آيات من القرآن الكريم

قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﰿ

الْحَمِيدِ، وَقَدْرٌ آخَرُ مِنَ الْخُلُقِ الذَّمِيمِ، فَإِذَا مَاتَ الْجَسَدُ ظَهَرَ مِقْدَارُ ذَلِكَ الْخُلُقِ الْحَمِيدِ، وَمِقْدَارُ ذَلِكَ الْخُلُقِ الذَّمِيمِ، وَذَلِكَ الظُّهُورُ إِنَّمَا يَحْصُلُ فِي الْآنِ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ، وَهُوَ الْآنُ الَّذِي فِيهِ يَنْقَطِعُ تَعَلُّقُ النَّفْسِ مِنَ الْبَدَنِ، فَعَبَّرَ عَنْ هَذِهِ الْحَالَةِ بِسُرْعَةِ الْحِسَابِ، فَهَذِهِ أَقْوَالٌ ذُكِرَتْ فِي تَطْبِيقِ الْحِكْمَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى الْحِكْمَةِ الْفَلْسَفِيَّةِ، واللَّه الْعَالِمُ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]
قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ، وَكَمَالِ الرَّحْمَةِ وَالْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ.
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ بِالتَّشْدِيدِ فِي الْكَلِمَتَيْنِ، وَالْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَالتَّشْدِيدُ وَالتَّخْفِيفُ لُغَتَانِ مَنْقُولَتَانِ مِنْ نَجَا، فَإِنْ شِئْتَ نَقَلْتَ بِالْهَمْزَةِ، وَإِنْ شِئْتَ نَقَلْتَ بِتَضْعِيفِ الْعَيْنِ: مِثْلُ: أَفْرَحْتُهُ وَفَرَّحْتُهُ، وَأَغْرَمْتُهُ وَغَرَّمْتُهُ، وَفِي الْقُرْآنِ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ [الْأَعْرَافِ:
٧٢] وَفِي آيَةٍ أُخْرَى وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا [فُصِّلَتْ: ١٨] وَلَمَّا جَاءَ التَّنْزِيلُ بِاللُّغَتَيْنِ مَعًا ظَهَرَ اسْتِوَاءُ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي الْحُسْنِ، غَيْرَ أَنَّ الِاخْتِيَارَ التَّشْدِيدُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّه كَانَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَأَيْضًا قَرَأَ عَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ خِفْيَةً بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْبَاقُونَ بِالضَّمِّ، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ، وَعَنِ الْأَخْفَشِ فِي خُفْيَةٍ وَخِفْيَةٍ أنهما لغتان، وأيضا الخفية من الإخفاء، / والخفية مِنَ الرَّهَبِ، وَأَيْضًا (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هَذِهِ. قَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ لَئِنْ أَنْجانا عَلَى الْمُغَايَبَةِ، وَالْبَاقُونَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا عَلَى الْخِطَابِ، فَأَمَّا الْأَوَّلُونَ:
وَهُمُ الَّذِينَ قَرَءُوا عَلَى الْمُغَايَبَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا. قَرَأَ عَاصِمٌ بِالتَّفْخِيمِ، وَالْبَاقُونَ بِالْإِمَالَةِ، وَحُجَّةُ مَنْ قَرَأَ عَلَى الْمُغَايَبَةِ أَنَّ مَا قَبْلَ هَذَا اللَّفْظِ، وَمَا بَعْدَهُ مَذْكُورٌ بِلَفْظِ الْمُغَايَبَةِ، فَأَمَّا مَا قَبْلَهُ فَقَوْلُهُ: تَدْعُونَهُ وَأَمَّا مَا بَعْدَهُ فَقَوْلُهُ: قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَأَيْضًا فَالْقِرَاءَةُ بِلَفْظِ الْخِطَابِ تُوجِبُ الْإِضْمَارَ، وَالتَّقْدِيرُ: يَقُولُونَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا، وَالْإِضْمَارُ خِلَافُ الْأَصْلِ. وَحُجَّةُ مَنْ قَرَأَ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى: لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ مَجَازٌ عَنْ مَخَاوِفِهِمَا وَأَهْوَالِهِمَا. يُقَالُ: لِلْيَوْمِ الشَّدِيدِ يَوْمٌ مُظْلِمٌ.
وَيَوْمٌ ذُو كَوَاكِبَ أَيِ اشْتَدَّتْ ظُلْمَتُهُ حَتَّى عَادَتْ كَاللَّيْلِ، وَحَقِيقَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّهُ يَشْتَدُّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ، وَيَشْتَبِهُ عَلَيْهِ كَيْفِيَّةُ الْخُرُوجِ، وَيُظْلِمُ عَلَيْهِ طَرِيقُ الْخَلَاصِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَقَالَ: أَمَّا ظُلُمَاتُ الْبَحْرِ فَهِيَ أَنْ تَجْتَمِعَ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ وَظُلْمَةُ السَّحَابِ، وَيُضَافُ الرِّيَاحُ الصَّعْبَةُ وَالْأَمْوَاجُ الْهَائِلَةُ إِلَيْهَا، فَلَمْ يَعْرِفُوا كَيْفِيَّةَ الْخَلَاصِ وَعِظَمَ الْخَوْفِ، وَأَمَّا ظُلُمَاتُ الْبَرِّ فَهِيَ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ وَظُلْمَةُ السَّحَابِ وَالْخَوْفُ الشديد من هجوم الأعداء، وَالْخَوْفُ الشَّدِيدُ مِنْ عَدَمِ الِاهْتِدَاءِ إِلَى طَرِيقِ الصَّوَابِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عِنْدَ اجْتِمَاعِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْخَوْفِ الشَّدِيدِ لَا يَرْجِعُ الْإِنْسَانُ إِلَّا إِلَى اللَّه تَعَالَى، وَهَذَا الرُّجُوعُ يَحْصُلُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَعْظُمُ إِخْلَاصُهُ فِي حَضْرَةِ اللَّه تَعَالَى، وَيَنْقَطِعُ رَجَاؤُهُ عَنْ كُلِّ مَا سِوَى اللَّه تَعَالَى، وَهُوَ المراد من

صفحة رقم 19
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية