آيات من القرآن الكريم

قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُلْ لَا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ

تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (١٨٥)
[آل عمران: ٣/ ١٨٥].
كاشف الضّر وأصدق الشهود
يتعرّض الإنسان في حياته لأحداث كثيرة في النفس والأهل والمال، ويلتمس طرق النجاة والفرج من الكرب، وينتظر إزالة الضّر بمختلف الوسائل، فيبذل أقصى ما لديه من جهود، وأغلى ما لديه من أموال، ولا يجد المضرور أو المكلوم أو المصاب بابا يطرقه غير باب الله الكريم في أوقات السّحر وخفوت الأصوات وسكون الليل، وهذا أمر يقع بالفطرة من المؤمن والكافر والبرّ والفاجر، وكذلك إذا كذّب النّبي وتجهّم الناس في وجه دعوته لن يجد ملاذا له يصدق قوله ويشهد له بالحق سوى الله تعالى. قال الله عزّ وجلّ مبيّنا هاتين الحالتين:
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٧ الى ١٩]
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩)
«١» [الأنعام: ٦/ ١٧- ١٩].
أخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس قال: جاء النّحام بن زيد، وقروم ابن كعب، وبحري بن عمر، فقالوا: يا محمد، ما نعلم مع الله إلها غيره، فقال: لا إله إلا الله، بذلك بعثت، وإلى ذلك أدعو، فأنزل الله في قولهم: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ.. الآية.

(١) من بلغه القرآن إلى يوم القيامة.

صفحة رقم 533

ومعنى الآيات: الإخبار عن أن الأشياء كلّها بيد الله، إن ضرّ فلا كاشف لضرّه غيره، وإن أصاب بخير فكذلك أيضا لا رادّ ولا مانع منه. والضّرّ- بضم الضّاد:
سوء الحال في الجسم وغيره، والضّرّ- بفتح الضّاد: ضدّ النفع، وناب الضّر في هذه الآية مناب الشّر، وإن كان الشّر أعم منه، فقابل الخير.
يخبر الله بأنه: إن يصبك أيها الإنسان ضرر أو شدة من ألم أو فقر أو مرض أو أي مصيبة تحصل، أو حزن أو ذلّ ونحوه، فلا صارف له عنك ولا مزيل له إلا الله تعالى لأنه القادر على كل شيء، أي على كل شيء جائز أن يوصف الله تعالى بالقدرة عليه. وكذلك إن يحصل لك أيها الإنسان خير من صحة أو غنى أو عزّ ونحوه، فهو أيضا من الله سبحانه، لكمال قدرته على كل شيء، ولأنه القاهر الغالب صاحب العزّة والمجد والسلطان، والقاهر: أي المستولي المقتدر، ولأنه سبحانه الحكيم في جميع أفعاله، يضع كل شيء في موضعه المناسب له، وهو عزّ وجلّ الخبير بمواضع الأشياء، فلا يعطي إلا من يستحق، ولا يمنع إلا من يستحق، كما قال تعالى في آية أخرى: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢) [فاطر: ٣٥/ ٢].
وفي مقابلته تعالى الخير بالضّر إشارة إلى أن ما يصيب الإنسان في الدنيا ليس شرّا، بل قد يكون فيه نفع. وإذا كان الله تام القدرة والسلطان والتّصرف، فلا سبيل للعبد إلا اللجوء إليه ودعوته رغبا ورهبا. والفوقية في قوله: وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ فوقية استعلاء بالقهر والغلبة لا فوقية مكان.
ثم أيّد الله نبيّه محمدا صلّى الله عليه وسلّم بشهادة هي أعظم الشهادات وأجلّها، وأصحّها وأصدقها، وهي شهادة الله بالحق بين نبيّه محمد وبين المشركين، شهادة تدلّ على صدق النّبي صلّى الله عليه وسلّم وتكشف حال أعدائه. وتتضمن هذه الآية أن الله تعالى يقال عليه:

صفحة رقم 534

شيء، كما يقال عليه: موجود، ولكن ليس كمثله تبارك وتعالى شيء، فالله شيء لا كالأشياء. وهذه الآية للرّد على المشركين القائلين للنّبي صلّى الله عليه وسلّم: من يشهد لك بأنك رسول الله؟ فنزلت الآية.
وأردفها الله بأمر نبيّه بأن يخبر قومه: بأنه أوحي إلي هذا القرآن لأخوّفكم به العقاب والآخرة على تكذيبي، وأخوف به كل من بلغه هذا القرآن من العرب وغير العرب (العجم) فهو نذير لكل من بلغه وعلم به، ينذر من عصاه بالنار، ويبشّر من أطاعه وآمن به بالجنة، قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً [البقرة: ٢/ ١١٩].
روى عبد الرّزاق عن قتادة في قوله تعالى: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بلّغوا عن الله، فمن بلغته آية من كتاب الله، فقد بلغه أمر الله».
وفي رواية أخرى: «يا أيها الناس، بلّغوا عني ولو آية، فإنه من بلّغ آية من كتاب الله تعالى، فقد بلغه أمر الله تعالى، أخذه أو تركه».
ومن أهم خصائص دعوة النّبي صلّى الله عليه وسلّم التصريح بأن الإله إله واحد، وهو الله عزّ وجلّ، وأن هذا النّبي بريء مما يشرك به العرب وغيرهم من الأصنام والأوثان وغيرها.
إقرار غير المؤمنين بالحق والتوحيد
من المعلوم أن الحقيقة مرّة، وأن الاعتراف بها يحتاج إلى جرأة وصراحة، وقوة إيمان وصفاء نفس، ولكن هذا الإقرار تحجبه أحيانا كثيرة المؤثرات المصلحية والعوامل المادّية والتّخوف من فقدان المنصب والجاه، وضياع الذّات، وخسارة ولاء الأتباع والأنصار، والدليل على حجب الحقيقة الدينية الكبرى: اعتراف أهل الكتاب بصدق محمد صلّى الله عليه وسلّم في دعوته، وإعلان المشركين في الآخرة أنهم ما كانوا مشركين، قال الله تعالى:

صفحة رقم 535
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية