آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ
ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ

لسابق شقائهم والحقيقة التي لا غبار عليها هي ما ذكره الله بقوله «مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ» فلا يهتدي أبدا «وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ٢٩» فيهديه للإسلام وهذا عدل منه تعالى فهو الفاعل المختار المتصرف في ملكه يفعل ما يشاء كيف يشاء كما أن أحدكم إذا هدم داره هل يسأل عنها وهل يعد مقترفا جرما كلا والله لا يسأل عما يفعل بل خلقه يسألون إذا تجاوزوا على أحد، وهذه الآية دليل قاطع على عدم خلق الأفعال وإرادة المعاصي من العاصي ونفي الأصلح وأن الكفر والإيمان بإرادته تعالى والإرادة لا تتخلف عن المراد كما هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا لأهل العقائد الفاسدة من المعتزلة وأضرابهم الذين لما رأوا هذه الآية خارقة لعقيدتهم وعجزوا عن مقاومتها لوّوا أعناقهم فراموا رفضها وأوّلوا يضلله بيخذله ولم يلطف به، وقالوا إن معنى يجعله يلطف به كأن الله تعالى عاجز أن يقول ما قالوا لو كان المراد كما قالوا وله القول الفصل أو أنه تعالى ضاق كلامه عن التعبير بما أولوه حاشا ثم حاشا، وقدمنا في الآية ١٢ من سورة الحجر المارة ما يتعلق في هذا البحث فراجعها. قال تعالى يا
سيد الخلق «قُلْ» لهؤلاء المعاندين «أَرَأَيْتَكُمْ» أخبروني، تقول العرب أرأيتك أي أخبرني عن حالك والمراد بهذا الاستخبار تبكيتهم والقامهم الحجر بما لا سبيل إلى إنكاره «إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ» في الدنيا كما أتى على من قبلكم من الموت الفجائي بخسف أو رجم أو غرق أو صيحة أو غيرها فصعقتم حالا دون مهلة أتدعون أحد يكشف ما حل بكم أو أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ» على حين غرة «أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ» لكشف ذلك عنكم وهل تغيثكم أصنامكم إذا استغثتم بها على كشفه أجيبوني «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ٤٠» أنها تنجيكم من ذلك فإن قالوا لك شيئا أو لم يقولوا فقل يا سيد الرسل
«بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ» لا غير لأنكم تعرفون أنها لا تنفعكم في مهماتكم ولا في غيرها ولكنكم إذا دعوتم الله عن صدق نية وحسن عقيدة وحقيقة يقين «فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ ٤١» لشدة الهول النازل بكم فنتضرعون إلى الله بادىء الرأي وتدعون أصنامكم لعلمكم بعجزها عن دفع الضر عن نفسها فضلا عن غيرها، فإذا كان كذلك وهو كذلك أيليق بكم وأنتم تدعون العقل أن تتركوا

صفحة رقم 341

الإله الواحد الذي يلجأ إليه في المهمات وتعبدوا غيره حال الرخاء وهو جماد أو حيوان مخلوق لله لا يتمكن من عمل شيء أما بكم من عقل يمنعكم من هذا أما تعتبرون بمن مضى قبلكم «وَ» أنت يا أكمل الرسل لا تجزع لما ترى منهم «لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ» رسلا كثيرة فخالفوهم وكذبوهم وآذوهم أقوامهم مثل ما فعلت بك عشيرتك وأمتك وقد أمهلناهم ختى انقضى الأجل المضروب لهم فأصروا على كفرهم ولم يؤمنوا «فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ» الفاقة والشدة والسوء «وَالضَّرَّاءِ» نقص الأموال والأنفس والثمرات والأولاد «لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ٤٢» لنا ويخضعون لأوامر رسلنا ويتذللون فيتوبون فنعفو عنهم ولكنهم لم يفعلوا «فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا» لنا لعلنا تكشفه عنهم كما كشفناه عن قوم يونس راجع الآية ٩٨ من سورة يونس المارة «وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ» فلم يتضرعوا لنا عنادا هذا على أن لولا هنا نافية كما هي في الآية المذكورة من سورة يونس المارة إلا أن الجمهور على أنها أداة تحضيض بمعنى هلا كما في أكثر المواضع، وحملوا المغني على التوبيخ والتنديم وهو يفيد عدم الشرك وعدم الوقوع بدليل أداة الاستدراك تدبر «وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ٤٣ فأعجبتهم صنايع كفرهم ومعاصيهم وقدمنا ما يتعلق بهذا في الآية ٣٨ من سورة الحجر فراجعها «فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ» ولم يتعظوا بما أصابهم لكثافة الرّين الذي على قلوبهم وطبقات الصّدأ «فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ» من السعة والرخاء والصحة والسلامة والحياة والرياسة بدل الفقر والشدة ونقص الأموال والثمرات والذل والمهانة لنستدرجهم «حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا» من الخيرات والقوة والسلطان وظنوا أن ما كان بهم لم يكن للانتقام بل للسعادة والرضاء «أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً» فجأة وهم على أحسن حال يتمنونه لتشتد حسرتهم ويتضاعف ندمهم على ما تركوا من اللذات والشهوات لأنهم لو أخذوا حال الضيق لهان عليهم الأمر لأن كثيرا من المبتلين يتمنون الموت ليتخلصوا من بؤسهم وقد قال قائلهم:

