آيات من القرآن الكريم

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ۖ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ
ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ

وقال غيره من أهل التأويل: الليل والنهار في الحقيقة ما يكشف عما استتر من الأبصار: أبصار الوجوه، وأبصار القلوب.
والظلم ما يستر ويغطي على الأبصار: أبصار الوجوه، وأبصار القلوب، فالظلمة تجعل كل شيء مستورًا عليه، والنور يجعل كل شيء كان مستورًا عليه ظاهرًا باديًا، هذا هو تفسير الظلمة والنور حقيقة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) قيل: يشركون مع ما بيَّن لهم ما يدل على وحدانية الرب وربوبيته، أي: جعلوا كل ما يعبدونه دون اللَّه عديلا لله، وأثبتوا المعادلة بينه وبين اللَّه - تعالى - وليس لله - تعالى - عديل، ولا نديد، ولا شريك، ولا ولد، ولا صاحبة، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
وقال الحسن: (بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) أي " يكذبون.
وقوله - تعالى -: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢) أي: خلق آدم أبا البشر من طين، فأما خلق بني آدم من ماء؛ كقوله تعالى: (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ)، أخبر اللَّه - تعالى - أنه خلق آدم من الطين، وخلق بني آدم - سوى عيسى عليه السلام - من النطفة، وخلق عيسى - عليه السلام - لا من الطين ولا من الماء؛ ليعلموا أنه قادر على إنشاء الخلق لا من شيء، وأنه لا اختصاص للخلق بشيء، ولا ينكرون -أيضًا- إنشاء الخلق وإحياءهم وموتهم، وذلك لأنه لا يخلوا إما أن صاروا ترابًا أو ماء، أو لا ذا ولا ذا، فإذا رأوا أنه خلق آدم من الطين، وخلق سائر الحيوان من الماء، وخلق عيسى - عليه السلام - لا من هذين، كيف أنكروا إنشاء الخلق بعد الموت، وهو لا يخلو من هذه الوجوه التي ذكرنا؛ فيكون دليلا على منكري البعث بعد الموت،

صفحة رقم 6

على الدهرية في إنشاء الخلق لا من شيء؛ فإنهم ينكرون ذلك ويحيلونه؛ ولهذا وقعوا

صفحة رقم 12

في القول بقدم العالم، واللَّه الهادي.
ويحتمل قوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) أن يراد به في حق جميع بني آدم، وأضاف خلقنا إلى الطين، وكأن الخلق من الماء؛ لما أُبقِيَ في خلقنا من قوة ذلك الطين الذي في آدم وأثره، وإن لم يُرِه تلك القوة وذلك الأثر، وهذا كما أن الإنسان يرى أنه يأكل، ويشرب، ويغتذي، ويحصل به زيادة قوة في سمعه وبصره، وفي جميع جوارحه، وقد يحيا بها جميع الجوارح، وإن لم ير تلك القوة، فكذلك هذا.
ويحتمل -أيضًا- على ما روي في القصة أنه يمازج مع النطفة شيئًا من التراب، فيؤمر الملك بأن يأخذ شيئًا من التراب من المكان الذي حكم بأن يدفن فيه، فيخلط بالنطفة، فيصير علقة ومضغة، فإنما نسبهم إلى التراب لهذا.
ويحتمل النسبة إلى التراب وإن لم يكونوا من التراب؛ لما أن أصلهم من التراب، وهو آدم.
وقوله - تعالى -: (ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ)
فالقضاء يتوجه إلى وجوه كلها ترجع إلى معنى انقطاع الشيء وتمامه، وقد يكون لابتداء فعل وإنشائه؛ كقوله - تعالى -: (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ)، ويقال: قضيت هذا الثوب، أي: عملته وأحكمته.
وقد يكون بمعنى الأمر؛ قال اللَّه - تعالى -: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) أي: أمر ربك؛ لأنه أمر قاطع حتم.

صفحة رقم 13

وقد يكون بمعنى الإعلام؛ قال - تعالى -: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ)، أي: أعلمناهم إعلامًا قاطعًا. وقد يكون لبيان الغاية والانتهاء عنه والختم؛ كقوله - تعالى -: (ثُمَّ قَضَى أَجَلًا) أي: ختم ذلك وأتمه، وقد يكون غير ما ذكرنا.

صفحة رقم 14
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية