها صدقه من كذبه، وسوف تعلمون يقينا صدق الخبر وحقيقة الوعد والوعيد، وهو وعد الله رسوله بالنصر على أعدائه، ووعيده لهم بالعذاب في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) [فصّلت: ٤١/ ٥٣].
وإذا تفضّل الله على هذه الأمة المؤمنة برفع عذاب الاستئصال إكراما لنبيّها، فلم يبق بينهم داء إلا الفرقة والشّتات، والنّزاع والخلاف، فليحذروه ليكونوا أمة مهابة بين الأمم، وعنوانا طيبا رفيعا لرسالة الحقّ والقرآن.
جزاء المستهزئين بالقرآن
يوجد في كل أمّة أناس يعادون القيم الدينية والإنسانية والحضارية، لسوء في طباعهم، وانحراف في سلوكهم، وتأثّرا بأهوائهم وشهواتهم، ومن هؤلاء نفر من المشركين المكيّين كانوا يستهزئون بالقرآن المجيد، ويناصرون الأوثان والأصنام، وذلك منتهى التّردي في الإنسانية وإهدار الكرامة وإهمال العقل، ومثل هؤلاء لا يفيدهم نقاش ولا جدال، وأفضل شيء معهم هو التّرفع والإعراض عنهم، وإهمالهم وتركهم سادرين في ضلالهم، انتظارا لعذاب الله الذي يوقعه بهم في الدنيا والآخرة.

صفحة رقم 565
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية