آيات من القرآن الكريم

قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﰿ

العباد العارضة مدة حياتهم الدنيا، وقد زال كل ذلك بزوال عالم الدنيا وبقي المولى الحق وحده.
ثم بين أن ردهم إليه ليحكم بينهم بقضائه العدل فقال:
(أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) أي له الحكم وحده ليس لغيره منه شىء فى ذلك اليوم كما قال «إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ» وقال «وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ» وقال «قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» وسرعة حسابه- أنه يحاسب العباد كلهم فى أسرع زمن وأقصره، لا يشغله حساب أحد عن حساب غيره، ولا يشغله شأن عن شأن.
والخلاصة- إنه تعالى أسرع الحاسبين إحصاء للأعمال ومحاسبة عليها.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]
قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤)
تفسير المفردات
ظلمات البر والبحر: ضربان، ظلمات حسية كظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر، وظلمات معنوية كظلمة الجهل بالمسالك والطرق، وظلمة فقد الأعلام والمنار، وظلمة الشدائد والأخطار كالعواصف والأعاصير وهياج البحار، إلى نحو ذلك من الشدائد التي تبطل الحواس وتدهش العقول، قال الزجاج: العرب تقول لليوم الذي فيه شدة: يوم مظلم ويوم ذو كواكب أي إنه قد اشتدت ظلمته حتى صار كالليل فى ظلمته، وفى المثل: رأى الكواكب ظهرا، أي أظلم عليه يومه لا شتداد الأمر فيه

صفحة رقم 150

حتى كأنه أبصر النجم نهارا، والتضرع: المبالغة فى الضراعة، وهى الذل والخضوع، والمراد، له هنا ما كان صادرا عن الإخلاص الذي يثيره الإيمان الفطري الطوىّ فى أنفس البشر، والخفية (بالضم والكسر) الخفاء والاستتار، والدعاء قد يكون بالجهر ورفع الصوت مع البكاء، وقد يكون بالإسرار هربا من الرياء، فتارة يجأر المرء بالدعاء رافعا صوته متضرعا مبتهلا، وأخرى يسر الدعاء ويخفيه مخلصا محتسبا، ويتحرى ألا تسمعه أذن ولا يعلم به أحد، ويرى أنه يكون بذلك أجدر بالقبول، وأرجى لنيل المسئول، والكرب: الفم الشديد.
المعنى الجملي
بعد أن أبان سبحانه لعباده إحاطة علمه، وشمول قدرته، واستعلاءه عليهم بالقهر، وحفظه أعمالهم عليهم- ذكّرهم هنا بالدلائل الدالة على كمال القدرة الإلهية ونهاية الرحمة والفضل والإحسان.
الإيضاح
(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً؟) أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين الغافلين عن أنفسهم وعما أودع فى الآفاق من آيات التوحيد من ينجيكم من ظلمات البر إذا ضللتم فيه فتحيرتم وأظلمت عليكم المحجة، ومن ظلمات البحر إذا ركبتموه فأظلم عليكم فيه السبيل فلم تهتدوا- غير الله الذي إليه مفزعكم بالدعاء تضرعا منكم إليه، معلنين الدعاء تارة ومخفين له أخرى.
(لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) أي مقسمين: لئن أنجيتنا من هذه الظلمات التي نحن فيها لنكونن من المتصفين بالشكر، المخلصين لك بالعبادة دون من نشركه معك فى عبادتك.
وفى معنى الآية قوله: «هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ

صفحة رقم 151
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية