آيات من القرآن الكريم

لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ

إذا همّ عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة، وإن لم يعملها، فإن عملها فعشر أمثالها، وإن همّ بسيئة فلا تكتبوها، وإن عملها فسيئة واحدة».
وفصل العلماء في شأن تارك السيئة فقالوا:
تارك السيئة الذي لا يعملها على ثلاثة أقسام:
١- تارة يتركها لله: فهذا تكتب له حسنة، لكفّه عنها لله تعالى، وهذا عمل ونية، ولهذا جاء: أنه يكتب له حسنة، كما جاء في بعض ألفاظ الصحيح:
«فإنما تركها من جرائي» أي من أجلي.
٢- وتارة يتركها نسيانا وذهولا عنها: فهذا لا له ولا عليه لأنه لم ينو خيرا ولا فعل شرا.
٣- وتارة يتركها عجزا وكسلا عنها بعد السعي في أسبابها والتلبس بما يقرب منها، فهذا بمنزلة فاعلها، كما
جاء في الحديث الصحيح عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه» «١».
اتباع ملة إبراهيم في التوحيد والعبادة والتبعة الشخصية
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٦١ الى ١٦٤]
قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤)

(١) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٩٦ وما بعدها.

صفحة رقم 121

الإعراب:
دِيناً منصوب بفعل مقدر دل عليه: هَدانِي، وتقديره: هداني دينا. وقال الزمخشري: نصب على البدل من محل إِلى صِراطٍ لأن معناه: هداني صراطا، بدليل قوله:
وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً [الفتح ٤٨/ ٢٠]، وقِيَماً صفة دِيناً أي دينا ذا استقامة، وقرئ: قيما بالتشديد من قام كسيّد من ساد، وهو أبلغ من القائم.
مِلَّةَ إِبْراهِيمَ عطف بيان وحَنِيفاً حال من إبراهيم.
مَحْيايَ بفتح الياء، عملا بالأصل وهو أن من حق الياء أن تكون متحركة مفتوحة، أو حركت لاجتماع ساكنين. ومن قرأ بسكون الياء فلأن حرف العلة يستثقل عليه حركات البناء.
أَغَيْرَ اللَّهِ غير: منصوب لأنه مفعول أَبْغِي ورَبًّا تمييز منصوب، والتقدير:
أأبغي غير الله من ربّ، فحذف من، فانتصب على التمييز.
البلاغة:
وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى: استعار أثقال الحمل على الظهور لأثقال الذنوب والآثام.
المفردات اللغوية:
دِيناً قِيَماً مصدر بمعنى القيام، أي ذا استقامة، أي أنه قائم مستقيم لا عوج فيه، وقرئ قِيَماً بالتشديد، أي مستقيما، ودين القيّمة بالتأنيث: أي دين الملة الحنيفية، وكل ذلك يعني انه دين يقوم به أمر الناس ونظامهم في الدنيا والآخرة، وهو منهاج مستقيم.
حَنِيفاً مائلا عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق وهو دين الإسلام.
وَنُسُكِي عبادتي من حج وغيره مَحْيايَ وَمَماتِي أي ما آتيه في حياتي، وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح، كله لله رب العالمين.
أَبْغِي رَبًّا لا أطلب غيره وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ مالكه وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ ذنبا

صفحة رقم 122

وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أي لا تتحمل نفس بريئة حمل نفس مذنبة آثمة أخرى، فقوله:
تَزِرُ تحمل، والوزر: الحمل الثقيل.
المناسبة:
لما بيّن الله تعالى في هذه السورة دلائل التوحيد، والرد على المشركين ونفاة القضاء والقدر، ختم الكلام بأن الدين القيّم والصراط المستقيم هو ملة إبراهيم القائمة على التوحيد وعبادة الله، ومسئولية كل شخص عن نفسه لا عن غيره، وأن الهداية لا تحصل إلا بالله، وأن الجزاء عند الله على الأعمال التي يقوم بها الإنسان، فهي دليل سعادته أو شقاوته.
التفسير والبيان:
يأمر الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم سيد المرسلين أن يخبر بما أنعم الله عليه من الهداية إلى صراطه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف، وهو ملّة أبيه إبراهيم الخليل عليه السلام.
قل أيها الرسول للناس قاطبة ومنهم قومك: إن ربي أرشدني ووفقني إلى طريق مستقيم لا عوج فيه، وهو الدين القيّم المؤدي إلى سعادة الدنيا والآخرة، القائم بالحق، الثابت الأصول، وهو المراد في مناجاة الله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ.
وهو ملة إبراهيم الخليل، فالتزموه، لكونه كان مائلا عن جميع أنواع الشرك والضلالة إلى الدين الحق: دين التوحيد. كما قال تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة ٢/ ١٣٠] وقال: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً، قانِتاً لِلَّهِ، حَنِيفاً، وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. شاكِراً لِأَنْعُمِهِ، اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً، وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ، ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل ١٦/ ١٢٠- ١٢٣].

صفحة رقم 123

وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أي وما كان إبراهيم من المشركين أبدا، وإنما كان مؤمنا بالله، موحدا إياه، مخلصا له عبادته.
فأما من يعتقد أن الملائكة بنات الله، أو عزيز ابن الله، أو عيسى المسيح ابن الله، فهؤلاء هم المشركون البعيدون عن ملة إبراهيم، كما قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ، وَهُوَ مُحْسِنٌ، وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا [النساء ٤/ ١٢٥].
هذا هو الدين الحق دين الإخلاص والعبادة لله وحده، وهو الذي بعث به جميع الأنبياء والرسل، وهذا مخالف لما كان عليه مشركو العرب وزعماء قريش الذين يلقبون أنفسهم «الحنفاء» مدّعين أنهم على ملة إبراهيم، وهو أيضا مخالف لما عليه أهل الكتاب (اليهود والنصارى) الذين يدعون أنهم أتباع ملة إبراهيم وأتباع موسى وعيسى، وذلك بدليل رد الله تعالى عليهم بقوله: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا، وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران ٣/ ٦٧].
لذا فإن دعوة الإسلام هي ملتقى جميع الأنبياء، وهو الدين المقبول عند الله كما قال: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران ٣/ ١٩] وقال: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً، فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ
[آل عمران ٣/ ٨٥].
ثم يأمر الله نبيه أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله، ويذبحون لغير اسمه: بأنه مخالف لهم في ذلك، فإن صلاته لله، ونسكه على اسم الله وحده لا شريك له، مثل قوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر ١٠٨/ ٢] أي أخلص له صلاتك وذبحك، فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها، فأمره الله بمخالفتهم، وإخلاص القصد والنية والعزم والعمل لله تعالى.

صفحة رقم 124

قُلْ: إِنَّ صَلاتِي... أي إن كل أنواع صلاتي وعبادتي ودعائي ونسكي أي عبادتي- وقد كثر استعمال النسك في الذبح وأداء شعائر الحج والعمرة وغيرهما- وكل ما آتيه في حياتي، وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح هو لله عز وجل، أي أن كل أعمالي ومقاصدي محصورة في طاعة الله ورضوانه، فهي آية جامعة لكل الأعمال الصالحة، وعلى المسلم أن يكون قصده وعمله وكل ما يقدمه من عمل هو وجه الله تعالى، سواء في أثناء حياته، أو ما يعقبه من عمل صالح بعد مماته، هو لله، وإلى الله، وفي سبيل الله، ولطاعة الله تعالى.
وخصص الصلاة بالذكر، مع كونها داخلة في النسك، لكونها روح العبادة التي قد تتلوث بمفاسد الشرك.
والله واحد لا شريك له في ذاته ولا في صفاته، ولا في ربوبيته، فله العبادة وحده، والتشريع منه وحده، بذلك أمرني ربي، وأنا أول المسلمين المنقادين إلى امتثال أوامره واجتناب نواهيه.
وهذا إثبات لتوحيد الألوهية، أعقبه بتوحيد الربوبية، فقال: قُلْ: أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا... أي أغير الله أطلب ربا سواه، مع أنه هو مالك كل شيء، خلقه ودبره، وهو مصدر النفع ومنع الضر، فكيف أجعل مخلوقا آخر ربّا لي؟! وما من عمل يكسبه الإنسان إلا عليه جزاؤه دون غيره، ولا تتحمل نفس بريئة أبدا ذنب نفس أخرى، فكل إنسان مجزي بعمله: كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ [الطور ٥٢/ ٢١] لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ [البقرة ٢/ ٢٨٦].
وبما أن كل إنسان مسئول عن عمله، صالحا كان أو سيئا، فإنه سيجزي عنه، إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا. والرجوع في نهاية المصير من الذين يلقبون أنفسهم «الحنفاء» لله وحده دون غيره، فهو الذي يخبركم باختلافكم في

صفحة رقم 125

الأديان، ويجازيكم عليه بحسب علمه وإرادته، كما قال: ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ، فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [آل عمران ٣/ ٥٥].
فقه الحياة أو الأحكام:
تتقابل في أغلب نواحي الحياة واجهتان متعاكستان: التفرق والاتحاد، ولم يسلم دين الله من تأثره بهاتين الواجهتين، فلمّا بيّن تعالى أن الكفار تفرقوا، بين أن الله هدى الأنبياء وخاتمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الدين المستقيم، وهو دين إبراهيم عليهم السلام.
والدين الحق القيم يتطلب تسخير كل الطاقات الدينية الإنسانية لله عز وجل، فله وحده يتوجه العبد بصلاته وعبادته ومناسكه وذبائحه وجميع قرباته وأعماله في حياته وما أوصى به بعد وفاته، لأنه سبحانه خالق الكون ومدبره ورب جميع العوالم والكائنات. وكل إنسان عاقل يفرده تعالى بالتقرب بأعماله وطاعاته إليه، دون غيره لأنه إله يستحق العبادة لذاته، وهو مصدر خير الإنسان ونفعه ومنع الضرر عنه.
وقوله تعالى: قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ إلى قوله:
قُلْ: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ استدل به الشافعي على افتتاح الصلاة بهذا الذكر، فإن الله أمر به نبيه صلّى الله عليه وسلّم، وأنزله في كتابه.
وفي حديث علي رضي الله عنه: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا افتتح الصلاة قال: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً، وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ- إلى قوله: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.
وروى مسلم أيضا هذا الحديث عن علي. وجاء فيه بعد قوله: وأنا من المسلمين: اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني

صفحة رقم 126

لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبّيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك».
وأخرجه الدارقطني أيضا وقال في آخره: بلغنا عن النّضر بن شميل، وكان من العلماء باللغة وغيرها قال: معنى قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والشر ليس إليك»
: الشر ليس مما يتقرب به إليك.
ولم ير الإمام مالك إيجاب التوجه في الصلاة على الناس، ولا قول:
«سبحانك اللهم وبحمدك» والواجب عليهم التكبير ثم القراءة، بدليل
قوله صلّى الله عليه وسلّم للأعرابي الذي علّمه الصلاة: «إذا قمت إلى الصلاة فكبّر ثم اقرأ»
ولم يقل له:
سبّح، كما يقول أبو حنيفة، ولا قل: وجهت وجهي، كما يقول الشافعي.
وقال لأبيّ: «كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟» قال: قلت: الله أكبر، الحمد لله رب العالمين.
فلم يذكر توجها ولا تسبيحا.
ويلاحظ أنه ليس أحد بأول المسلمين إلا محمدا صلّى الله عليه وسلّم. فإن قيل: أوليس إبراهيم والنبيون قبله؟ أجاب القرطبي بثلاثة أجوبة:
الأول- أنه أول الخلق أجمع معنى، كما
في حديث أبي هريرة من قوله صلّى الله عليه وسلّم: «نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة»
وفي حديث حذيفة: «نحن الآخرون من أهل الدنيا، الأوّلون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق».
الثاني- أنه أولهم لكونه مقدما في الخلق عليهم، قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ
قال قتادة: إن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال فيما رواه ابن سعد: «كنت أول الناس في الخلق، وآخرهم في البعث»
فلذلك وقع ذكره هنا مقدّما قبل نوح وغيره.

صفحة رقم 127

الثالث- أول المسلمين من أهل ملّته، كما قال قتادة وابن العربي وغيرهما «١».
وأما قوله تعالى: قُلْ: أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ فسبب نزوله أن الكفار قالوا للنّبي صلّى الله عليه وسلّم: ارجع يا محمد إلى ديننا، واعبد آلهتنا، واترك ما أنت عليه، ونحن نتكفّل لك بكل تباعة تتوقعها في دنياك وآخرتك، فنزلت الآية. وهي استفهام يقتضي التقرير والتوبيخ.
ودل قوله تعالى: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها على أنه لا يؤاخذ بما أتت من المعصية، وركبت من الخطيئة سواها.
واستدل الشافعي بهذه الآية على أن بيع الفضولي لا يصح.
ورد المالكية على ذلك فقالوا: المراد من الآية تحمل الثواب والعقاب دون أحكام الدنيا، بدليل قوله تعالى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى.
وبيع الفضولي موقوف عند المالكية والحنفية على إجازة المالك، فإن أجازه جاز، بدليل
أن عروة البارقي قد باع للنّبي صلّى الله عليه وسلّم واشترى وتصرف بغير أمره، فأجازه النّبي صلّى الله عليه وسلّم.
وفي هذا الحديث دلالة على جواز الوكالة المتفق عليها بين العلماء، وعلى أن الوكيل لو اشترى بالثمن المدفوع له كدينار أو درهم أكثر من المقدار المسمى، كرطل لحم، فاشترى به أربعة أرطال من تلك الصفة، فإن الجميع يلزم الموكل إذا وافق الصفة ومن جنسها لأنه محسن، وهو قول المالكية والصاحبين من الحنفية. وقال أبو حنيفة: الزيادة للمشتري. وحديث عروة حجة عليه.
ودل قوله تعالى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى على تقرير مبدأ المسؤولية الشخصية، وهي مفخرة من مفاخر الإسلام الكبرى، وللآية نظائر

(١) تفسير القرطبي: ٧/ ١٥٥

صفحة رقم 128
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية