آيات من القرآن الكريم

قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﰿ

وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان: ٣٤] » انتهى «١».
وقوله سبحانه: مِنْ وَرَقَةٍ، أي: من وَرَقِ النَّبَاتِ، وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ، يريدُ: في أشدِّ حالِ التَّغَيُّبِ، وحكى بعضُ النَّاسِ عن جَعْفَرِ بنِ محمَّد قولاً: / أنَّ الورقَةَ يُرَادُ بها السِّقْطُ مِنْ أولادِ بني آدم، والحَبَّة: يرادُ بها الذي لَيْسَ بِسِقْطٍ، والرَّطْب يرادُ به الحَيُّ، واليابسُ يراد به المَيِّت، وهذا قولٌ جارٍ على طريقةِ الرُّمُوز، ولا يصحُّ عن جعفر بن محمَّد، ولا ينبغي أن يُلْتَفَتَ إلَيْه «٢».
وقوله تعالى: إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ، قيل: يعني كتاباً على الحقيقةِ، ووجْهُ الفائدة فيه امتحان ما يكتبه الحَفَظَةُ، وذلك أنَّه رُوِيَ أنَّ الحَفَظَةَ يرفَعُونَ مَا كَتَبُوهُ، ويُعَارِضُونَهُ بهذا الكِتَابِ المُشَارِ إلَيْه ليتحقَّقوا صِحَّة ما كتبوه، وقيل: المراد بقوله: إِلَّا فِي كِتابٍ: عِلْمِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ المحيطِ بكلِّ شيءٍ.
قال الفَخْرُ «٣» : وهذا هو الأصْوَبُ، ويجوزُ أنْ يقالَ: ذَكر تعالى ما ذَكَر مِنَ الوَرَقَةِ وَالحَبَّة تنبيهاً للمكلَّفين على أمر الحساب. انتهى.
قال مَكِّيٌّ: قالَ عبْدُ اللَّه بْنُ الحارِثِ: ما في الأرْض شَجَرٌ، ولا مَغْرَزُ إبرةٍ إلاَّ علَيْها مَلَكٌ، موكَّل، يأتي اللَّه بعلْمها بيَبَسِها إذا يَبِسَتْ، ورُطُوبَتِها إذا رَطِبَتْ «٤».
وقيل: المعنى في كَتْبِها أنه لتعظيمِ الأمرِ، ومعناه: اعلموا أنَّ هذا الذي لَيْسَ فيه ثوابٌ ولا عقابٌ- مكتوبٌ فكيف ما فِيهِ ثوابٌ أو عقاب. انتهى من «الهداية».
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٦٠ الى ٦٤]
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (٦٢) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤)

(١) أخرجه البخاري (٨/ ١٤١) كتاب «التفسير»، باب وعنده مفاتيح الغيب، حديث (٤٦٢٧)، والطيالسي (٢/ ٢٢- منحة) رقم (١٩٦٦)، وأبو يعلى (٩/ ٣٤٥) رقم (٥٤٥٦) كلهم من طريق الزهري، عن سالم، عن أبيه به.
وأخرجه البخاري (٢/ ٦٠٩) كتاب «الاستسقاء»، باب لا يدري متى يجيء المطر إلا الله، حديث (١٠٣٩) وأحمد (٢/ ٢٤، ٥٢، ٥٨)، من طريق عبد الله بن دينار، عن ابن عمر به. [.....]
(٢) ذكره ابن عطية (٢/ ٣٠٠).
(٣) ينظر: «مفاتيح الغيب» (١٣/ ١٠).
(٤) أخرجه الطبري (٥/ ٢١١) برقم (١٣٣١١)، وذكره ابن كثير (٢/ ١٣٧).

صفحة رقم 474

وقوله سبحانه: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ، يعني به: النّوم، ويَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ، أي: مَا كَسَبْتم بالنَّهار، ويحتمل أنْ يكون جَرَحْتُمْ هنا من الجرح كأن الذنْبَ جرح في الدِّين، والعربُ تقولُ:
............... وَجُرْحُ اللّسان كجرح اليد «١»
ويَبْعَثُكُمْ: يريد به الإيقاظَ، والضميرُ في فِيهِ عائدٌ على النهار قاله مجاهد وغيره «٢»، ويحتملُ أنْ يعود الضمير على التوفِّي، أي: يوقظُكُم في التوفِّي، أي: في خلالِهِ وتضاعِيفِهِ قاله عبد الله بن «٣» كثير.
ولِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى: المراد به آجالُ بني آدمَ، ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ يريدُ:
بالبَعْثِ والنشورِ، ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ، أي: يُعْلِمُكُمْ إعلامَ توقيفٍ، ومحاسبةٍ، ففي هذه الآية إيضاحُ الآياتِ المنصوبةِ للنَّظَر، وفيها ضَرْبُ مثالٍ للبعْثِ من القبور لأن هذا أيضاً إماتةٌ وبعْثٌ على نَحوٍ مَّا.
وقوله سبحانه: وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ: القاهرُ إنْ أُخِذَ صِفَةَ فِعْلٍ، أي: مظهر القَهْر بالصواعقِ والرياحِ والعذابِ، فيصحُّ أنْ تجعل فَوْقَ ظرفيةً للجهةِ لأن هذه الأشياء إنما تعاهَدَها العبادُ مِنْ فوقهم، وإنْ أُخِذَ الْقاهِرُ صفَةَ ذَاتٍ، بمعنى القُدْرة والاستيلاء، ف فَوْقَ: لا يجوزُ أنْ تكون للجهةِ، وإنما هي لعلُوِّ القَدْر والشِّأن على حد ما تقولُ: اليَاقُوتُ فَوْقَ الحديد، والأحرار فوق العبيد، ويُرْسِلُ عَلَيْكُمْ: معناه: يبثّهم فيكم، وحَفَظَةً: جمع حَافِظٍ، والمراد بذلكَ الملائكةُ الموكَّلون بكَتْبِ الأعمال، ورُوِيَ أنهم الملائكةُ الَّذين قالَ فيهِمُ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يتعاقب فيكم ملائكة باللّيل وملائكة

(١) عجز بيت لامرىء القيس وصدره: [المتقارب]
ولو عن نثا غيره جاءني................................
ينظر: «ديوانه»
(١٨٥)، «الخصائص» (١/ ٢١)، «الدر المصون» (١/ ٢٦٥).
(٢) أخرجه الطبري (٥/ ٢١٣) برقم (١٣٣١٨)، وذكره ابن عطية (٢/ ٣٠٠)، وذكره ابن كثير (٢/ ١٣٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٣٠) وعزاه لعبد بن حميد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن مجاهد بنحوه.
(٣) ذكره ابن عطية (٢/ ٣٠٠)، وذكره ابن كثير (٢/ ١٣٨) بنحوه.

صفحة رقم 475

بِالنَّهَارِ» «١» وقال السُّدِّيُّ وقتادة «٢»، وقال بعْض المفسِّرين: حَفَظَةً يَحفظُونَ الإنسانَ مِنْ كلِّ شيءٍ حتى يأتي أجله، والأول أظهر.
وقرأ «٣» حمزةُ وحْده: «تَوَفَّاهُ».
وقوله تعالى: رُسُلُنا: يريد به على ما ذكر ابنُ عباس، وجميعُ أهل التأويل:
ملائكةً مقترنينَ بمَلَكِ المَوْت، يعاونونه ويَأْتَمِرُونَ له «٤»، ثُمَّ رُدُّوا، أي: العبادُ، إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ، وقوله: الْحَقِّ: نعْتٌ ل مَوْلاهُمُ، ومعناه: الذي لَيْسَ/ بباطلٍ، ولا مَجَاز، أَلا لَهُ الْحُكْمُ: كلامٌ مضمَّنه التنبيهُ، وهَزُّ النفوسِ، وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ:
قيل لِعَليٍّ (رضي اللَّه عنه) : كَيْفَ يُحَاسِبُ اللَّهُ العِبَادَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؟! قَالَ: كَمَا يَرْزُقُهُمْ فِي الدُّنْيَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ» «٥».
وقوله تعالى: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً...
الآية: هذا تَمَادٍ في توبيخِ العادِلِينَ باللَّه الأوثانَ، وتركِهِمْ عبادَةَ الرَّحْمَنِ الذي يُنْجِي من الهَلَكَاتِ، ويُلْجَأُ إليه في الشّدائد، ودفع الملمّات، وظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ: يريدُ بها شدائِدَهُما، فهو لفظٌ عامٌّ يستغرقُ ما كان مِنَ الشدائدِ بظلمةٍ حقيقيةٍ، وما كان بغَيْر ظلمةٍ، والعَرَبُ تقول: عَامٌ أَسْوَدُ، ويَوْمٌ مُظْلِمٌ، ويَوْمٌ ذو كواكِبَ، يريدُونَ به الشِّدَّة، قال قتادة وغيره: المعنى: مِنْ كَرْبِ البَرِّ والبَحْرِ، وتَدْعُونَهُ: في موضعِ الحالِ، والتَّضَرُّعُ: صفَةٌ باديةٌ على الإنسانِ، وخُفْيَة: معناه: الاختفاء «٦»، وقرأ عاصمٌ «٧» في رواية أبي بكر: «وخفية»

(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه الطبري (٥/ ٢١٤) رقم (١٣٣٢٦، ١٣٣٢٧) بنحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٣٠١)، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٣٠) وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن السدي بنحوه، وكذلك عزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن قتادة بنحوه.
(٣) ينظر: «السبعة» (٢٥٩)، و «الحجة» (٣/ ٣٢١)، و «معاني القراءات» (١/ ٣٦١)، و «شرح شعلة» (٣٦٣)، و «العنوان» (٩١)، و «حجة القراءات» (٢٥٤).
(٤) أخرجه الطبري (٥/ ٢١٥) برقم (١٣٣٣٢، ١٣٣٣٣، ١٣٣٣٨)، وذكره ابن عطية (٢/ ٣٠١)، وذكره ابن كثير (٢/ ١٣٨) بنحوه، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٣٠)، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن ابن عباس.
(٥) ذكره ابن عطية (٢/ ٣٠١).
(٦) أخرجه الطبري (٥/ ٢١٦) برقم (١٣٣٤٦) بنحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٣٠٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٣١)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن قتادة.
(٧) ينظر: «الحجة» (٣/ ٣١٦)، و «إعراب القراءات» (١/ ١٥٩)، و «حجة القراءات» (٢٥٥)، و «معاني-

صفحة رقم 476
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية