
و ﴿الْخَبِيرُ﴾ العالم بالشي. وتأويله: أنه العالم بما يصح أن يخبر به، والخبر (١) علمك بالشيء، تقول: لي به خبر، أي: علم، وأصله (٢) من الخبر؛ لأنه طريق من طرق العلم.
١٩ - قوله تعالى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾ الآية، قال المفسرون: (قال أهل مكة للنبي - ﷺ -: ائتنا بمن يشهد لك بالنبوة، فإن اليهود والنصارى ينكرونك (٣)، فنزلت هذه الآية (٤).
قال أصحاب المعاني: (في هذه الآية دلالة أن (شيئًا) من أسماء الله (٥) عز وجل، وأنه يجوز أن يسمى شيئًا؛ لأن قوله: ﴿أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾ جاء
(١) جاء في "اللسان" ٤/ ١٠٩٠: (خِبر) بكسر الخاء وضمها: العلم بالشيء). وانظر: "العين" ٤/ ٢٥٨، و"الجمهرة" ١/ ٢٨٧، و"الصحاح" ٢/ ٦٤١، و"المجمل" ٢/ ٣١٠، و"مقاييس اللغة" ٢/ ٢٣٩، و"المفردات" ص ٢٧٣ (خبر).
(٢) قال أبو علي الفارسي في "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج ص ٤٥ (الخبير عندنا من الخبر الذي يسمع؛ لأن معنى الخبير العالم) ا. هـ. وانظر: "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص ١٢٧، و"الأسماء والصفات" للبيهقي ص ١/ ١٢٥، و"المقصد الأسنى" للغزالي ص ٩٣، و"شرح أسماء الله الحسنى" ص ٣٤٨.
(٣) في (ش): (ينكرون)، وهو تحريف.
(٤) انظر: "تفسير السمرقندي" ١/ ٤٧٧، و"تفسير الثعلبي" ١٧٦ أو"تفسير الماوردي" ٢/ ١٠٠، و"أسباب النزول" للواحدي ص ٢١٦، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٣، و"تفسير الرازي" ١٢/ ١٧٥، وأكثرهم ذكره عن الكلبي، وبعضهم عن ابن عباس والحسن.
(٥) في (ش): (الله تعالى).

جوابه ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ (١)، ومعنى الشهادة البينة من طريق المشاهدة، ونظم هذه الآية مثل نظم قوله تعالى: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ الآية [الأنعام: ١٢]، وقد ذكرناه (٢). وقال مجاهد: (أمر أن يسأل قريشًا، ثم أمر أن يخبرهم فيقول: ﴿اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾) (٣).
وقال أبو إسحاق: (أمر الله عز وجل نبيه بأن يحتج عليهم ويعلمهم أن شهادة الله عز وجل بأنه واحد، وإقامة البراهين في توحيده ونبوة نبيه أكبر شهادة، وأن القرآن الذي أتى به يشهد له أنه رسول الله، فقال: ﴿قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ أي: الله الذي اعترفتم بأنه خالق السموات والأرض والظلمات والنور). (٤)
(والظاهر أنه من باب الإخبار فيصح أن يخبر عنه بالشيء لكنه شيء كامل، ولا يقال شيء على سبيل الإطلاق فقط، فهو ليس من أسماء الله تعالى؛ لأنه لا بد أن تتضمن أسماء الله معاني حسنى، لكن يصح أن يخبر عن الله بأنه شيء، ولكن لا يدعى به ولا يسمى به): أفاده ابن تيمية في "لفتاوى" ٦/ ٧٣، وابن القيم في "بدائع الفوائد" ١/ ١٦٢، ومحمد بن صالح العثيمين في "شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري" ص ١٠١.
(٢) جاء في النسخ (وقد ذكرنا) ثم صحح في أعلى السطر من (أ).
(٣) "تفسير مجاهد" ١/ ٢١٢، وأخرجه الطبري ٧/ ١٦٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٧١، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص ٢/ ٤٣، من طرق جيدة، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١٢.
(٤) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٤.

وقوله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ﴾، هذا احتجاج للنبي - ﷺ - على من أنكر نبوته؛ لأنه لم يأت أحد بمثله في إخباره عما سيكون وكان حقًّا، كقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧]، فعصمه حين لم يقتل مع تظاهر أعدائه عليه، وقوله: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة: ٣٣] ثم أظهر دين الإِسلام على سائر الأديان، وقال لليهود -وكانوا أعز قوم في وقتهم-: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ [البقرة: ٦١]، فهم أذلاء إلى يوم القيامة (١).
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ بَلَغَ﴾ قال ابن عباس: (يريد من أمتي إلى يوم القيامة) (٢).
قال الفراء: (والمعنى: ومن بلغه القرآن من بعدكم. و ﴿بَلَغَ﴾: صلة لمن، ونصبت ﴿مَنْ﴾ بالإنذار) (٣)، والعائد إلى الموصول محذوف (٤)، كقولك: الذي رأيت زيد، ومن ضربت عمرو، وقد مرَّ قبيل، والعلماء على أن من بلغته آية من كتاب الله فهو ممن بلغته الدعوة (٥).
(٢) ذكره المؤلف في "الوسيط" ١/ ٢٠، بلا نسبة، وأخرج الطبري ٧/ ١٦٣، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٧١، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ٢/ ٢٤ بسند جيد عنه في الآية قال: (يعني أهل مكة ومن بلغه هذا القرآن فهو له نذير) ا. هـ.
(٣) "معاني الفراء" ١/ ٣٢٩.
(٤) هذا قول الجمهور والتقدير: ولأنذر الذي بلغه القرآن، حذف العائد لاستعمال العرب ذلك ولدلالة الكلام عليه. انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٦٣، و"إعراب النحاس" ٢/ ٥٨، و"المشكل" ١/ ٢٤٧، ابن عطية ٥/ ١٥١، و"البحر" ٤/ ٩١، و"الدر المصون" ٤/ ٥٦٨.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٦٣، والبغوي ٣/ ١٣٣، وابن كثير ٢/ ١٤٢.

وكان مجاهد يقول: (حيث ما يأتي القرآن فهو داع ونذير)، ثم يقرأ هذ الآية (١).
وقال القرظي (٢): (من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدًا - ﷺ - وسمع منه) (٣). وقال النحاس (٤): ([و] (٥) فيه قول آخر: ﴿وَمَنْ بَلَغَ﴾ أي: [و] (٦) من احتلم) (٧)، فلا يكون إضمار الهاء. والعلماء (٨) والمفسرون على القول الأول [وهو منفرد بهذا القول (٩)].
وقوله تعالى: ﴿[أَئِنَّكُمْ] (١٠) لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى﴾ هذا استفهام معناه الجحد والإنكار.
(٢) تقدمت ترجمته.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٦٣، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٧١ من طرق يقوي بعضها بعضًا، وهو في "تفسير مجاهد" ١/ ٢٣١، عن محمد بن كعب. وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ١٣.
(٤) هو: أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي، أبو جعفر المصري المشهور بالنحاس.
(٥) لفظ: (الواو) ساقط من (ش).
(٦) لفظ: (الواو) ساقط من (أ).
(٧) "معاني النحاس" ٢/ ٤٠٦، و"إعراب النحاس" ١/ ٥٣٩، و"القطع والائتناف" ١/ ٢٢١، وذكر هذا القول مكي في "المشكل" ١/ ٢٤٧، وابن عطية ٥/ ١٥٢، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٩.
(٨) انظر: الطبري ١٦٣١٧، والسمرقندي ١/ ٤٧٧، والماوردي ١/ ٥١٤، والرازي ١٢/ ١٧٨، و"البحر" ٤/ ٩١.
(٩) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(١٠) جاء في النسخ (قل أئنكم) بزيادة قل، وهو تحريف.