ألا موت يباع فأشتريه فهذا الحال مما لا خير فيه
ولا تجد أحدا من المنعمين يريده بل أكره ما عليهم ذكره «فَإِذا هُمْ

صفحة رقم 342

مُبْلِسُونَ
٤٤» آيسون كثيروا الأسف والحسرة حزنا على ما فاتهم فيها لأن المبلس المطرق رأسه أسى على ما حل به من الندم وعدم تلافي ما فرط به، روى عامر بن عقبة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معصيته فإنما ذلك استدراج ثم تلا هذه الآية أسنده الطبري وذكره البغوي بغير سند «فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا» أنفسهم وأهلكوا عن آخرهم يقال دبر فلان القوم إذا كان آخرهم، أي فكأنهم لم يلبثوا فيها وقد انقلب فرحهم ترحا وعزهم ذلة كما قال القائل:

وقيل:
ألا إنما الدنيا كظل سحابة أظلنك يوما ثم عنك اضمحلت
فلا تك فرحانا إذا هي أقبلت ولا تك جزعانا إذا هي ولت
إذا جاءت الدنيا عليك فجد بها على الناس طرا قبل أن تتفلت
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ولا البخل يبقيها إذا هي ولت
ولكن هؤلاء كلهم جزع لأن ما هم قادمون عليه أشر مما فاتهم «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ٤٥» على تأييد رسله وإهلاك أعدائهم، وهذا تعليم من الله لأنبيائه والمؤمنين أن يحمدوه عند كفايته شر معانديهم ومناوئيهم وعند قضاء حوائجهم، وهذا الحمد واجب لأنه بمقابلة نعمته وهكذا يجب على كل من أولاء الله نعمة من مال أو ولد أو صحة أو غيرها، أما في غير مقابلة نعمه فهو مسنون في كل حال لأن نعم الله على العباد لا تحصى وقيل في المعنى:
نعم الإله على العباد كثيرة وأجلهنّ نجابة الأولاد
قال بعض المفسرين إن الله تعالى حمد نفسه بنفسه على ما فعل بهم أي لم يقصد به التعليم والأول أولى، قال تعالى «قُلْ» يا أكرم الرس لهؤلاء الكفرة «أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ» فصرتم عميا صما بكما عميا «مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ» أي بما أخذه منكم من تلك القوى فسيقولون لك حتما لا أحد يقدر على الإتيان لهم بشيء من ذلك إلا الله وانهم بفقدها يكونون كالجماد لأن الإنسان بغير هذه الحواس يختل نظامه ويفسد أمره وتتعطل مصالحه الدينية والدنيوية ولا يقدر على إيجادها إلا الذي

صفحة رقم 343

خلقها، فيا سيد الرسل «انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ» ونكررها لهم ليستدلوا بها معالم التوحيد وآثار النبوة وعلائم الآخرة «ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ٤٦» يصدّون ويعرضون ويميلون عنها، قال أبو سفيان عليه السلام في هذا المعنى:

عجبت لحكم الله فينا وقد بدا له صدفنا عن كل حق منزّل
أي أنه يتعجب كيف رحمهم الله وأخر عذابهم إلى أن وفقوا إلى التوبة والإيمان مع شدة إعراضهم عنه فيكون صدف هنا بمعنى أعرض وبمعنى مال وأصل الصدف الجانب والناحية ومنه الصدفة وتطلق على البناء المرتفع وجاء في الخبر أنه ﷺ مرّ بصدف مائل (أي بناء عال مائل) فأسرع ثم بكّتهم ثالثا بقوله عز قوله «قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً» عيانا أو خفية ليلا أو نهارا «هَلْ يُهْلَكُ» فيه أحد هلاك خسارة وحرمان «إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ٤٧» أنفسهم وغيرهم بسبب كفرهم وطغيانهم وبغيهم كلا لا يهلك غيرهم.
مطلب من هلك بسائق غيره لا يعذب وتبرؤ حضرة الرسول من قول قومه وقوله تعالى (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ) إلخ:
أما إذا كان الهلاك عاما وهلك فيه غير الظالم فإن هلاكه هذا بسائق غيره فلا يعد خسارة عليه وحرمانا بل إن الله تعالى يكافئه في الآخرة خيرا على عمله وخيرا على هلاكه كما أنه يجازي المضل على ضلاله وإضلاله غيره راجع الآية ٢٥ من سورة الأنفال في ج ٣ والآية ٨٨ من سورة النحل الآتية، «وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ» المؤمنين بالثواب «وَمُنْذِرِينَ» الكافرين بالعقاب «فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ» عمله بعد إيمانه «فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ» حين يخاف الناس «وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ٤٨» إذا حزنوا بل الأمن لهم والبشرى في الدنيا والآخرة «وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا» في الدنيا وأصروا على تكذيبهم حتى هلكوا فهؤلاء «يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ» بالآخرة حتما سواء سلموا من عذاب الدنيا أو عذبوا فيها جزاء «بِما كانُوا يَفْسُقُونَ» ٤٩ يخرجون عن الطاعة «قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ» أجري عليكم منها ما تريدون «وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ» لأخبركم بما تقترحون أيكون أم لا «وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي

صفحة رقم 344
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية