آيات من القرآن الكريم

قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ
ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ

قوله: ﴿عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ﴾ : يجوز أن يكون الظرف متعلقاً ب «نبعث»، وأن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه صفة ل «عذاباً» أي: عذاباً كائناً من هاتين الجهيتن.
قوله: ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ﴾ عطف على «يَبْعَث» والجمهور على فتح الياء من «يَلْبسكم» وفيه وجهان، أحدهما: أنه بمعنى يخلطكم فِرَقاً مختلفين على أهواء شتى، كل فرقة مشايعة لإِمام، ومعنى خَلْطِهم إنشابُ القتال بينهم فيختلطوا في ملاحكم القتال كقول الحماسي:
١٩٤ - ١-

صفحة رقم 670

وكتيبةٍ لَبَّسْتُها بكتيبةٍ حتى إذا التبسَتْ نَفَضْتُ لها يدي
فَتَرَكْتُهمْ تَقِصُ الرماحُ ظهورَهم ما بين مُنْعَفِرٍ وآخرَ مُسْنَدِ
وهذه عبارة الزمخشري، فجعله من اللَّبس الذي هو الخلط، وبهذا التفسير الحسن ظهر تعدِّي «يلبس» إلى المفعول. و «شيعاً» نصب على الحال. وهي جمع شِيْعة كسِدْرة وسِدَر. وقيل: «شيعاً» منصوب على المصدر من معنى الفعل الأول أي: إنه مصدر على غير الصدر كقعدت جلوساً. قال الشيخ: «ويحتاج في جعله مصدراً إلى نَقْلٍ من اللغة». ويجوز على هذا أيضاً أن يكونَ حالاً كأتيته ركضاً أي: راكضاً أو ذا ركض. وقال أبو البقاء: «والجمهور على فتح الياء أي: يلبس عليكم أموركم، فحذف حرف الجر والمفعول، والأجودُ أن يكون التقدير: أو يلبس أموركم، فحُذِف المضاف وأُقيم المضاف إليه مُقامه»، وهذا كلُّه لاحاجةَ إليه لِما عَرَفْتَ من كلام الزمخشري.
وقرأ ابو عبد الله المدني: «يُلبسكم» بضم الياء من «ألبس» رباعياً، وفيه وجهان، أحدهما: أن يكون المفعول الثاني محذوفاً تقديره: أو يلبسكم الفتنة. و «شيعاً» على هذا حال أي: يُلْبِسكم الفتنة في حال تفرُّقكم وشتاتكم. والثاني: أن يكون «شِيعاً» هو المفعولُ الثاني كأنه جعل الناسَ يلبسون بعضَهم مجازاً كقوله:

صفحة رقم 671

والشيعة: مَنْ يتقوَّى بهم الإِنسان، والجمع: «شِيَع» كما تقدم، وأشياع كذا قاله الراغب، والظاهر أن أشياعاً جمع شِيَع كعِنَب وأعناب وضِلَع وأضلاع، وشِيَع جمع شِيْعة، فهو جمع الجمع.
قوله: ﴿وَيُذِيقَ﴾ نسق على «يَبْعَث» والإِذاقة: استعارة، وهي فاشية: ﴿ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ﴾ [القمر: ٤٨] ﴿ذُقْ إِنَّكَ﴾ [الدخان: ٤٩] ﴿فَذُوقُواْ العذاب﴾ [الأنعام: ٣٠]، وقال:

١٩٤ - ٢- لَبِسْتُ أناساً فَأَفْنَيْتُهمْ وأَفْنَيْتُ بعد أُناسٍ أُناسا
١٩٤ - ٣- أَذَقْناهُمْ كؤوسَ الموت صِرْفاً وذاقوا من أَسِنَّتنا كؤوسا
وقرأ الأعمش: ﴿ونذيق﴾ بنون العظمة، وهو التفاتٌ فائدتُه تعظيم الأمر والتحذير من سطوته.

صفحة رقم 672
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
عرض الكتاب
المؤلف
أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي
تحقيق
أحمد بن محمد الخراط
الناشر
دار القلم
عدد الأجزاء
11
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية